«سَبُو للفيلم القصير بالقنيطرة» يختتم فعالياته تحت شعار: «الشباب دعامة أساسية للفعل الثقافي»
القنيطرة ـ المغرب ـ «سينماتوغراف»: أحمد بوغابة
اختتم مهرجان سَبُو للفيلم القصير بمدينة القنيطرة فعالياته ليلة السبت 23 مايو/أيار 2015، بحفل توزيع جوائزه (تبعد المدينة 30 كلم شمالا عن الرباط العاصمة. أما كلمة «سَبو» فهي لإسم النهر الذي يخترق المدينة وواحد من أكبر الأنهار بالمغرب). وقد أسفرت نتائج المداولات، حول الأفلام المشاركة في المسابقة، على ما يلي: الجائزة الأولى الكبرى والتي تحمل إسم مدينة القنيطرة ذهبت إلى فيلم «أيام الصيف» للمخرج عماد بادي، وجاءت جائزة المدينة الثانية من نصيب فيلم «الانتظار في ثلاث مشاهد» للمخرج عبد الإله زيرات، أما جائزة لجنة التحكيم فقد حاز عليها فيلم «نكهة التفاح» للمخرج إدريس الباين، كما نوهت اللجنة بفيلمين وهما «حدود» للمخرجين علي الصميلي وكلير كاهن، وفيلم «وسيط» للمخرج الطيب بوحنانة.
وقد تم عرض 20 فيلما قصيرا مغربيا في المسابقة الرسمية خلال أمسيتين، يومي الخميس 21 والجمعة 22 مايو/أيار، أمام لجنة ترأسها المخرج المغربي داوود أولاد السيد وبعضوية كل من الممثلة المغربية سليمة بنمومن والمخرجة المصرية، المقيمة بالمغرب، شيرين طلعت، والناقد السينمائي المغربي نور الدين محقق، والفنان التشكيلي المغربي نور الدين فيضالي.
يدور الفيلم، الفائز بالجائزة الكبرى (15 دقيقة)، داخل فضاء مغلق وهو بيت بسيط جدا لأسرة فقيرة تتكون من أم وابن شاب وبنت مازالت طفلة، ونعرف أيضا أن الشاب يشتغل في الفران وهو العائل الوحيد للأسرة، ويُعَرِّفُنا أيضا بزمن الفيلم وهو فصل الصيف الشديد الحرارة، فوق المعدل، والطفلة حبيسة البيت بسبب العطلة الصيفية وبتلك الحرارة المفرطة حيث أمنيتها الوحيدة أن يوفر لها أخوها مِرْوَحَة للتخفيف من حدة الحرارة لأن منازل الفقراء غير مكيفة الهواء. اشترى الشاب المروحة لكنها لم تشتغل فتعارك مع البائع بسبب الغش الذي تعرض له حسب الحوار الذي دار بين الأم وإبنها. فقد حاول إصلاحها دون جدوى بل حتى أخته الطفلة حاولت من جانبها إصلاحها إلى أن تحولت المروحة إلى لعبة لها بسبب الفراغ الذي تعيشه في عالمها المغلق عليها بالجدران والطبيعة (الحرارة) والفقر.
إشارات كثيرة استخدمها المخرج الشاب عماد بادي لتأثيث فيلمه ونتعرف على شخصياتها وموقعها الاجتماعي دون اللجوء إلى الوصف أو الكلام لنفهم ذلك. لقد شاهدنا أن الجميع ينام على السجاد الموضوع مباشرة على الأرض، ووجود مصباح عار دلالة تلك البيوت، وأيضا الشاب كان يأكل «القطاني» في عز الصيف ونحن نعلم أنها تزيد في حرارية الجسم، والأجمل في الفيلم هو أن المخرج جعل موقع الكاميرا يتخذ نفس مسافة شخصياته وحجمها، لم ترتفع إطلاقا عنهم ولم تتجاوزهم وكأنها واحدة منهم حيث كانت تبدو دائما «شاردة» في مشاهدتهم بنفس المستوى الذي يشاهدونها، وكانت الكاميرا «تجلس وتفترش» بدورها الأرض. لم يكن الفيلم ثرثارا بكلام زائد كانعكاس للفراغ والجمل القليلة التي تم تداورها (وتكررت بعضها قصدا) حول الباب والمروحة لذا لم يوظف المخرج الموسيقى مجانا بإقحامها إلا عند الضرورة ليبقى في إطار لب الفيلم الذي أشرنا إليه.
كل الأفلام التي احتضنها المهرجان هي حديثة الإنتاج (بعضها تُعرض لأول مرة في هذا المهرجان) وتحظى باهتمام عِلْمي من خلال النقاشات الصباحية اليومية التي أطرها الناقد السينمائي والأستاذ الجامعي بوشتى فرقزيد الذي يملك تجربة مهمة في إدارة النقاش حول السينما بهدف تقييمها بمنظور نقدي تفيد أصحابها من المخرجين الشباب والجمهور على حد سواء، وهذا ما يتميز به مهرجان سَبُو كمحطة ثقافية مهمة حول الفيلم القصير. غالبية الجمهور المتابع للأفلام هو أيضا كان غالبيته مكونا من الشباب المتعطش للثقافة السينمائية كنتيجة منطقية لاشتغال النادي طيلة العام معهم وليس فقط بشكل مناسباتي أو مرة في السنة، بقدر ما ينظم أنشطة متعددة ومختلفة، في العروض والتكوين والتأهيل، بُغية خلق استمرارية للعمل الثقافي والفني بالمدينة. ولذلك رفع المهرجان ومعه النادي شعار «الشباب دعامة أساسية للفعل الثقافي».
