«سوريون» يكمل ثلاثية المخرج باسل الخطيب عن الحرب
«الإسكندرية» ـ انتصار دردير
«سوريون» ملحمة جديدة تقدمها السينما السورية بتوقيع المخرج باسل الخطيب، والتي يستكمل فيها ثلاثيته السينمائية التي بدأها بفيلم «مريم» ثم فيلم «الام» وفي «سوريون» يرسل رسائل عديدة عن المقاومة والاصرار وعن الخونة الذين باعوا قضية بلادهم، ويؤكد علي أن سوريا ستعود وأن اهلها سيعيدون بنائها من جديد.
يبدو مشهد بداية الفيلم غامضا حين نري رجل يحتضن امرأة ويستقلان فلوكة صغيرة ببحيرة داخل إحدي الغابات، تبدو المرأة نائمة، ومع توالي الاحداث داخل الفيلم يأتي مشهد النهاية علي نفس الصورة لندرك انه يحتضن جثة حبيبته وابنة عمه التي ماتت اثر مرض لم نعرفه، وقد اراد ان يحقق امنيتها الاخيرة بأن يصحبها في نزهة بالبحيرة، ينتقل المخرج ببراعة من الموت الي الحياة في اجمل صورها حيث اطفال يتدربون علي رقصات الباليه، والمصورة الصحفية تحتضن طفلتها وفي لقطة اخيرة يقف ذات الرجل ليعيد بناء بيته من جديد بعد ان هدمه المسلحون وقتلوا زوجته وأطفاله، ما يؤكد علي اصرار السوريين علي المقاومة وانهاء الحرب التي دمرت بلادهم.
ما بين مشهد البداية والنهاية تفاصيل كثيرة يختلط فيها الحب بالحرب والموت والدمار في صورة يعجز عن وصفها الكلام، فالموت علي رقاب الجميع ولا احد يتوقع في اي لحظة وعلي أي نحو يباغته، ويبرع المخرج بشكل كبير في تقديم صورة سينمائية بديعة حيث جري تصوير مشاهد الفيلم وسط الغابات كثيفة الشجر التي تحيطها البحيرات والتي تتناثر جثث القتلي فيها، ويبو تكامل عناصر الفيلم الفنية بحيث لا تلحظ ان هناك هفوة في الفيلم ولم يفلت منه مشهد واحد، واستطاع باسل الخطيب ان يحافظ علي ايقاع العمل فلا تشعر بلحظة ملل ولا تبعد عينك ثانية عن الشاشة علي مدي ساعتين، فقد اجاد اختيار العناصر الفنية من تصوير ومونتاج وسيناريو كتبه بنفسه واداء يقطر صدقا من ممثليه حتى تظنهم ابطال حقيقيون يرون تجربتهم ولايمثلونها من فرط توحدهم في الآداء، وفي مقدمتهم رفيق السبيعي وكاريس بشار وحمود نصر وميسون ابو اسعد التي ظهرت بوجه خال من الماكياج لتجسد شخصية زينة الشابة المريضة التي تعلم بأنها تعيش أياما معدودة وترفض الذهاب للمستشفي، وقد احبت ابن عمها يوسف بطل الفيلم لكنها تزوجت اخر وكما تقول للمصورة الصحفية في الفيلم كان لابد ان اتزوج عن حب لكني ذهبت للشخص الخطأ وادفع ثمن ذلك، تظل زينة تنتظر ابن عمها الذي تزوج وانجب وفقد اسرته كلها في الحرب وحينما يعود اليها قبل النهاية تكون قد اوشكت علي الرحيل.
الفيلم يصور أيضا كيف ان خيانه الداخل اقسي واشد، حين يكتشف يوسف ان صديقه قد انضم للميلشيات المسلحة وهو من اوشي لديهم، ويستدرج الاب العجوز ويخبره انهم وجدوا ابنه ايوب الذي فقده من بداية الحرب ويصدقه الاب فيسلمه للميلشيات الذين يعتبرونه ورقة ضغط للايقاع بابنه يوسف، ثم يقومون بالتخلص من العجوز ويقرر الابن الاخذ بثأره ويبحث عن جثمانه حتي يواريه الثري.
يعرض الفيلم في خط مواز لمراسلة صحفية تقوم بعملها في ظروف صعبة وكما تقول (كنت اصور مشاهد الفرح والسعادة على وجوه السوريين لكني الآن لا أصور سوي الخراب والدمار)، وخلال عملها وبينما تستقل السيارة مع زميلها يتعرضان لطلقات نارية ًيستشهد زميلها وهو يقود السيارة وتنجو هي بأعجوبة، وكان عليها ان تواصل رحلتها لتفاجئ بأحد المسلحين الملثمين يطاردها، ويكاد ينجح في قتلها لولا ظهور يوسف الذي يخلصها منه ويقتله، وتبدٱ رحلتهما الصعبة لإعادتها الي دمشق وتشهد معه الأحداث الجسيمة من خطف والده وموته ثم موت زينة، التي تمثل موت البراءة ونهاية دامعة وحزينة وهي التي يبرع المخرج في انهائها علي نحو يمنح الثقة والأمل رغم كل شئ.
