المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

ديكور.. حذلقة تأليفية أفسدت شهادة ميلاد جديدة

قدمت حورية فرغلي خلاله “الأداء الأسوأ”
“ديكور”.. حذلقة تأليفية أفسدت شهادة ميلاد جديدة
“سينماتوغراف” ـ أمجد جمال
 
بعد أن طغت الطموحات التجريبية على تماسك المواضيع بأفلامه السابقة التى كتبها بنفسه، أدرك أخيراً المخرج أحمد عبد الله أنه بحاجة ماسة لكاتب سيناريو لأفلامه، وهو ما حققه بفيلمه الأخير “ديكور” الذى يمكننا إعتباره شهادة ميلاد جديدة له وإنتقالة واثقة من مرحلة أقرب للمراهقة الفنية إلى مرحلة نضج لا يخلو من بعض الشغب المقبول الذى يحفظ للفن ما يجعله حياً متجدداً، فرغم كل عيوب هذا السيناريو الذى كتبه الأخَوَان محمد وشيرين دياب، فنحن هنا مازلنا أمام فيلم سينما حقيقى، وليس مشروع تخرج.
 
يحاول الفيلم طرح فكرة الهروب من الواقع إلى الخيال من خلال “هيام” (حورية فرغلى) التى تعمل مع زوجها “شريف” كمصممين ديكور بأحد الأفلام التجارية المنعدمة للقيمة الفنية، وهو ما يتصادم مع طموحات الزوجين الذين أرادا دوماً تقديم فن حقيقى ولكن فى النهاية رضخا للعمل فى الأفلام التجارية من أجل كسب العيش، وفى أحد مشاهد تصوير واحد من تلك الأفلام تجد “هيام” نفسها إنتقلت لحياة أخرى تكون فيها أم لطفلة وزوجة لرجل آخر هو “مصطفى” (ماجد الكدوانى) فى أسرة يغلب عليها الطابع المحافظ البرجوازى التقليدى المتناقض تماماً مع أسلوب حياتها الخفيف والمتحرر مع “شريف” الأكثر وسامة ورومانسية من “مصطفى”.
 
تستمر البطلة فى التنقل بين العالمين على مدار زمن الفيلم، دون أن يؤكد لنا الصانعون وبشكل قاطع ما هو الحقيقى وما هو الخيال، ليست هذه المشكلة، فهم أرادوا عرض حيرة البطلة بين عالمين وأسلوبى حياة لا يتفوق كثيراً أحدهما عن الآخر. لقد إختار المؤلفان لفيلمهما تيمة “الإختيار” وهى نفس التيمة التى إستخدمها من قبل شقيقهما خالد دياب فى فيلم “بلبل حيران” ووصل لنتيجة لا تختلف كثيراً فى هلاميتها عن نتيجة شقيقيه فى “ديكور”. ما يجعلنا هنا أمام أول مشاكل السيناريو.
 
يقول بطل الفيلم خالد أبوالنجا أنه يرى “ديكور” فيلماً ينتقد حالة الإستقطاب السياسى التى نعيشها مؤخراً ووصفها بتهكم بأنها حالة “يا إما مرسى يا إما السيسى”، وذلك يتوافقً مع المواقف السياسية المعلنة للمخرج والمؤلف أيضاً، كما يتوافق كليّة مع مشهد نهاية أو لنقل قبل نهاية الفيلم الذى تختار فيه البطلة اللا شىء، المشكلة هنا ليست فى الموقف السياسى للصناع لأن السياسة بقنواتها المعروفة تكفل لهم خيار اللا خيار، خيار التصويت أو الإمتناع، خيار تبنى وجهة نظر سياسية أو عدم الإهتمام..
 
أما السينما فهى شأن آخر عن السياسة، وكان من البديهى لفيلم يتخذ من الإختيار تيمة له أن يطلعنا فى النهاية على إختيار حتى لو كان إختياراً ثالثاً لم يطرح خلال أحداث الفيلم، أو حتى إيحاء لما يمكن تسميته بالنهاية المفتوحة، كالتى حدثت مثلاً بالفيلم الأميركى “إمرأة غير متزوجة” وهو فيلم يتطابق تماماً فى تيمته مع “ديكور” حيث تجرب بطلته ثلاثة أنواع من العلاقات والرجال وتكتشف عيوب الثلاثة ما يجعلهم جميعاً سواسية فتتركهم، وينتهى الفيلم بمشهد وهى تسير فى زحام شوارع نيويورك حاملة بيديها لوحة ضخمة تعبّر عن ثقل وصعوبة ما هى مقدمة عليه فى الحياة فى حلقة أبدية من المعاناة، أما ما حدث فى ديكور فهو ليس نهاية مفتوحة بل نهاية عاجزة لا تقول شيئاً، ولا تحفز ذهن المتفرج لإختيار نهايته، وأقصد بالنهاية هنا نهاية قصة “هيام”.
 
 
وتأتى النهاية التابعة لها بمشهد داخل قاعة سينمائية يصفق فيها الحضور بسعادة مريبة لا تتناسب مع تشاؤمية نهاية الفيلم الذى شاهدوه والذى لم يكن سوى قصة هيام بعد أن اكتشفنا أننا كنا نشاهد فيلماً داخل فيلم بداخل فيلم آخر، وما زاد الموضوع ريبة تلك اللقطة الأخيرة التى تعود بها الألوان مع عودة قبح الواقع بعد خروج الحضور من السينما وكأن قصة هيام التى انتهت فى مشفى للأمراض النفسية بعد فساد حياتها المستقرة وضبابية مستقبلها كانت تمثّل الجمال الذى يحتاج لصدمة المقارنة مع الواقع!، هنا أضاع المؤلفون التيمة بغرابة وحذلقة تأليفية لم يكن لها داعى جعلت الفيلم يتناقض مع نفسه.
 
ومن المظاهر الآخرى لتناقض الفيلم مع نفسه هو أنه أخبرنا فى البداية أن الفيلم الذى يعمل به الزوجان هو فيلم تجارى مسف، وأخبرنا أيضاً أن “هيام” تتخيل أنها تعيش فى دور بطلة هذا الفيلم المسف، لكن ما شاهدناه من تخيلات “هيام” لم يكن له علاقة بنوعية الأفلام المسفة التى نعرفها!
 
شىء آخر لم نعرفه وهو لماذا تفاجأت “هيام” فى البداية حين وجدت نفسها فجأة تنتقل من عالم شريف إلى عالم مصطفى، رغم أنها أكدت لاحقاً مع طبيبها النفسى أنها تفعل ذلك بإرادتها، أى أنها تعى ما تفعله، فلماذا المفاجأة فى البداية ولماذا لم تتكرر مع توالى الإنتقالات بين العوالم على مدار زمن الفيلم؟ الموضوع بدا وكأنه رغبة من الصناع فى لفت انتباه المتفرج إلى أن هناك شيئاً غريباً حدث وكأن المتفرج غبى لتلك الدرجة!
 
نفس الشىء تكرر مع تكرار جمل حوارية على مدار زمن الفيلم تتحدث فيها البطلة بأسلوب فج فى مباشرته بأنها ترفض الواقع، وساهمت مشاهد الطبيب النفسى فى تأكيد نفس الشىء مرتين، وكأن المتفرج عاجز لفهم سبب تنقل البطلة بين الواقع والخيال، أو ربما لأن السبب الذى تم عرضه لم يكن قوياً بما يكفى لنفهم مأساوية الواقع الذى دفع بها للخيال، فقد بدت مشكلة هيام كزوجة لشريف تافهة للدرجة التى تشكك فى جدية صراعها الداخلى، ثم أنها مازالت تحب الأفلام المصرية الكلاسيكية ذات الطابع الرومانسى فما الذى يجعلها تهرب من واقع شريف إلى واقع مصطفى الذى ليس له علاقة بعالم أفلام الأبيض والأسود من قريب أو بعيد، وهنا أقصد مصطفى فى الواقع الخاص بمصطفى وليس الواقع الخاص بشريف حيث يستمع إلى أغانى الطرب عبر جهاز الفونوجراف. لعل ذلك ما جعل المؤلفان يلجآن للحوار لدفعنا لفهم شىء لم يعطياه حقه بصرياً أو درامياً.
 
إستخدم الفيلم لقطات عديدة من أفلام مصرية كلاسيكية على سبيل الإحتفاء والتدليل على هواية البطلة، لكن تلك اللقطات لم توضع فى سياق جيد أو ذا معنى بإمكانه خلق حالة حنين حقيقية مع تلك الفترة التاريخية وما تمثله فنياً وثقافياً، وكان يمكن استغلالها بشكل أكثر نفعاً للدراما وجمالاً فى الصورة.
 
قدم ماجد الكدوانى أداءً مفعم بالكاريزما، ولم يضف خالد أبو النجا شىء لم نشاهده من قبل، أما حورية فرغلى فقد قدمت الأداء الأسوأ ليس فى هذا الفيلم فقط بل ربما فى تاريخ أدوار البطولة النسائية.
 
و لفت نظرى بعض التفاصيل التى أجاد في رسمها الصناع، بينها مشهدى الحانة التى نسمع بهما أغنية “شبابيك” بتوزعين موسيقيين مختلفين عبّر الأول عن رتابة موسيقى فترة الثمانينات المتناسقة مع رتابة أسلوب حياة مصطفى، وعبّر الثانى عن رومانسية وجموح فترة موسيقى الجاز المتناسقة مع أسلوب حياة شريف، ومن اللقطات التى لا يجب إغفالها بهذا الفيلم اللقطة التى تعبر فيها الكاميرا من مبنى لآخر مخترقة الشرفة فى نعومة وسلاسة تستحق التحية للمخرج ومدير التصوير طارق الحفنى. أما إختيار نظام مونوكروم الأبيض والأسود فلم يكن موفقاً لتناغمه مع بعض تفاصيل القصة وحسب بل وأيضاً أعطى جمال ووقار ملحوظ للصورة. “ديكور” كان مرشحاً ليكون من أهم التجارب السينمائية المصرية فى السنوات الأخيرة لولا أن بالغ مؤلفاه فى استخدام عضلاتهما أثناء الكتابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى