أحداث و تقارير

«سينماتوغراف» تحتفي بالناقد السينمائى مصطفى درويش فى عمره الـ88

الرقابة كانت جحيما وهزيمة 67 أشاعت الرعب من السينما

يوسف شاهين وراء أزمة المومياء وهوليوود قتلت مارلين مونرو

 

«سينماتوغراف» ـ حاورته: انتصار دردير

يعد الناقد السينمائى المصري الكبير مصطفى درويش أحد عشاق السينما المخلصين، تولى مسؤولية الرقابة المصرية فى أحلك فترات العمل الرقابى، وخاض معارك عديدة لأجل حرية الابداع التى آمن بها دوما، ورغم أنه عمل رئيسا للرقابة لمدة عامين فقط ، الا أنه يعتبرهما الأصعب فى حياته ويعترف أن الرقابة وقتها كانت «جحيما»  فقد تولاها فترة المد الثورى فى ستينيات القرن الماضى قادما من سلك القضاء عاشقا للسينما، وذهب المنصب وبقى حبه لها، فاتجه للنقدالسينمائى، وأسس نادى السينما الذى استفادت منه أجيال عديدة.

بيته الشهير بمنطقة وسط البلد يبدو- للوهلة الأولى- كمتحف سينما، تغطى جدرانه أفيشات لأشهر الأفلام العالمية ولقطات لأحب الأفلام اليه، وصور لنجمته المفضلة  «مارلين مونرو» تمثل مراحل مختلفة من حياتها، أما مكتبته فتضم عشرات الكتب السينمائية النادرة وآلاف النسخ «دى فى دى» للأفلام العالمية، التقته «سينماتوغراف» وهو يستقبل عامه الـ88  فى حوار ممتد عن الرقابة والسينما والأفلام وأشياء أخرى:

مصطفى درويش 4

ـ صور الجميلة مارلين مونرو التى تستقبل زائريه جعلتنى أسأله .. ماحكايتك مع مارلين؟.

قال بخفة ظله المعتادة: هى ممثلة جميلة ومتحررة، ومتمكنة من موهبتها، هذا التمكن جاء من أنها تحب الكاميرا، والكاميرا بادلتها حبا بحب، أنها تحمل كل مقومات النجومية وبعض أفلامها تحسب من روائع السينما مثل «البعض يفضلونها ساخنة» الذى شاهدته عشرات المرات دون أدنى احساس بالملل، وقد تفوقت فى أدائها بفضل مخرجين كبار أثروا فيها مثل بيللى وايدر، وآخر فيلم قدمته كتب له السيناريو زوجها الروائى آرثر ميللر، ولو تركت مارلين بموهبتها الفطرية كممثلة لأبدعت أكثر لكن التحاقها بأحد استديوهات التمثيل بهوليوود أفسد موهبتها، كما عاملتها شركات الانتاج كدمية حتى أن شركة فوكس عاملتها بشكل سئ وأوقفت تصوير فيلمها الأخير، الشهرة عموما لها ثمن وقد دفعته مارلين، وكما يقول جودار الممثل الجيد لابد أن يكون عنده «شيزوفرينيا» لكى يستطيع التعبير ببراعة عن كل الشخصيات التى يؤديها.

ـ وأنت تستقبل اليوم عامك الـ88 من عمرك المديد باذن الله، ماذا تقول عن هذه المرحلة من حياتك وكيف تنظر الى ماهو مضى، بل وكيف يبدو يومك الآن؟

أقول كما قالت ميريل ستريب «كل يوم أعيشه أعتبره هدية»، لكن ساعات اليوم أفقدها بسرعة، يضحك، وهذه من علامات قرب النهاية، لاشك ان الحياة منحة عظيمة من الله، وقد عشتها بشكل يرضينى.

ـ توليت رئاسة الرقابة فى فترة حرجة من تاريخ مصر، كيف ترى هذه الفترة من حياتك؟

قضيت 37 سنة فى القضاء مستشارا فى مجلس الدولة ومهتم بالسينما، وانتدبت مديرا للرقابة مرتين الاولى عام 1962 وكانت لمدة 5 شهور، والثانية عام 1966  واستمرت لمدة عام ونصف حتى 24 ابريل 1968، وهاتين الفترتين كانتا الأصعب على جهازى العصبى، ما بين ظروف سياسية صعبة صعبت من مهمة الرقابة، يكفى أنها شهدت هزيمتنا المروعة عام 67 وتنحى عبد الناصر.