الفيلم الذي مولته المؤسسة السورية للسينما يقدم عملا سينمائيا يثير الدهشة والاحترام في آن واحد، عن بلد في حالة حرب لكنه يؤمن بالسينما كفن قادر علي التأثير وإحداث التغيير، بغض النظر عن موقف الفيلم الذي قد يختلف معه البعض لكنه بلاشك فيلما بديعا يستحق الجوائز والتقدير لبراعة مخرجه في ادارة الفيلم بمستوي متميز على جميع عناصره.
.. وفي ندوة الفيلم اشادات كثيرة بحق «سوريون»
اجمع السينمائيون والنقاد علي تميز فيلم «سوريون» للمخرج باسل الخطيب والذي يشارك في مسابقة نور الشريف للأفلام العربية الطويلة، وقد اثار الفيلم حالة من الاعجاب بينهم جميعا، وشهدت الندوة التي ادارتها الناقدة ناهد صلاح حضورا كثيفا من صناع الافلام ونقادها، وقال المخرج باسل الخطيب ان هذا هو العرض الأول للفيلم خارج سوريا بعد أن عرض بها ونال اعجاب الجمهور السوري، واضاف لقد حرصت علي المشاركة بمهرجان الاسكندرية الذي شهد عرض الجزئين السابقين لهذه الثلاثية، وقد اردت في هذا الفيلم رصد جانب من معاناة المرأة السورية، حيث نتابع احداث يومية يصلح كل منها ان تظهر عنه افلام عديدة.
وحول لجوئه لكتابة الفيلم بنفسه قال الخطيب: الكتابة مرحلة شاقة واخراج الافلام أسهل منها لكني اجد نفسي مرغما عليها، وقد كتبت وقائع حقيقية.
واشاد مدير التصوير رمسيس مرزوق بالفيلم قائلا الفيلم رائع في تكوين الصورة والاضاءة، ولم يفلت منه كادر واحد فظهر في مستوي عالمي احييكم عليه.
وقال المخرج اشرف فايق ان الفيلم جاء علي درجة عالية من التميز لكني كنت اتمني ان يكون هناك اكثر من بطل بجوار يوسف حتي لا تبدو المقاومة فردية
ورد المخرج قائلا ليست بطولة فردية لاننا نثق انه لن يتحقق النصر الا اذا شعر كل مواطن ان هذه حربه الشخصية.
ووجه الفنان سامح الصريطي تحية للمخرج وفريق الفيلم قائلا احييكم جميعا من قلبي لتميز الفيلم في كافة عناصره، واختيار اسم الفيلم الذي ينحاز للشعب ويؤكد ان الحل لن يكون حماسيا علي طريقة البطل الخارق، وانما يأتي من تكاتف الجيش والشعب. وقال المخرج عمرو عابدين انه فيلم يشرف السينما العربية ومهرجان الاسكندرية وعمل المخرج توازن كبير في الصورة والموسيقي التصويرية التي نقلت لنا احساس التوتر.
واشادت الناقدة خيرية البشلاوي بمستوي الفيلم قائلة انه ليس ممتعا علي مستوي الصورة فحسب بل في السيناريو والصوت والحس الانساني وتبجيل المرأة، وسألت المخرج كيف نجحت سوريا في ظل هذه الظروف في انتاج فيلم بهذا المستوي؟
ورد الخطيب قائلا انه الحب والحماس الذين لن يتحقق اي شئ بدونهما حتي لو معك ملايين، لقد كنا نذهب للتصوير ونحن لاندك اذا كنا سنعود الي بيوتنا ام لا، واضاف: الفيلم انتاج المؤسسة العامة للسينما التي نشط انتاجها وكأن الحرب رغم كل مآسيها منحتنا حالة من التحريض لنؤكد ان الفن اقوي واكثر تأثيرا.
وقالت الفنانة سوزان نجم الدين ان الفن موجود بقوة الحرب ولابد ان يكون له موقف واضح واننا سننتصر باذن الله وانا فخورة بالفيلم، واشادت المخرجة الكبيرة انعام محمد علي بالفيلم وقالت لمخرجه الله يعطيك العافية انت استخدمت سلاحك كمخرج وقدمت فيلما رائعا بمستوي فني عالي من تصوير وتمثيل.
وعن اختياره لابطاله قال باسل الخطيب احب الممثل واؤمن انه السلاح الاقوي في يد المخرج واعطيه الكثير من الوقت والاهمية، وتحدثت الممثلة ميسون ابو اسعد التي جسدت شخصية زينة قائلة: انا فخورة بمشاركتي في مريم وسوريون وسعيدة بتعاوني مع المخرج باسل الخطيب الذي يعطي الكثير من اهتمامه بالممثل قبل التصوير ويجعلني اعيش التفاصيل واهتمامه بالمكان يقربني لاجواء الشخصية فاعيش فيها واتوحد معها. وقالت الفنانة نادية رشاد : الفيلم يقدم لنا متعة حقيقية بمستواه المتميز الذي لم يكن يظهر بهذا المستوي لولا تمويل الدولة له.
وقال المخرج لا اريد ان اقلل من جهد القطاع الخاص لكن مشاريع سينمائية بهذه الجدية لن تتصدي لها سوي الدولة، مؤكدا ان ميزانية الفيلم لم تتجاوز 250 الف دولار، واشاد المخرج احمد النحاس بالفيلم وقال ان سوريا لن تضيع طالما انكم تنتجون أفلاما تؤكد الاصرار علي الحياة.