سينماهم في عيونهم: هل يقدم «فنتاستك فور» أي جديد؟
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
تعرض الإصدار الجديد من فيلم «فنتاستك فور» من خلال مشاهد أبطاله الخارقين للعديد من الانتقادات، وظهرت تقارير تتحدث عن إنتاجه المتعثر. ومع ذلك، يقدم الفيلم جوانب جديدة، كما يرى الناقد السينمائي «أوين غليبرمان».
كيف أضحت الثقافة المرتبطة بأفلام الصيف تمتلئ بشيء من الغرور بشكل مشين؟ بدأ «جوش ترانك»، الذي أخرج النسخة الجديدة من فيلم «فَنتاستك فور»، فيلمه بمشاهد تعبر عن بساطة ربما تعود إلى عصر ما قبل التكنولوجيا الرقمية، والتي كانت سائدة في أفلام الدرجة الثانية في ستينيات القرن الماضي.
من المعلوم أن هذه المواصفات ستجعل الفيلم يبدو كنسخة ضعيفة مقارنة بأفلام العصر الراهن التي تتميز بتقنيات رقمية عالية. وقد أخذت مادة الفيلم من مجلات رسوم الأبطال الخارقين، لكن النمط غير المثير في فيلم «فنتاستك فور» لا يعطيك انطباعاً أنك تغرق في خيال محض. وتعد بساطة الفيلم من أبرز صفاته التي تضفي عليه نوعا من المتعة.
بعد كل هذا، دعونا لا نغالي في فضائل ذلك الفيلم. إن فيلم «فنتاستك فور» الجديد هو أفضل بكثير من النسخة السابقة التي أُنتجت قبل 10 أعوام مضت، والتي كانت تتميز بالجاذبية والتشوش أيضا. غير أنه في الحقيقة يحمل خيطا رفيعا من قصة أصلية.
كان «مايلز تيللر» قوياً في فيلم «ضربة السوط» في العام الماضي، لكنه خفف من قوته وساحريته من خلال قيامه بدور «ريد ريتشاردز» في ذلك الفيلم الجديد؛ وهو شخص يبدو دائما وهو مبتسم، وله ضجيج كالأطفال، ومهووس بالعلوم.
ويعد «ريتشاردز» قائدا لمجموعة من العباقرة من الشباب الذين يقومون ببناء آلة لتستخدم في نقل المادة إلى الفضاء. وتتدارس مجموعة الخبراء هذه الأفكار في مدينة نيويورك حيث ينتهي أبسط أنواع المزاح بينها إلى مناقشات خطيرة للغاية تدور حول احتمالات استخدام طاقة الكم في نقل المادة إلى الفضاء.
لم يعد هذا الموضوع معقولاً في يومنا هذا أكثر مما كان في عهد العبارة الشهيرة «إنقلني بالشعاع يا سكوتي!»، وهي العبارة التي نالت شهرة واسعة في مسلسل «ستار تريك» الأصلي. إنه مجرد سحر تلبّس بلباس العلم.
وعندما تكتمل الآلة، سيكون بإمكانها نقل أي شيء يوضع داخلها إلى كوكب خيالي يدعي «الكوكب صفر» النائي، بتكويناته الصخرية الناتئة ونُهيراته الخضراء المتوهجة بفعل الطاقة الكهرومغناطيسية.
وكجزء من المزاح، يقرر أعضاء الفريق أن يقوموا بنقل أنفسهم إلى ذلك الكوكب. وعندما يصلون إليه، تعمل القوة الغامضة والجامحة لذلك الكوكب على إحداث طفرة مختلفة لدى جينات كل واحد منهم.
وفجأة، يستطيع «ريد» أن يمدد ويحني أطرافه بكل بساطة وكأنها مصنوعة من المطاط. وينتهي الأمر بـ«جوني ستورم» (الذي يقوم بدوره الممثل مايكل ب. جوردن) ليصبح جسماً مغلفاً بلهب كأنه نار موقد غازي.
أما شخصية سو، وهي أخت جوني، والتي تقوم بدورها الممثلة كايت مارا، فباستطاعتها الآن أن تجعل نفسها، والأشياء من حولها، غير مرئية.
كما يتحول «بِن غريم» (ويمثل دوره جيمي بيل) – وهو صديق «ريد» منذ الطفولة في ذلك الفيلم- ليصبح هيكلٌ من صخور متبعثرة تشبه أكبر دمية في العالم غير قابلة للتدمير، وكان يعرف في الفيلم باسمه المميز «الشيء».
وعند عودتهم إلى كوكب الأرض، تصبح تلك الشخصيات مذعورة نوعاً ما من طفراتها الجسدية المكتشفة حديثاً والقوة التي أصبحوا عليها.
هذه هي تقريباً حبكة الفيلم بأكملها. ليست هناك نشاطات لمكافحة الجريمة وليس هناك صخب في العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام.
ومع أن وزارة الدفاع الأمريكية تحتاج بشكل عاجل إلى خدمات أي واحد منهم، فإن الفيلم لا يهبط مطلقاً إلى مستوى هوليوود الليبرالي القياسي بتقريع العسكريين. ليس أقلهم «جوني ستورم»، حتى أنه يبدأ بالاستمتاع بدوره الجديد مع احتمال أن يصبح سلاحاً سرياً للحكومة.
وكفيلم خصصت له ميزانية ضخمة ويدور حول إحدى قصص مجلات الرسوم، فقد جرى تحجيمه بشكل متواضع. حتى أن مشاهدة فيلم مبتديء من سلسلة أفلام «رجال إكس» تبدو لك وكأنها من نمط تلك الأفلام التي ألفها «توماس بينشون».