ـ لكنك آثرت ضجة كبيرة بتمردك على المحاذير الرقابية، وسمحت بعرض أفلام كانت ممنوعة؟

حاولت كسر القيود الرقابية، وطلبت حين توليت مسئوليتها قائمة بالأفلام الممنوع عرضها كان من بينها فيلم «المليونيرة» لصوفيا لورين وكان مأخوذا عن مسرحية لبرنارد شو، فى تلك الفترة كانت البلد نفسها فى حالة تربص فقد وافقت الرقابة قبلى على فيلم «خذنى بعارى» وجاء عرضه متزامنا مع انفصال مصر وسوريا، وقال البعض أنه يرمى لذلك الانفصال وكان وزير الثقافة ثروت عكاشة متحمسا لمنع الفيلم فأصدر قرارا بوقف عرضه وصارت ضجة كبيرة لذلك، وقد كان من الخطأ وقف عرض فيلم حصل على موافقة رقابية، وهو نفس ماتكرر مع فيلم «حلاوة روح»  الذى رفعه ابراهيم محلب رئيس الوزراء من دور العرض، ثم عاد بحكم قضائى.

ـ لكنك استدعيت للمثول أمام مجلس الأمة فى ذلك الوقت بسبب موافقتك على عرض فيلم «رجل وإمرأة» لكلود ليلوش؟

لم يكن فيلما واحدا بل فيلمين حصلا على السعفة الذهبية من مهرجان كان، الثانى هو «بلو أب»، وقد بقينا يوما طويلا فى شبه محاكمة على الفيلمين واتهمنى أعضاء بمجلس الأمة بأن هذه الأفلام سبب الهزيمة، وقال آخرون أننا سمحنا بعرضها لالهاء الناس عن مرارة النكسة، وقد قرر المجلس رفع «بلو أب» من السينمات، وقالت احدى النائبات عن السينما أنها دار العار، وفى النهاية استجاب الوزير لرأى الدهماء، هذه النظرة تبرهن أن 67  لم تكن هزيمة عسكرية فقط بل حضارية أيضا، فقد كان هناك من يطالب باغلاق دور العرض حدادا على الهزيمة، وكان المناخ الثقافى سيئا، باختصار كلما كان الوضع السياسى متأزما كلما قيدت حرية التعبير أكثر.

ـ وكيف واجهت أزمة فيلم «المومياء» لشادى عبد السلام؟

جاءنى المخرج شادى عبد السلام بالسيناريو وكان هناك شركتان تابعتان للدولة احداهما للانتاج ويرأسها نجيب محفوظ، والأخرى للتوزيع وكان يرأسها شخص يكره السينما قال لى ان الفيلم يجب ان يمنع من الرقابة لأنه سيخسر ولما لم يجدنى موافقا قال أن هذا الفيلم ضد القومية العربية، ولم ألتفت لهذا الكلام ووافقت على السيناريو، وحينما عرض فى فرنسا أشاد به كبار النقاد بها واستقبل كتجربة فنية غير مسبوقة، وهذا ضايق يوسف شاهين للغاية وكان هو وراء محاولة منع عرض الفيلم.

ـ هل هذا إعتقاد أم حقيقة مؤكدة ؟

ليس اعتقادا، بل الحقيقة التى عرفتها فيما بعد.

ـ وكيف كانت الفترة الثانية التى توليت فيها رئاسة الرقابة؟

وافقت على كل مشروعات الأفلام ولم أرفض فيلما واحدا، كنت أوافق على الأفلام دون حذف، ومن الأفلام التى آثارت ضجة وقتها «المتمردون» لتوفيق صالح فقد وافقت عليه كاملا، وقد علمت ان الوزير ثروت عكاشة قال لاعتدال ممتاز التى تولت الرقابة بعدى، أن تطيح بكل ماوافقت عليه، لهذا تم حذف مشاهد من المتمردون بعد تركى للرقابة.

مصطفى درويش 5

ـ كيف ترى المطالبات بالغاء الرقابة فى الوقت الحالى؟

هى مطالبات فجة وليس وقتها رغم أنه نتيجة للانترنت أصبح هناك استباحة لكثير من الأفلام، ورغم أن البعض يرى الرقابة قيد على حرية التعبير لكن حينما تكون مستنيرة ولديها الوعى الكافى تكون مطلوبة وخاصة لحماية الصغار، وأرى أن تطبيق التصنيف العمرى يحل المشكلة، وعدم تطبيقه أدى الى هذه الفوضى، اذ لايجب ان تكون الرقابة الا لفئات عمرية معينة.

