مقالات

سحر السينما: نافذة أمل في مواجهة قوى الظلام

قد يتساءل البعض عن أسباب إقدامنا على إصدار مجلة للسينما تحت اسم «سينماتوغراف»، وهذا طبيعي في ظل الصعوبات التي تواجهها الصحافة المطبوعة في ايامنا هذه.

فرغم علمنا بما سنواجهه، وقد واجهنا منه الكثير بالفعل خلال مرحلة التأسيس، إلا أن تصميمنا كان كبيرا على إصدار المجلة. قد يكون ذلك بسبب الحب الأول الذي مازال ساكنا في القلوب، حب السينما، وآه منه حب.

فحتى في ظل وجود الآلاف من محطات القنوات التلفزيونية التي تذيع برامج متنوعة، ومن بينها الأفلام بالطبع، ظل للسينما سحرها خاصة إذا كانت بنفس المستوى الذي بتنا نعرفه اليوم من التطور والتجهيز والتقنيات العالية. ولانزال حتى اليوم ضمن قائمة محبي السينما ونجومها وفنييها بمختلف تخصصاتهم.

فالكثيرون، ونحن منهم بالطبع، يستطيعون مشاهدة أفلامهم المفضلة وهم جالسون على مقاعد وثيرة مستمتعين بالطعام الجيد والشراب المختار والتسالي التي تطول قائمتها، ورغم ذلك يتركون كل هذا ويذهبون بأرجلهم إلى دور السينما لمشاهدة فيلم ما ويدفعون مبالغ ليست بالبسيطة من أجل ذلك.

فالسينما تظل حالة عشق خاصة، عشناها صغارا خاصة قبل أن ينتشر التلفزيون المصري كأول نافذة من نوعها تطل على العالم العربي وتذيع الأفلام والمسلسلات. واليوم ورغم المحطات التي تغطي أرجاء الأرض، لازالت الكلمة العليا للسينما. فهي المقصد الأول لصغار السن خاصة في الأعياد التي باتت الموسم الأهم بالنسبة للسينما المصرية يُضخ فيه الدم إلى قلبها لتستعيد عافيتها (العرجاء). وكم تساءل الكثيرون عن المصير الذي كان من الممكن أن ينتظر صناعة السينما في مصر لو لم تكن فيها هذه المواسم الخصبة، مواسم الأعياد التي فاقت إيرادات بعضها الأربعين مليونا من الجنيهات المصرية.

صحيح أنها إيرادات دُفعت لمشاهدة افلام من أفلام الموجة أو الموضة الجديدة، أفلام العنف أو الرقص والغناء والعري، تلك التي تخصصت أسماء بعينها في إنتاجها، لكنها في النهاية نقود تنعش الحسابات البنكية للمنتجين، ومن ثم الفنانين ثم باقي أطقم الأعمال الفنية ليقدموا لنا سينما، أيا كان موقفنا من هذه السينما.

دائما ما كانت تحكي لي والدتي عن الأيام الحلوة التي كان يصحبها فيها والدي، رحمهما الله، ولو لمرة واحدة اسبوعيا، للذهاب الى السينما في وسط البلد حيث كانت توجد دور السينما التي يملكها الأجانب، حيث النظافة وأناقة الجمهور وتحضره. وكانت هذه الدور هي المقصد الأول للراغبين في ممارسة متعة المشاهدة. نعم كانت متعة بما تحمله من تفاصيل تختلف عن تلك التي توفرها دور سينما الأحياء خاصة الصيفية منها والتي لم يكن يخلو حي في القاهرة من إحداها. وحتى في الأقاليم توفرت دور السينما لاسيما في عواصم المحافظات، وكانت النور الذي جذب إلى عالم السينما أسماء لمعت في مجالها بعد ذلك حيث كانت السينما عشقهم الذي سعوا إلى التقرب اليه والنهل منه هواة ثم محترفين، والقائمة تطول حيث لم يكن العديد ممن صاروا نجوما لامعة على الشاشة من أهل المدن بل كانوا من طين مصر شدتهم السينما اليها فاقتحموا عالمها بكل قوة ليمتعونا بأعمال لايزال بعضها خالدا حتى بعد أكثر من خمسن وستين عاما.

ويحيرني السؤال.. لماذا يغض المسؤولون في بلدنا الطرف عن الكنز الذي ميز مصر دون غيرها من الدول العربية، وكان سفيرها الذي يحمل أوراق اعتماده من القاهرة ليدخل كل عاصمة عربية من أبواب مشرعة تنتظر بلهفة وصول هذا الفيلم أو ذاك ليشاهده محبو السينما ويعشوا لحظات من السعادة التي لا مثيل لها لاسيما اذا كان الفيلم من بطولة نجم محبب اليهم ويا حبذا لو كان هذا النجم مصاحبا لعرض الفيلم في هذه العاصمة العربية او تلك خاصة في بلاد الشام وتحديدا بيروت التي سارعت وفردت أذرعها لتحتضن السينما المصرية ونجومها بعد نكسة عام 1967 حين توقف الانتاج السينمائي في مصر.

في الوقت ذاته، تشير الإحصاءات إلى انخفاض دور العرض السينمائى في مصر بشكل كبير، حيث كان في مصر 354 دارا عام 1954، بينما أصبحت في عام 1966 255 دارا، وفى عام 1977 وصلت إلى 190 دار عرض وفى عام 2011 وصل الرقم إلى 100 دار عرض فقط.

ولايزال العدد يتناقص في ظل الهجمة الشرسة من المقاولين الساعين إلى هدم دور السينما وبناء الأبراج والمولات محلها لتدر عليهم المزيد من الأرباح.

ورغم ذلك، تبدو الحكومات المتعاقبة كسيحة متراخية عن اتخاذ أي قرار يحول دون أن تفقد مصر ريادتها في السينما كما فقدتها في التلفزيون من قبل حتى أصبح التلفزيون المصري الرسمي بقنواته الكثيرة التي يصعب عددها متخلفا عن الركب ومتهما بالقصور وبانتاج الأسوأ من البرامج التي لا يشاهدها أحد. أما المسلسلات، فبحمد الله نجت من ذات المصير بفضل تكالب القطاع الخاص على الانتاج الرائج الذي تسعى المحطات الفضائية العربية على كثرتها الى عرضه لاسيما خلال موسم رمضان، حتى أن النجم الكبير عادل امام توقف تماما عن العمل في السينما واكتفى بتقديم مسلسل واحد كل عام خلال السنوات الأربع الماضية في رمضان، كما وأنه يستعد لتقديم المسلسل الخامس في رمضان القادم تحت عنوان «مأمون وشركاه».

وقد تناسى المسؤلون كيف يمكن للسينما أن تكون مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل القومي كما في الهند مثلا، وكيف يمكن ان تكون في الوقت ذاته نافذة أمل وفكر وتثقيف ومواجهة لقوى الظلام كما كانت دائما في عصور وصفت بالتنويرية رغم أنه يفصلنا عنها عشرات السنين لنبدو وكأننا نعود قهقرا على عكس الطبيعة التي تشهد دائما تطورا ونموا في كل مجال لنثبت أننا قساة جامدون غير قابلين لمجاراة العصر وجديده الذي يغرقنا ويحيط بنا في كل لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى