أحداث و تقاريرأهم العناوينسينما مصرية

رمضان والسينما في ثلاثين عامًا(الحلقة 8 من 30)

حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»

شهدت تلك السنة آخر فيلم لأم كلثوم وأول فيلم لكمال الشناوي

عقيلة راتب ونور الهدى وعباس فارس والمليجي يسحرون الجمهور في رمضان 1947

كأنه قانون غير مكتوب، فبعد الحروب والثورات تصيب الفن عادة لعنة التفاهة والابتذال، أو تغرق السينما في بئر الميلودراما والفواجع، لماذا؟ لأن الإنسان في تلك الفترات الفوّارة يشم رائحة الدم في الفضاء، ويرى الموت أقرب إليه من حبل الوريد، فيهون كل شيء، وتغدو الحاجة إلى الترويح عن النفس ضرورة ملحة، ولا يوجد سلاح أمضى من الفن قادر على الاستجابة لرغبة الناس في التخفف من ضغط الظروف الاجتماعية. صحيح أن الابتذال يهيمن في البداية، لكن سرعان ما يستعيد الفن المشرق مكانته وحضوره.

ولعل الأحداث الأليمة التي شهدتها مصر في السنوات القليلة السابقة على عامنا هذا – 1947 – تؤكد صحة ما نذهب إليه، فقد كان المصريون على موعد مع حرب عالمية كبرى أشعلت سماء القاهرة والإسكندرية بأضواء الطائرات وأصوات الغارات، ومع أن قعقعة السلاح توقفت في عام 1945، لكن صداها لم يخمد بعد، فقد أنشئت الأمم المتحدة بهدف دعم مطالب الدول المحتلة في نيل استقلالها، والإنجليز ما زالوا يتحكمون في البلد، والملك فاروق الذي حاول التملص منهم بانحيازه إلى ألمانيا في الحرب، راح – بعد هزيمة الألمان – يخطب ودهم مرة أخرى ليتقي شرهم، ويبعث برسائل سرية من خلف حكومته ووزير خارجيته (حتى يسترجع مكانته مرة أخرى لدى بريطانيا) كما كتبت الدكتورة لطيفة محمد سالم في رسالتها للدكتوراه عن فاروق.

عدو المجتمع

قبل أن يهل اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك بخمسة أيام فقط عرض فيلم (عدو المجتمع) للمخرج إبراهيم عمارة، وبالتحديد في 14 يوليو 1947، ومعلوم أن غرة رمضان في تلك السنة كانت في 19 يوليو، أي أن الناس لم تجد بأسًا في الذهاب إلى السينما في النهار لتمضية وقت الصيام، أو للترفيه عن أنفسهم في الليل بعد تناول الإفطار!

لعب الأدوار الأولى في الفيلم كل من عقيلة راتب وعباس فارس وصلاح نظمي ومحمود المليجي، ومن ملخص قصة الفيلم الواردة في (دليل الأفلام في القرن العشرين) لصديقنا الكاتب الكبير محمود قاسم نعلم أن الفيلم يحتشد بفواجع اجتماعية عنيفة مثل معظم أفلام السينما المصرية في ذلك الوقت، وأنه لا يتعرض من قريب أو بعيد للقضيا الملحة التي كانت تشغل بال المصريين، فلا كلام عن الجلاء، ولا حديث عن صراعات القصور، ولا انتقاد للأحزاب المصرية الهشة التي تتنازع بينها للوصول للسلطة، بينما ملايين المصريين يكابدون الضنك، وإن كان الفيلم يتحدث عن رجل فقير جدًا يبحث عن الثراء السريع، فلا يجد أمامه سوى السرقة! وهكذا يحطم الفيلم أحلام الفقراء في الثراء، فإما الرضوخ للفقر أو الانزلاق في مستنقع السرقة والجريمة!.

فيلم المنتقم

المنتقم

في 22 رمضان الموافق 11 أغسطس من عام 1947 عرض فيلم (المنتقم) للمخرج صلاح أبوسيف وبطولة أحمد سالم ونور الهدى ومحمود المليجي، وقصته مليئة بالأحزان والمواقف المزلزلة التي تستدر الدموع من عيون الصائمين!

فيلم فاطمة

اللافت للانتباه أن هذه السنة – 1947 – ارتفع عدد الأفلام الجديدة عن السنة السابقة بمقدار فيلمين، إذ وصل إلى 54 فيلمًا، الأمر الذي يعني أن صناعة السينما بدأت في الازدهار، وقد شهد الجمهور في نهايات ذلك العام – 15 ديسمبر – آخر فيلم لأم كلثوم، وهو (فاطمة)، كما عرض الفيلم قبل الأخير لنجيب الريحاني (أبو حلموس) في 27 أكتوبر، أما كمال الشناوي فقد طل على شاشة السينما للمرة الأولى في فيلم (غني حرب) في 3 فبراير.

فيلم أبو حلموس

هكذا إذن ظل المصريون يستمتعون بالسينما سواء في رمضان أو شوال من عام 1947.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى