رمضان والسينما في ثلاثين عامًا (الحلقة 7 من 30)
حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
شهدت تلك السنة حادث كوبري عباس في 9 فبراير
المصريون يستمعون إلى الموسيقار أحمد علام في رمضان 1946
بداية نؤكد أن أحمد علام (1899/ 1962) ليس موسيقيا، بل ممثل قدير ورائد من رواد المسرح المصري، وهو الذي لعب دور الأمير المتغطرس والد إنجي في فيلم «رد قلبي»، ولكن المخرج السيد زيادة أسند إليه دور الفنان في فيلم «الموسيقار» الذي عرض في 20 رمضان من عام 1946 الموافق 19 أغسطس، إذ إن أول أيام الشهر الكريم بدأت في 30 يوليو.
لا نملك دليلا واضحا عن مدى إقبال الجمهور على مشاهدة السينما في تلك السنة، برغم أن عدد الأفلام المعروضة بلغ 52 فيلمًا بزيادة تسعة أفلام عن السنة السابقة 1945، وهو رقم كبير ومدهش، برغم أن مطلع العام كان مشحونا بأحداث سياسية عنيفة أثرت بلا جدال على مزاج الجماهير، ففي 9 فبراير وقع حادث كوبري عباس، حيث فتحت السلطات الكوبري عندما وصلت إليه مظاهرة حاشدة من طلاب جامعة القاهرة تطالب بالاستقلال التام عن الاحتلال الإنجليزي، فسقط العشرات في النيل، وأقدمت الشرطة على إطلاق النار على من لم يسقط.
هذه الجريمة البشعة أججت المشاعر ضد الملك فاروق ورئيس وزرائه محمود فهمي النقراشي، فاندلعت المظاهرت في معظم مدن مصر كلها في الأيام التالية، وقد شارك فيها الطلاب والعمال، حتى اعتبر يوم 21 فبراير يوما عالميا للطالب بعد أن أهدى الطلاب الكثير من الشهداء في تلك الأيام دفاعا عن حق مصر في الاستقلال.
بطبيعة الحال لم تتناول السينما المصرية المحافظة قضايا الاحتلال والاستقلال، وهو أمر مفهوم لأن سيطرة الإنجليز على مقدرات البلد كانت طاغية ولن تسمح لصناع السينما الاقتراب من تلك المناطق الشائكة، وبالتالي لجأت السينما دومًا إلى مناقشة قضايا اجتماعية لا رابط بينها وبين أمور السياسة بصورة مباشرة.
في 20 رمضان من سنة 1946 يسارع المصريون لمشاهدة فيلمين جديدين يعرضان للمرة الأولى، الأول (الموسيقار) حيث يلعب بطولته أحمد علام كما فات عليك، ولأول مرة المطربة اللبنانية (لور دكاش 1917/ 2005) صاحبة الأغنية الشهيرة (آمنت بالله)، ومن عنوانه وبطلته – لأنه لا يعرض في الفضائيات على الإطلاق – ندرك أن الفيلم كله يعتمد على الحفاوة بالغناء والموسيقى والطرب.
أما الفيلم الثاني الذي عرض في رمضان فهو (عواصف) للمخرج عبد الفتاح حسن وتمثيل فاطمة رشدي وعباس فارس ويحيى شاهين وزكي رستم وزوزو نبيل، ومن ملخص قصته التي ذكرها ناقدنا الكبير محمود قاسم نعرف أنه فيلم يتكئ على حبكة اجتماعية محورها الغرام والعشق والممارسات الجنسية غير المشروعة، وهكذا لم يجد المصريون أية غضاضة في مشاهدة هذين الفيلمين في نهار وليالي الشهر الكريم.
اللافت في هذه السنة أنها شهدت عرض آخر أفلام عبد الوهاب (لست ملاكا) للمخرج محمد كريم، إذ عرض في 28 أكتوبر 1946، أي بعد عيد الأضحى المبارك بأسبوعين تقريبًا، كما استمتع المصريون برؤية جورج أبيض (1880/1959) في السينما للمرة الثانية والأخيرة، حيث عرض له فيلم (أرض النيل) للمخرج عبد الفتاح حسن في 19 سبتمبر 1946.
أما فريد شوقي فقد ظهر للمرة الأولى في دور صغير فيلم (ملاك الرحمة) ليوسف وهبي الذي عرض في 2 ديسمبر 1946!
هكذا إذن ظلت السياسة ومشكلاتها وصراعاتها طوال عام 1946 في جانب، والسينما في جانب آخر تمامًا، والمصريون يناضلون في أول العام، ويصومون رمضان قرب منتصفه بقلوب خاشعة، لكنهم يواصلون ارتياد السينما في نهارات وليالي الشهر الفضيل طلبًا للمرح والترفيه والتخفف من آلام السياسة وسخافات الطقس الحار!.