بعد كل هذا، يُفترض لشخصيات تلك الأفلام أن «تنفر» بقوة من المجتمع، وهذه فكرة رئيسية تنجح الأفلام بالتأكيد بسببها، مرة تلو الأخرى، دون الحاجة إلى إقناعك بأنها حقيقة.
أبطالنا العائدون من «الكوكب صفر» في فيلم «فنتاستك فور»، وبعد أن تحولوا بفضل طفراتهم، هم في الحقيقة مثبطون للعزائم. تلك هي ميزة يعبر عنها الفيلم عن طريق استعمال معيار بشري للمؤثرات الخاصة.
كان «ترانك» قد أخرج فيلماً عبقرياً عن الخيال يحمل اسم «وقائع» (عام 2012)، وقد استقل المخرج بذلك الفيلم عن شركات الإنتاج الكبرى، لكنه لم يوظف هنا الشخصيات المألوفة بحيلها البصرية التي هي جزء لا يتجزأ من أفلام الخيال العلمي لكي يبهرنا.
إنه يدعونا للتعاطف مع ما هو في الأساس خوف جسدي من قدرات تلك الشخصيات الجديدة. لقد تحول أبطال الفيلم إلى أشخاص مشوهين ذوي نزوات خارقة. إن «فنتاستك فور» يدعوك لكي تشعر بآلامهم.
أبطال «صنعوا يدوياً»
في أفلام هوليوود المقتبسة من مجلات الرسوم، حتى شخصية مثل «بيتر باركر» تتكيف لتصبح «الرجل العنكبوت» خلال 10 دقائق. ويعود سبب ذلك إلى كون معظم هذه الأفلام ذات رسالة هي في صلب بيع إنتاجهم، والتي تتلخص في أن الأبطال رائعون!
إنهم مَن تريد أن تكون! غير أن هذا لا يُنصف ما كانت عليه قصص المجلات التي كانت تمثل أشكالاً أقل روعة بكثير، برسومات حركت مشاعرنا لتعطيها القوة الخارقة. ذلك هو الطبع الذي يصوره «ترانك».
إنه يبني هذا الطراز العتيق من قصص مجلات الرسوم من الأساس إلى البُنيان بأكمله، ويعطي طاقم ممثليه الموهوبين مجالاً ليبثوا روحاً في شخصيات كان لها أن تكون نماذج أصلية سطحية وتافهة.
إن غضب «جوردن» المنطقي، وتحديق «مارا» بشدة، والبراءة المهتزة لـ«تيلر»، جميعها تقدم تعبيرا أكثر مما قد يرد في العبارات المتكررة.
المتميز من بينهم هو «جوردن». ففي أول فيلم ضخم له منذ أدائه الخارق في فيلم «محطة فروتفيل»، نراه يعطي شخصية «جوني» إطلالة عارضة من خلال ذلك اللهيب الذي يمكنه أن يشعله أو يطفئه حسب إرادته (بنقرة مفتاح على بدلته).
لقد أضاف ذلك بعداً جديداً قوياً له، ولكن في نفس الوقت، جعله ينكمش أيضاً. أما عينا «سوو» (كايت مارا)، فهما تنضحان دهاءً شهوانياً، وأصوات «جيمي بيل» وهو يقوم بدور «الشيء» حينما يتذمر بشكل مؤثر وبوعي ذاتي تجعله يبدو كعملاق يعبر عن بؤس وتعاسة.
إلى جانب مثيري الشغب النشيطين، تبدو لنا شخصية «مايلز تيلر» في «ريد» وكأنها أكثر النفوس وداعةً، حتى عندما يثني جسده بحركات ليتجنب الرصاصات التي تُطلق نحوه. إن «تيلر» يجعل الشخصية التي يؤدي دورها تبدو كطالب مجد، هاديء، ولكنه ليس بليداً أبداً.
لا يمكن للتناقض أن يكون أبسط مما هو عليه في ذلك الفيلم: فأحد أعضاء الفريق، وهو شخص بائس يسير وفقا لأحدث صيحات الموضة، وهو «فيكتور فون دووم» (يمثل دوره توبي كِبل) قد تم التخلي عنه على «الكوكب صفر».
وقد ظل هناك يختلط مع طاقة ذلك الكوكب ليصبح بعد ذلك رجلاً خارقاً، عدمياً، ومقرفاً بحق. إنه يريد – من وراء القناع الذي جرى صهره على وجهه – أن يدمر الأرض. ونصل إلى الذروة، حيث يعود أبطالنا إلى «الكوكب صفر» لإيقافه عند حده.
إنه أكثر المشاهد روتينية في الفيلم، لأنه الوحيد الذي يتخلى فيه المخرج «ترانك» عن أسلوبه اليدوي في إخراج الفيلم؛ إذ تبدأ المؤثرات في لعب دورها لتعطينا إحساساً رقمياً، تماما كما في إنتاج الشركات الكبرى.
وحتى مع ذلك، تجري الأحداث بسرعة كبيرة، حيث نرى شجاعة بطولية مرتجلة تعبّر عن إرادة الشخصيات، هؤلاء الذين يعرفون في أعماقهم أنهم لم يُعادوا إلى الأرض ليكونوا أبطالاً خارقين. دعونا نأمل أنهم سوف يظلون كذلك يشعرون بنفس هذه الطريقة.