رمضان والأفلام.. حكايات سينمائية في شهر الصوم (2)
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
كسر أحمد حلمي قواعد الأفلام العربية في شهر الصوم، ورصد عادات وتقاليد الناس خلال رمضان في فيلمين من بطولته، هما «عسل أسود» إخراج خالد مرعي 2009، و«إكس لارج» إخراج شريف عرفة 2011.
يتناول فيلم «عسل أسود» قصة شاب أمريكي من أصل مصري يدعى «مصرى» يعود لمصر التى تركها وهاجر مع أسرته منذ طفولته، تتزامن عودته مع شهر رمضان، وقصد صانعو الفيلم بذلك توضيح أن هذا الشخص مرتبط بوطنه وبدينه، فنجده صائما أثناء رحلة السفر، ليفطر مع السائق الذي يوصله من المطار سندويتشات فول، دلالة على أنه مرتبط بشدة بمصر وبأكلتها الشعبية. بما أن الفيلم يظهر التناقضات التي يكتشفها «مصري/ أحمد حلمي»، التي حدثت في المجتمع المصري، فإن شخصية السائق الذي يستغل أحمد حلمي كان لها دور محوري في إظهار بعض تلك التناقضات والسلبيات.
فهو بالرغم من استغلاله لمصري استغلالا يصل لحد السرقة، ألا أنه يتوقف عن الشرب عند أذان الفجر، لأنه سيصوم. استغل هنا الفيلم الصيام ورمضان لإظهار التناقض الرهيب داخل كثير من الناس في التعامل مع الدين على أنه مجرد شعائر، أما السلوكيات والمعاملات فهي مجرد مظهر لا جوهر، من هنا تبدو صدمة البطل العائد بكل حنين الى بلاده.
موائد الرحمن التى يقيمها أهل الخير للفقراء والعابرين وأبناء السبيل لتناول افطارهم دون ان يتكلفوا شيئا ،احدى أبرز العادات المصرية فى رمضان التى تعكس التكافل الاجتماعى كانت أحد المشاهد المهمة التى أظهرها حيث يجلس البطل ليتناول طعام الإفطار، حيث أراد بعد الأكل أن يدفع الحساب في كوميديا لطيفة. كما أن الفيلم في منحى فضح النفاق والتناقضات في الشخصية المصرية، يقدم لنا نموذج «المحسن المودرن» وهو يتمثل هنا في الراقصة دينا، التي ظهرت في الفيلم باسمها الفني، فهي تنزل ليلا بسيارتها كي توزع اللحوم على عمال النظافة في الشوارع، وتنادي على «مصري»، ظنا منها أنه غلبان، وعندما ينفي كونه مسكينا أو شحاتا ويخبرها بأن اسمه «مصري» تقول له: «تبقى غلبان». فهنا يحاول الفيلم توضيح أن لا تناقض بين الاعتقاد الديني والمهنة التي تمارسها، وهذا هو واحد من أكبر الأمراض الاجتماعية التى تكشف عن التناقض الحاد ، وكثير من تجار المخدرات والسلاح، هم من أكثر الشخصيات المحبوبة في أحيائهم، وقراهم، حيث إنهم أكثر الشخصيات تقديما للصدقات وغالبيتهم من الحجاج، ولا يهم طبعا من أين أتت النقودنولعل هذا النموذج يتجسد ببراعة فى فيلم «العار» فالأب التقى الورع ،رجل البر والخير هو نفسه تاجر المخدرات .
يكتسب فيلم «عسل أسود» قيمة انسانية كبيرة فى تعرضه للأسرة وتأكيده لقيمة «الجيرة» وفي علاقة البطل «مصري» بهم جميعا مستعرضا خلالها جميع شعائر شهر رمضان، ابتداء من العادات الاجتماعية الشعبية، فالأسرة كلها تجتمع معًا حول مائدة الإفطار في شهر رمضان، كما أن هناك «طبقا» يتضمن أشهى الحلويات الرمضانية، يتجول كل يوم على بقية الشقق، ليدور بين الجيران، مما يعني حسن التعامل مع الآخر، فالجيران تهادي بعضها البعض الحلوى، وفي هذا البيت، نستمع في الخلفية، قبل الإفطار إلى صوت الشيخ محمد رفعت وهو يتلو القرآن الكريم، أما بعد الإفطار فإن طفلاً من الأسرة يحمل فانوس رمضان بشكل المفتش كرومبو ليوضح ما آلت إليه إحدى أهم عادات رمضان في مصر، مع غزو التليفزيون لكل منزل، والأهم غزو البضائع الصينية، فالفانوس بالطبع صيني.
وقد صور الفيلم ليالي رمضان، من خلال نزول مصري مع سعيد إلى المقهى، هناك في الخلفية قراءة للقرآن الكريم، وهناك أيضا الفوانيس، والزينات، وصوت أم كلثوم وهي تغني «هو صحيح الهوى غلاب».
هذه الأسرة الطيبة، استضافت «مصري» إلى أن تتحسن ظروفه، وقاموا بمساعدته للحصول على جواز سفره الأمريكي، كما أن الشاب شارك الأسرة في نشاطها الرمضاني الشعبي المعتاد، خاصة في إعداد صواني الكعك في آخر الشهر. وعندما يحل العيد تذهب الأسرة بكل أفرادها مع ضيفها إلى الحدائق للتنزه كما هي عادة المسلمين في جميع البلاد.
الفيلم الثاني «إكس لارج» هو عن «البدانة» والشراهة، لكنه يقترب أيضا من تلك الطقوس الرمضانية فلاشك أن شابا شديد البدانة، مجدي (أحمد حلمي) سوف تكون له معاناة مع الصيام، فهو شخص بدين يأكل بشراهة ولا يستطيع التوقف عن تناول المزيد والمزيد من الطعام. عندما يحل شهر رمضان، نراه دومًا يأكل بشراهة، يطلب المزيد من الأطعمة ولوازمها، كي يأتي عليها.
كما أننا هنا نرى الزينات الكثيرة في الشوارع، مثلما هو الحال في مصر، ونستمع لصوت المطرب محمد عبد المطلب فى اغنيته الشهيرة «أهلًا رمضان» التى تعد ايذانا بقدوم الشهر الفضيل، وبالرغم من التهام بطل الفيلم البدين كثير من الطعام، إلا إنه يستمر في الأكل حتى رفع الأذان، ويطلب من خادمه ألا يوقظه إلا ساعة الإفطار.
وفي أحد أيام الصيام، تتصل به حبيبته دينا سمير غانم وتطلب منه أن يذهب بأسرتها إلى محافظة الشرقية لأداء واجب العزاء، فيبيح لنفسه الإفطار، ويقوم بشراء كم كبير من الأطعمة والحلويات من كشك، كي يأكل أثناء السفر، لكنه يتراجع عندما يركب معهم أحد أقارب دينا، وهو ملتح، متدين، يصاحبه أيضا في رحلة العودة، فيبقى مجدي صائما طيلة النهار رغمًا عنه.
وعندما يذهب إلى بيت دينا لتناول الإفطار، فإنه لا يشبع رغم كثرة الطعام. وهو ينتقد الطعام الذي أعدته والدة دينا، باعتباره يمتلك خبرة كبيرة في شئون الأغذية، ومن خلال الحوار الذي يدور خلال المشهد، نفهم أنه واظب على الصيام طوال الشهر، ويبدو حرص الفيلم على أن يقدم لنا بعضًا من الاحتفاليات بشهر رمضان، مثل الزينات التي تملأ الشوارع، وأيضا ماذا يفعل الصائمون عندما يحل الصيام في شهور الصيف؟.
استغل أحمد حلمي شهر رمضان لإخراج الكوميديا والضحك من بين التناقضات، فتارة نجده يلعب على التناقض بين التزام الصائم بأخلاق وآداب الصيام، وبين السلوك الفعلي الذي يمارسه المصريون في حياتهم العملية، والذي يستمر كما هو حتى وهم صائمون. وتارة أخرى بين الصيام كزهد في المأكل والمشرب وبين الشره والإقبال على الطعام.