يُعد مهرجان سَبُو للفيلم القصير بالقنيطرة، الذي افتُتِحَ يوم الأربعاء 20 مايو/أيار مساء، من أهم المهرجانات في المغرب المُشتغلة على الفيلم القصير المغربي، وتكمن هذه الأهمية في كون الجهة المنظمة هي النادي السينمائي بالمدينة، وهو واحد من أقدم الأندية بالبلد، وواحد من الأندية المُؤَسِسَة للإطار التاريخي «الجامعة الوطنية للأندية السينمائية» سنة 1973 ولم تكن كثيرة حينها، وبذلك يكون النادي السينمائي الوحيد، من ذلك التاريخ الجميل، مازال مستمرا في نضاله السينمائي التطوعي حيث يترأسه الرئيس الأسبق لجامعة الأندية وهو الأستاذ المختار أيت عمر.
واصل المهرجان نجاحاته وهو يدشن دورته التاسعة هذا العام، محتفظا بفقراته الدائمة مع تطوير بعضها وتعديل أخرى، ومن بين أهم التغييرات التي مست الدورة الحالية، هو تغيير فضاءه من قاعة البلدية إلى قاعة المركز الثقافي بالمدينة.
وجديد هذه السنة كذلك، أن إدارة المهرجان فسحت المجال، في حفل الافتتاح، لفرقة من تلاميذ المدينة «هواة المسرح» ضمن ورشة التكوين المسرحي بقيادة الفنان محمد البدري، حيث قدمت هذه الفرقة مشهدا مسرحيا في 10 دقائق بعنوان «الوعد». يتحدث هذا المشهد المسرحي عن القاعات السينمائية بالقنيطرة التي يجهل الأطفال والشباب تاريخها، ووجودها أصلا، إلا من خلال رجل اشتغل لمدة 40 سنة في بعضها فتحسر عليها لأنها كانت جزء من حياته والحياة الثقافية للمدينة، وَعَدَهُ التلاميذ بإعادتها إلى حظيرة المدينة بتكسيرهم «للجدار الرابع»، بمعنى النزول من خشبة المسرح والتوجه مباشرة عند بعض السينمائيين الحاضرين في القاعة للحصول على دعمهم باسترجاع القاعات السينمائية. ولهذا «التكسير» دلالة بتحمل الشباب مسؤوليته بيده. وقد كان موقف المخرج المغربي حسن بنجلون رائعا ومتميزا في موقفه حين قام واقفا أمام الجمهور طالبا من أعضاء الفرقة المتجولين، وسط القاعة، بأن عليهم التوجه مباشرة إلى المسؤولين الرسميين الحاضرين لكي يفكروا جيدا في هذه المعضلة التي تترك أجيالا من الأطفال والشباب يجهلون ماذا تعني قاعة سينمائية لأنه لم تطأها أقدامهم أبدا.
تقليد آخر دأب عليه مهرجان سَبُو للفيلم القصير بالقنيطرة، منذ خمس سنوات، يتجلى في عرض يوم الافتتاح الفيلم المغربي القصير الحائز على الجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني السنوي في طنجة الذي يُعقد عادة قبل القنيطرة. يجعل المهرجان من هذا الفيلم في مرتبة فيلم السنة ضمن خانة الأفلام القصيرة ومناسبة للاحتفاء بمخرجه. إلا ان هذه السنة وقع تغيير بعرضه في حفل الاختتام قبل توزيع الجوائز. ويتعلق الأمر بفيلم «حوت الصحراء» (30 دقيقة) للمخرج الشاب علاء الدين الجم الذي حصل على الجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني في دورته الأخيرة (فبراير/شباط 2015). وفي المقابل تم إلغاء فقرة «سينما الضيف» التي كانت في السنوات السابقة تكون في نهاية المهرجان، إذ سبق للمهرجان أن استضاف الجزائر وتونس. وهذا التغيير الاضطراري جاء بسبب مشاكل تقنية.
وجدير بالذكر أن حفل الافتتاح، تضمن تكريما مزدوجا، فقد تم في البداية تكريم المخرجة المغربية فريدة بورقية التي اشتغلت في المسرح والتلفزيون والسينما لأزيد من أربعة عقود ومازالت مواظبة على الإنتاج والعطاء بنفس الحيوية. ثم كان بعدها الممثل والملحن والمغني المغربي الشهير يونس ميكري، وقد استجاب هذا الأخير لطلب الجمهور الغفير بأداء أغنيته الشهيرة «ليلي طويل» فشاركته القاعة بحفاوة كبيرة مستجيبة لالتفاته النبيلة. كما تم تنظيم «درس السينما» مع رئيس لجنة التحكيم المخرج داوود أولاد السيد.