سينماهم في عيونهم | «قصة الحي الغربي».. ألوان مجنونة ومشحونة بأدرينالين الشباب
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
ها هو المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ، الفائز بـ 3 جوائز أوسكار، و191 جائزة أخرى، بالإضافة إلى 214 ترشيحاً لعدة جوائز، يضعنا أمام شاشة موسيقية جريئة بتقنية حديثة، لنستمتع بقطعة فنية ساحرة الجمال، على مدى 156 دقيقة.
في إعادة اكتشاف للجوهر المثير للأيقونة الكلاسيكية “قصة الحي الغربي” (West Side Story)، التي تأتي ضمن ذروة ثقافة الطبقة المتوسطة الأميركية فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ بعد أن استوحاها الكاتب الأميركي آرثر لورنتس من مأساة “روميو وجولييت” للكاتب الإنجليزي الشهير وليام شكسبير.
وذلك منذ أن تم عرضها لأول مرة على مسارح برودواي عام 1957، ثم على شاشة السينما عام 1961، لتكرس لوناً من الموسيقى والأغاني المدهشة والجديدة غير القابلة للنسيان، لجاذبيتها التي لا تُمحى. وتفردها بمزيج من “المرح والوقار، والواقعية والخيال، وقتال الشوارع والباليه، لم تتم تجربته من قبل، ولم يتكرر منذ ذلك الحين” كما يقول “أ. أو. سكوت” (A.O. Scott) الناقد السينمائي بصحيفة “نيويورك تايمز” (NYTimes).
“يمكن أن تكون الحياة مشرقة في أميركا، إذا كنت تستطيع القتال في أميركا” هذا ما تقوله إحدى أغنيات الفيلم الذي “قدم فيه سبيلبرغ مجموعة من المراهقين يغنون من قلوبهم بأصوات قوية جداً، كما في الأغنية الساحرة: أشعر أنني جميلة (I Feel Pretty) وجعل منهم نموذجاً في فن الأداء” بحسب سكوت.
وتدور أحداثه بمدينة نيويورك، منتصف القرن العشرين، لتجسد صورة جريئة وواضحة عن الجنوح والتعصب العرقي، والكراهية البروتستانتية للنمو الكاثوليكي، من خلال معارك تجمعات الشباب البورتوريكي من أبناء الطبقة العاملة المهاجرة من منطقة البحر الكاريبي التي تكافح من أجل موطئ قدم للبقاء والنهوض بأحياء مانهاتن الفقيرة، في مواجهة تجمعات الأنغلو، أو (Gringo).
وبالرغم من أنهم نتاج اضطراب عائلي وإهمال مجتمعي، وبدون تطلعات للمستقبل، وممتلئون بالولاء العشائري والاستياء العنصري، والإحساس باستحقاق البيض، لكن، لكل منهم خطط وتطلعات وأحلام. فقط معاناتهم من التحيز والشك، إلى جانب الطاقة والبراعة والوقاحة هي التي جعلتهم مشاغبين.
نحن أمام عصابة “الطائرات المقاتلة” (The Jets) التي تمثل المراهقين البيض الذين يتنافسون ويصطدمون كسيارات تتجه نحو بعضها البعض على طريق باتجاه واحد، بقيادة ريف (مايك فيست) المشاكس الذي يُفضل القتال على الفوز، وبدعم عنصرية الشرطة الممثلة في الملازم شرانك (كوري ستول) مع خصومهم المنحدرين من بورتريكو، أعضاء عصابة “أسماك القرش” (The Sharks) بزعامة برناردو (ديفيد ألفاريز).