ـ لكن الرقابة فى مصر مرتبطة بمدى مرونة من يتولاها أكثر من كونها قوانين تطبق على الابداع الفنى؟

أرى أن الرقابة حدثت لها انتكاسة كبيرة بعد ثورة يناير، فحين تولاها مخرج ينتمى فكرا لآل السبكى، أغرق السوق بأفلامهم بكل ماتحتويه من سوقية وهبوط واسفاف، هناك عموما ردة رقابية، مؤخرا طلبت الرقابة منى رأيا فى سيناريو فيلم لهانى فوزى وهو «شلة زمان» وقد وافقت عليه وطلبت فقط حذف بعض ألفاظ وردت فى الحوار، بينما رفضه الرقباء لأنه ينتقد الكنيسة، وما المانع أن ينتقد الكنيسة مثلما ينتقد عمل آخر شيخ من الأزهر، أنا شخصيا ضد التابوهات الرقابية الثلاث «الدين والجنس والسياسة» لأنها لو طبقت بجمود قد تقضى على اى فن، وقد واجهت مشكلة مماثلة مع الفيلم الانجليزى «بريست» الذى كنت أعرضه فى نادى السينما بالمجلس الأعلى للثقافة وكان بطله قسيس من المثليين أقام علاقة مع رجل ففضحه وأصبح منبوذا من الكنيسة، وكنا نعرضه فى قاعة صغيرة لمجموعة من الأدباء والنقاد لكنى فوجئت بالغاء عرضه بقرار من د.جابر عصفور مبررا ذلك بأن البابا كان يزور مصر فى ذلك الوقت، رغم أن الفيلم كان يعرض وقتها فى روما.

ـ توليت رئاسة نادى السينما الذى أتاح لأجيال عديدة على مدى سنوات التعرف على المدارس السينمائية العالمية، كيف ترى هذه التجربة؟

لاشك أن نادى السينما كان نافذة مهمة لعرض أهم الأفلام العالمية، وخلال رئاستى له حرصت على عرض الأفلام الأوروبية التى تمثل اتجاهات مغايرة، فمثلا كنت أعرض أول فيلم سويدى «برسونا» عام 1968، لكن وزير الثقافة ثروت عكاشة تحول الى شخص آخر بعد هزيمة 67 وصار رقيبا على الرقابة، وقد تركت النادى بعدما وجدته يتدخل فى كل شئ، الرقابة وقتها كانت جحيما.

ـ أنت ضد أفلام السبكى رغم أن مهرجان القاهرة الماضى اختار فيلمين من انتاجه ليمثلا مصر؟

أرى فى ذلك سقوط للسينما المصرية، المشكلة أن أفلامه عملة رديئة تطرد الجيدة، ونوع من التنازلات لايجب أن تتم على حساب الفن، وكنت أفضل عدم مشاركة فيلم مصرى فى المهرجان على أن تشارك أفلام دون المستوى، السينما تؤثر فى الناس ويجب أن نهتم بها ونحمى الصناعة، وقد تدهورت بحيث لم يعد هناك تمثيل لمصر فى المهرجانات العالمية.

ـ يرى البعض فى السينما المستقلة طوق نجاة، فيما يطالب آخرون بعودة الدولة للانتاج، مارأيك أنت؟

يمكن أن تكون السينما المستقلة بديلا، لكنى أرفض عودة الدولة للانتاج، ولم أجد فى فيلم «المسافر» الذى لعب بطولته عمر الشريف ودعمته وزارة الثقافة مايشجع على عودتها، يكفى الدولة أن تشجع الانتاج الجيد لكن تنتج لا.

مصطفى درويش 3

ـ كيف ترى مستقبل السينما المصرية؟

مصر غنية بالكوادر الفنية المتميزة لكن ألاحظ فقر الفكر، فلايوجد خيال خصب، والأفكار كلها مقتبسة اقتباسا غبيا وبطريقة فجة.

ـ من الرقابة الى النقد السينمائى، بأى المدارس النقدية تأثرت وكيف ترى حركة النقد السينمائى فى مصر؟

كنت أكثر تأثرا بالفرنسيين لانهم الأكثر اهتماما بالنقد السينمائى، وهم أهل ابتكار لنظريات جديدة فى السينما والنقد السينمائى، لدى كتب مهمة فى مكتبتى لهنرى بازان وفرانسوا تروفو، وقرأت كثيرا لنقاد أمريكيين ومن الكتب التى أعجبتنى كتاب لجون هوارد لوسون عن «معركة الفيلم بين الحركة التقدمية والرجعية» وفى مكتبتى مئات الكتب التى تناولت النقد السينمائى، أما الحركة النقدية فى مصر فقد كانت ولاتزال ضعيفة.

صطفى درويش 2

ـ مكتبتك التى تضم مئات الأفلام، أي النوعيات تميل اليها أكثر؟

كل الأنواع جميلة كما قال موتسارت، فأحب مشاهدة أفلام الويسترن، الكوميدى، وحينما اكون سعيدا أجدنى مشدودا لمشاهدة فيلم «notorious» لانجريد برجمان وكارى جرانت والتى يحتفل العالم بمئوية ميلادها، كما لا أمل من مشاهدة أفلام مارلين.

ـ  والسينما المصرية؟

لا أحب أفلام يوسف شاهين وأشعر أن بها إدعاء، لكن أميل لأفلام صلاح أبوسيف وكمال الشيخ وداوود عبد السيد ومحمد خان ومومياء شادى عبد السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى