أحداث و تقارير

رمضان والأفلام.. حكايات سينمائية في شهر الصوم (1)

«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير

يحتل شهر رمضان الكريم مكانة خاصة فى حياة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، لذا من الطبيعى أن ينعكس الاهتمام به على الفن السينمائى، لكن هذا الاهتمام لم يكن بالقدر المتوقع ولا الاهتمام الكافى بل ظل فى أغلبه مرورا عابرا عمل على الاستفادة من طقوس العبادة في شهر رمضان، واظهارها ضمن أحداث بعض الأفلام سواء فى مشهد أو مشاهد معدودة، تكشف طبائع المسلمين وعاداتهم فى الاحتفاء به، أو أن يكون فاعلا ومؤثرا  فى السياق الدرامى للاحداث لعدد محدود من الأفلام، والمتتبع لمشوار السينما المصرية الطويل يلحظ للوهلة الاولى أن هناك قلة من الافلام ناقشت ولامست التفاصيل الحياتية لهذا الشهر الكريم بينما اكتفت العديد من الاعمال السينمائية بالتعامل مع هذا الشهر الكريم، وكأنه مناسبة لتحويله الى ديكور زمني أو مكاني تدور فيه بعض احداث الفيلم العابرة، أو بعض الاستعراضات الغنائية لا أكثر.

ولم تبرز تلك الاعمال الاجواء الشعبية الروحانية الجميلة في ليالي شهر رمضان ووسائل الترفيه والمرح البريء للاطفال وسلوكياتهم بالغناء والاناشيد والملابس، أو حمل الفوانيس التي عرفت بها الحارة المصرية أو الشامية تحديداً، وهناك ايضا، تلك التعابير السينمائية المغيبة عن الغوص في المجاميع البشرية المنتشرة عقب الافطار وقبيل فترة السحور، أو اثناء قضاء وقتهم في المقاهي والباحات والعادات الكثيرة المتزامنة مع شهر رمضان.

العزيمة
العزيمة

وفي مسح كمي للافلام التي حاكت طقوس شهر رمضان على الشاشة البيضاء، يتبين لنا ان القائمة صغيرة، وتشتمل على افلام مثل «العزيمة» لكمال سليم، و«في بيتنا رجل» لبركات، و«اضراب الشحاتين» لحسن الامام و«ضربة معلم» لعاطف الطيب، و«الشيخ حسن» لحسين صدقي، و«الفانوس السحري» لفطين عبدالوهاب، اضافة الى الفيلم المغربي «الف شهر وشهر» لفوزي بنسعيدي والذي يكاد يكون احد افضل الافلام العربية على الاطلاق التي اقتربت من روح هذا الشهر المبارك، حيث استمد عنوان الفيلم من الآية الكريمة «ليلة القدر خير من الف شهر» وناقش فيه قضية سياسية واجتماعية واقتصادية لعائلة مغربية يقضي عائلها فترة السجن لممارساته السياسية، وتعمل زوجته على اخفاء اسباب غياب الزوج عن طفلهما الصغير الذي بدأ يباشر دراسته الابتدائية، وتعلمه بأن والده مسافر، ويضع المخرج اطاراً لاحداثه من خلال ابراز طقوس رمضانية عندما يتجمع أهالي القرية لاستقبال أول أيام الصوم وانتظارهم لهلال رمضان في سماء القرية، وتتوالى مشاهد المعاينة اليومية للشهر لدى شخصيات الحارة متباينة المواقف والافكار والمحملة بألوان الصبر والعذاب والقسوة، ولحظات التعاطف والمساندة والحب.

اضراب الشحاتين
اضراب الشحاتين

أما في الفيلم المصرى «العزيمة» لكمال سليم فإن هناك مشهداً عابراً، يؤكد على نمو العلاقة بين الجارين محمد وفاطمة وتدور احداثه ذات ليلة رمضانية، ونحن لا نرى من هذه الليلة الا بما يؤكد وجود رمز يدل على أننا في رمضان، فاذا كان الفانوس هو رمز رمضاني، فإن المسحراتي هو الدليل على وجود رمضان في واحد من مشاهد الفيلم حيث يصعد محمد وفاطمة الى سطح المنزل حتى سماع دقات طبلة المسحراتي في تشكيل فني بديع لاضواء نوافذ الحارة وهي تشرع في الاضاءة بالتتالي.

في بيتنا رجل
في بيتنا رجل

ومن المواقف الآسرة لاجواء الشهر الفضيل في الاعمال السينمائية العربية، يبدو فيلم «في بيتنا رجل» الذي رسم أحداثه الأديب احسان عبد القوس والمخرج هنرى بركات لتدور في شهر رمضان ،ليس فقط لتنطلق منه الأحداث بل تتعقد وتتشابك مقترنة بطقوس الافطار وخلو الشوارع ليتخذها البطل ساعة الصفر للهروب من مطاردة البوليس السياسى، بعدما يقوم الطالب الثوري ابراهيم باغتيال أحد المسؤولين السياسيين لتعاونه مع سلطات الاحتلال البريطاني حيث تدور الأحداث قبل ثورة يوليو1952، يهرب الشاب الى المدينة خلال شهر رمضان ويصبح الهروب سهلاً فى توقيت الافطار، فالكل مشغول بتناول افطاره بعد ساعات الصيام الطويلة، والأزقة والحواري خالية من عساكر الشرطة، ويمكن للبطل ان يتحرك بخفة دون أن يلاحظه احد، أو يكتشف حقيقته، حتى أنه يتخفى فى زى ضابط شرطة ثم يدلف الى بيت احد زملائه غير الحميمين في علاقاته به، ويطرق باب شقة زميله في لحظة تكون الاسرة باكملها جالسة حول مائدة الافطار في واحد من المشاهد الصميمة في السينما المصرية واكثرها صنعة واتقاناً.

ضربة معلم
ضربة معلم

لقد عملت السينما العربية على تغييب طقوس رمضان في تفاصيل العلاقات بين البشر رغم ما تحتمله اجواؤه من مواقف انسانية وتحولات على الصعيد الانساني والابداعي تجاه الافراد والجماعات، ولكنها آثرت ان تتعامل مع الشهر باعتباره مجرد ديكور لاحداث دون سبب ظاهر، ولعل فيلم «ضربة معلم» خير دليل لذلك، عندما يرى المشاهد ثلاثة من شخصيات الفيلم يركبون سيارة مسرعة عقب انطلاق مدفع الافطار مباشرة تلافياً لزحام المرور كحل اخراجي أراده المخرج لتمرير مشهد لجريمة قتل عندما يضبط احدهم والدته في احضان صديقه ويقوم بقتل عشيق والدته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى