رمضان والسينما المصرية ( الحلقة 13 من 30)
حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
الضباط الأحرار يستولون على السلطة ويطردون الملك فاروق
المصريون يشاهدون 59 فيلما جديدا ويضحكون مع محمد فوزي ومديحة يسري في رمضان 1952
1952
إنها السنة الفاصلة في تاريخ مصر الحديث، فلأول مرة يحكم مصر رجل مصري من أبناء الشعب، ولأول مرة يكتشف المصريون أن جيشهم الوطني قادر على مواجهة عبث ملك وفساد نظام، ولأول مرة يرى المصريون ملكهم فاروق يغادر البلاد في سفينة ترفع راية الانكسار!.
في مطلع 1952، وبالتحديد في 26 يناير احترقت القاهرة… أحرقها الإخوان أو الملك أو الإنجليز… ليس مهمًا، فالكارثة وقعت وشاهد المصريون مدينتهم العتيقة تأكلها النيران، أما الملك فاروق فامتلأ قلبه رعبًا خوفا على عرشه من غضب الشعب.. (والحقيقة ان الملك سيطرت عليه – خاصة بعد حريق القاهرة – حتمية الارتباط العسكري ببريطانيا حيث عدها المظلة التي تحمي عرشه) كما ذكرت الدكتورة لطيفة محمد سالم في كتابها المهم عن فاروق.
من أين لك هذا؟
لم يحزن أحد من الغالبية العظمى من الشعب لطرد فاروق، ولم تقم مظاهرة واحدة تأييدًا له، ولم نسمع عن ظاهرة مثل (أبناء فاروق)، أو (آسفين يا ملك)، مثل (أبناء مبارك) أو (آسفين يا ريس)، بل ابتهجت الملايين بحركة الضباط الأحرار في 23 يوليو وراح جمال عبد الناصر والذين معه يتسللون إلى وجدان الناس بقراراتهم الثورية التي تنحاز إلى فقراء هذا الوطن.
المثير أن (الملك فاروق) حمل معه 222 حقيبة عند مغادرته البلاد، وأظنك تستطيع أن تخمن الكنوز المخبوءة في هذه الحقيبة من تحف ثمينة وملابس فاخرة وخلافه، وقد اقتناها الملك بأموال الغلابة والمساكين (أكثر من 30 مليون جنيها مصريا حولها فاروق لحسابه الشخصي إلى خارج مصر طوال فترة حكمه من 1936 حتى 1952) كما تقول المصادر التاريخية.
ومن عجب أن السينما المصرية عرضت في 15 رمضان من ذلك العام فيلم (من أين لك هذا) الموافق 9 يونيو، أي قبل طرد فاروق بشهر ونصف تقريبًا، وكأن الشعب يشهر في وجه الملك سؤال المستقبل القريب!.
كان (من أين لك هذا؟) هو الفيلم الجديد الوحيد الذي عرض في رمضان 1952، وقد أخرجه نيازي مصطفى المولع بالخدع السينمائية، أما البطولة فمن نصيب محمد فوزي ومديحة يسري وإسماعيل ياسين.
لقد ذهب الناس لمشاهدة الفيلم في نهارات رمضان ولياليه لتخفف عن نفسها وطأة القيظ الشديد في يونيو ولتهرب مؤقتا من سوء الأحوال السياسية وما يرافقها من غلاء أسعار ومهانات وطنية، فالإنجليز قابعون في مصر والأحزاب تتصارع لدرجة أن الملك فاروق قام بتغيير الوزارة أربع مرات في ستة أشهر فقط، والضباط غاضبون من تدخل الملك في انتخابات ناديهم حتى انتفض مجموعة من هؤلاء الضباط آمنوا بوطنهم فازدادوا حماسة وطردوا الملك!.
مصطفى كامل
59 فيلمًا جديدًا عرضتها السينما في عام 1952 بزيادة ثمانية أفلام عن العام الذي سبقه، وكلها تدور في أجواء اجتماعية مغلفة بصراعات الأزواج ومشكلات العشاق وغدر الخبثاء، ولا توجد بهذه الأفلام الجديدة أي إشارة سياسية سوى فيلمين اثنين فقط (يسقط الاستعمار)، و(مصطفى كامل)، وقد عرض الأول في مطلع ديسمبر من تلك السنة، إذ أخرجه حسين صدقي ولعب بطولته مع شادية ومحمود المليجي، وواضح من عنوانه أنه يستعرض قصة مقاومة الاحتلال الإنجليزي لمصر، أما الفيلم الثاني (مصطفى كامل) فقد عرض في 14 ديسمبر 1952 وحققه أحمد بدرخان، ولعب بطولته المحامي أنور أحمد، وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يقف فيها أمام الكاميرا، والفيلم كما تعرف يفضح جنود الاستعمار وبطشهم.
هذا موجز لأحوال السينما المصرية في عام 1952 حيث وصل عدد المصريين إلى 18 مليون نسمة!.