وبرناردو ملاكم يعتبر أن عنف الشوارع شر يجب التغلب عليه بالعمل الشاق والتماسك المجتمعي، والسعي إلى شيء أفضل. وتمتهن صديقته أنيتا (أريانا ديبوز) الذكية والمُفعمة بالحيوية مهنة الخياطة، وتعمل أخته الشابة ماريا (راشيل زيجلر) ذات الأداء الطبيعي النابض بالحياة، في نوبة العمل الليلية بمتجر تجزئة. وتقع في حب توني (أنسيل إلغورت) ذي الوجه الطفولي، والعضو السابق في عصابة الطائرات المقاتلة، والخارج للتو من السجن بسبب عمل عنيف جعله يبتعد عن الانخراط في أنشطة العصابات، ويكتفي بالعمل في صيدلية فالنتينا (ريتا مورينو) المتعالية التي قامت بدور أنيتا نسخة عام 1961، وفازت عنه بجائزة أوسكار، ويتوقع الناقد بريان تاليريكو أن تكررها هذه المرة أيضا. وهو الحب الذي يثير غضب الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ويجعل المشهد مهيأ لمأساة من الحب والموت، أكثر حدة وغضبا وحزنا عبر الثقافات.
في الوقت الذي يتساءل فيه الناقد مارك كرمود، قائلاً “هل كنا نحتاج فعلاً إلى نسخة جديدة من ويست سايد ستوري، بعد حصده 10 جوائز أوسكار عام 1961، وهو رقم قياسي لمسرحية موسيقية؟”. يرى الناقد بيتر برادشو أنه “لم يكن بوسع أي شخص سوى سبيلبرغ، بإتقانه المثير للتقنية، أن يعيدنا 70 عاماً إلى الوراء، حيث ليلة افتتاح تلك المسرحية الموسيقية في برودواي. وينجح في إعادة الإنتاج المعدّلة ببراعة وتحد وجرأة مذهلة للقصة الأصلية الخيالية الأميركية المؤثرة عن الحب المنكوب بهذا الشكل لدرجة تجعل المشاهد يلهث طوال الوقت“.
ومن بداية التسلسلات الافتتاحية التمهيدية، بلوحة ألوان باهتة تواكب تحليق الكاميرا فوق أنقاض “أبر ويست سايد” في مانهاتن عام 1958، يأتي تصور تجريف المساكن المتهالكة، من أجل بناء مركز لينكولن الجديد الفاخر كما لو كان مشهد خيال علمي، مع عبارات موسيقية يتردد صداها منذراً بالسوء، قبل أن تنفجر بألوان نابضة بالحياة أثناء المواجهات التي تتحول إلى رقص.
على حد قول الناقد كرمود “هناك الكثير من الجمال في هذا العمل التاريخي، من التزام سبيلبيرغ بالواقعية الفائقة في طرحه الجديد الجريء لتحفته الموسيقية.
ومراعاة السيناريست توني كوشنر للفوارق التاريخية الدقيقة، أثناء رصده لتجربة المهاجرين في أميركا. وإبداع جاستن بيك في تصميم رقصاته الجديدة المزركشة بالألوان المجنونة المشحونة بأدرينالين الشباب، والمشاعر التي لا يمكن السيطرة عليها، وهي تقود إلى الرقص والحب والقتال، و”التي سيحاول الأطفال تقليدها في ملاعب المدارس لعقود قادمة“.
وروعة التصوير الذي يخطف الأنفاس حتى يكاد يردم الفجوة بين السماء والأرض، للمصور السينمائي يانوش كامينسكي الذي صنع أحد أكثر الأعمال إبهاراً من الناحية البصرية، في الذاكرة الحديثة لسينما هوليوود “بكاميرا تتنقل برشاقة حول الشخصيات دون أن تشتت انتباه المُشاهد، أو تفوت عليه أي شيء، من خلال قدر كبير جدا من توهج العدسة، والكادرات الواسعة التي جعلت اللقطات نموذجية” وفقاً لتوصيف الناقد تاليريكو. وتأليف الأغاني الرائع لستيفن سونديم وليونارد بيرنشتاين، والكلمات الصادقة، وكلها عناصر تضافرت لتقديم عرض مثير للغاية.
لكن الناقد سكوت يرى أن “الرومانسية الطاغية في معظم المشاهد جاءت غير متوافقة مع قسوة المكان“.