المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان أبو ظبيمهرجاناتنقد

دروب الصليب.. فلسفة الحياة والموت على طريقة آلام المسيح

 

أحد تحف هذا العام السينمائية وينافس ضمن برنامج “آفاق جديدة”
“دروب الصليب”.. فلسفة الحياة والموت على طريقة آلام المسيح
أبوظبي: خاص “سينماتوغراف”
 
فيلم “دروب الصليب” الذي عرض بالأمس ضمن برنامج “آفاق جديدة” إحدى مسابقات مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الثامنه، سبقته دعايه كبيرة قبل عرضه تمثلت في حصوله على جائزة السيناريو خلال الدورة الأخيرة من مهرجان برلين هذا العام، وإشادة النقاد به واعتباره احد تحف هذا العام السينمائية، وهو من إخراج الألماني ديتريش بروجمان، ويعد الفيلم الطويل الثالث لمخرجه الذى ولد فى ميونخ عام 1976، وتخرج فى أكاديمية كونراد فولف فى بوتسدام، وأخرج أيضاً ثلاثة أفلام قصيرة منها أول أفلامه عام 2003.
 
وفى دروب الصليب” يعبر بروجمان عن رؤية نقدية عميقة لتأثير التطرف الدينى على الحياة الإنسانية، وبأسلوب فنى مبتكر وممتع يثير القلب والعقل معا مستخدما ما يعرف بـمحطات الصليب فى المسيحية، أو ما حدث للمسيح عليه السلام منذ الحكم عليه بالموت، وطوال يوم الجمعة العصيب على طريق الآلام، ولكن عن حياة وموت فتاة من أسرة كاثوليكية متزمتة فى جنوب ألمانيا خلال الزمن الحاضر.
 
 
يرسم السيناريو المكتوب بحرفيه عالية، وبسرد يخرج عن الأساليب المعروفة والمألوفه، فلسفة التفاني والإيمان، من خلال لوحات ثابته تعكس مشوار المسيح في طريقه الي أن تم صلبه، وتعمد المخرج خلالها عدم تحريك الكاميرا نهائيا، معتمدا على أداء المسرح وحركة الممثل بالابتعاد أو الاقتراب منها، باستثناء ثلاثه مشاهد فقط لاتؤثر على البنيان العام للفيلم، بل تضفي عليه رونقا وتميزا ليستحق أن يكون حالة فريدة فيما تم تقديمه من أفلام في عام 2014.
 
فيلم “دروب الصليب” يصور ببساطه شديدة حياة فتاة معذبة داخل أسرة كاثوليكية تعيش فى جنوب المانيا الآن، وتقوم تلك الاسرة بتربية ابنتها فى بيئة دينية صارمة نشعر معها احيانا بوصولها إلي درجة التطرف، وترصد الاحداث المتوالية الصراع الذى تقع فيه فتاة حسناء صغيرة السن بين تعاليم رجل دين صارم وبين صبى يدعوها للتدريب على الموسيقى فى كنيسة أكثر انفتاحا، وذلك عبر اكثر من عشر محطات أو مشاهد مطولة استعرض فيها السيناريو الخلاف بين ما تريده الأم لأبنتها من حياة كلاسيكية معقدة وملتزمة، وبين رغبة الفتاة فى أن تعيش بمشاعرها حياة طبيعية مثل كل البنات، وتكون الصدمة تصاعد الشعور الداخلي للفتاة برفض هذه الحياة وما تريده منها أمها، من خلال مشهد سيبقى عالقا في الذاكره، عندما يطلب الطبيب المعالج خروج أمها من غرفة الفحص، رافضا ايجاباتها نيابه عن ابنتها، التي تستسلم تماما لفكرة الموت والتضحية، التى لتشكل بحق صدمة للمجتمع، والرسالة الانسانية تتضح معالمها عبر سلوك سينمائى قوى، وايقاع بطىء مقصود يمنحك فرصة للتأمل فيما تسمع من حوار وتشاهد من مواقف.
 
 
وهى الرسالة التى تتجلى بشكل لافت للانتباه في كل مراحل الفيلم، الذي جسدت فصوله لغة سينمائية محبوكة دراميا وأداء غلب عليه الطابع النفسى بين وعظ الأم وتساؤلات المدرس حول الحياة ورفض البنت للتقاليد، وكلها عناصر امتزجت بصورة سينمائية معبرة عن صراع عادات الأجيال، وهو ما وضح فى رفض الابنة أن تبتسم فى الصورة الجماعية للأسرة التى أرادتها الأم، وكأنها ترفض الانخراط فى واقع أسرتها.
 
والواقع انه يظن كثير من صناع الأفلام حاليا أن القصص والحكايات الانسانية التى تطرحها الأعمال السينمائية أصبحت شىء لا يهم، وهم على خطأ فى ذلك، ويجب مشاهدة هذا العمل المميز، لمتابعة كافة تفاصيله التي تم اشتغالها بمهاره فائقة، (المشاهد، اللقطات، الصور، والحوار، وطريقة السرد غير المألوفه)، ما هى إلا انعكاس لحكايات بشر سواء يؤمنون بأنفسم ووجودهم أم لا يؤمنون، لكنهم جزء من العالم الكبير نفسه، ففى النهاية يبقى الفيلم البديع وتقاس مكانته بجانب حرفية صنعته من ديكور وتصوير وموسيقى ومونتاج وسيناريو، وبما يطرحه من أفكار شديدة الخصوصية ومعقدة ورغم ذلك جاءت متناهيه في بساطه التعبير والمقدرة على الوصول بشكل مباشر إلي عقل وقلب المشاهد، فكل هذه المفردات تستلهم إبداعها من رحم القصة الإنسانية التى يطرحها الفيلم، وصاغها سيناريست تخطى عامه الثلاثين بقليل وجسد ملاحها كصورة مخرج حفر اسمه في ذاكرة السينما.
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى