إضاءات

شاهده في «البحر الأحمر السينمائي»: «تالافيزيون» رحلة حزينة وشاعرية عن أطفال سوريا وأحلامهم الضائعة

الأردن ـ الوكالات:  «سينماتوغراف»

ينافس الفيلم الأردني القصير «تالافيزيون» في مسابقة الأفلام القصيرة، ضمن فعاليات «البحر الأحمر السينمائي»، وبذلك يكون عرضه للمرة الأولى عربياً.

فيلم «تالافيزيون» من إخراج مراد أبو عيشة، وفاز مؤخراً بجائزة أفضل فيلم روائي في مسابقة جوائز أوسكار الطلبة، مسجلًا أول فوز عربي في فئة الأفلام الروائية، كما يتأهل للمنافسة على جوائز الأوسكار الـ94 المقبلة.

«تالا» طفلة صغيرة تعيش في شقة تعرضت للقصف في سوريا، التلفزيون هو نافذتها الوحيدة على العالم، لكن داعش حرمها منه. “تالافيزيون” فيلم يصور معاناة أطفال سوريا وأحلامهم التي دفنت تحت الأنقاض. عمل شاعري وحزين فاز بجوائز عديدة.

فجأة لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يسمح بمشاهدة التلفزيون، والناس يلقون بأجهزتهم من نوافذ بيوتهم التي تعرضت للقصف إلى الشارع المغطى بالركام. والد تالا هو الآخر عليه الالتزام بالقاعدة الجديدة – سواء أراد ذلك أم لم لا. ابنته البالغة من العمر ثماني سنوات لا تريد ذلك، ولا يمكنها قبول الأمر، وعندما تخرق القاعدة دون علم والدها وتعيد جهاز تلفزيون سليم إلى المنزل، فهذه مسألة حياة أو موت.

كلمة “تالا فيزيون”، هي عبارة عن تلاعب بالكلمات. يقول كاتب السيناريو والمخرج الأردني، مراد أبو عيشة، الكثير من الأطفال العرب ينطقون هكذا كلمة “Television” الإنجليزية. في 28 دقيقة، نجح الفيلم بشكل مثير للإعجاب في نقل رؤية الطفلة تالا. إنه لأمر محزن وشاعري في الوقت نفسه. من خلال عيون تالا نرى عالمها الذي هو عبارة عن خراب ودمار وحطام. قام والد تالا (زياد بكري) بسد النافذة بلوح بشكل محكم، لا يمنع دخول أشعة الشمس فقط، وإنما من خلال الشقوق المتبقية، تنظر الفتاة إلى شارع تعرض للقصف، في مكان ما في سوريا، حيث يسيطر تنظيم داعش.

تحب تالا بشكل خاص مشاهدة كرة القدم، وخاصة مباريات ليونيل ميسي، الذي تلعب معه في خيالها. مشاهدة كرة القدم أو حتى ركلها الكرة، هذا شيء غير طبيعي في العالم الذي تعيش فيه تالا، كما يقول مراد أبو عيشة. في الشرق الأوسط، عادة ما تلعب الفتيات بالدمى والأولاد فقط يلعبون كرة القدم. عندما لم يعد التلفاز موجوداً، حاولت تالا إستحضار “محبوبها”  وهي تغمض عينيها بالتناوب. تتيح لنا الكاميرا النظر من خلال عيون تالا. عندما تحاول أن تلعب كرة القدم بنفسها في الشقة، ينكسر المصباح، فلا يسمح لها بلعب كرة القدم في الخارج في الشارع. “ادخلي، أيتها العاهرة، آمل أن يقوم تنظيم الدولة الإسلامية بإعدامك”، هذا ما قاله فتى عابر عندما رآها من النافذة.

تالافيزيون” ليس قصة حقيقية، لكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، يعتمد وضع الفيلم على ظروف أو تجارب حقيقية. في هذه الحالة اعتمد الفيلم بشكل أساسي على مشهدين لم يستطع مراد أبو عيشة لم يفارقا مخيلته. المشهد الأولى على الحدود الأردنية السورية، عندما شاهد طفلة صغيرة تفر بمفردها وقد حذت حذو اللاجئين السوريين الآخرين إلى الأردن، وطن مراد الآمن. وقال المخرج إن هذا المشهد لا يزال عالقاً في ذهنه حتى يومنا هذا.

المشهد الثاني في مقال صحفي صغير قرأ أن تنظيم داعش منع السكان من امتلاك أجهزة التلفاز. الإنترنت هو رفاهية مطلقة في مناطق الصراع مثل سوريا، لكن التلفزيون كان لا يزال يلعب دوراً كما كان يلعبه في أوروبا منذ سنوات عديدة، عندما أصبح نافذة على العالم. كان هذا هو الحال أيضاً في طفولته في الأردن، يقول مراد أبو عيشة.

في فيلم “تالافيزيون” عمل المخرج لأول مرة مع طفل، والذي “كان الفيلم بأكمله ملقى على عاتقه”. هذا هو بالضبط سبب أهمية العثور على تالا الحقيقية. منذ البداية لم يكن يريد أن تؤدي الدور ممثلة أردنية، بل “شخص عايش هذه الحقيقة”. بعد اختيار دقيق مع عدة مئات من الفتيات، التقى بحوالي 200 منهن بنفسه، وجد ما كان يبحث عنه: عائشة بلاسم، البالغة من العمر سبع سنوات فقط عند التصوير، جسدت دور تالا بطريقة مثيرة للإعجاب. وهي نفسها لاجئة وتتحدث العربية بلكنة سورية.

بمجرد دخولها الغرفة أثناء عملية التمثيل، كان سلوكها مميزاً، وفقًا للمخرج: “كانت الفتاة خجولة، لكنها في الوقت نفسه بدت واثقة من نفسها”. مع مرور الوقت، أدرك مدى صدمة عائشة “تالا” من تجاربها مع الحرب. خلال المقابلة معها، زل لسانه ونادى بشكل طبيعي عائشة بـ “تالا“.

حالة العزلة الخانقة التي تعيشها تالا، ورغبتها البريئة في الحرية، وتوقها إلى الحياة الطبيعية، كل هذا يكاد أن يصبح ملموساً في الفيلم. ويتحقق ذلك بالأخص من خلال حضورها الآسر، ومن ناحية أخرى من خلال التفاعل مع العديد من الوسائل السينمائية الأخرى. إذ يعتمد المصور فيليب هينتسه في عمله بشكل كبير على الكاميرا المحمولة باليد، مع التذبذب وعدم الوضوح وتغيير زوايا التصوير. تم تكريمه أيضاً بجائزة الكاميرا الألمانية وجائزة مايكل بالهاوس.

بشكل عام، يتضمن الفيلم عدة مشاهد مظلمة للغاية، وهذا له علاقة بحقيقة أن المصور، فيليب هينتسه، استغنى تقريباً بشكل شبه كامل عن الإستعانة بالضوء الاصطناعي. كما أن المراحل الطويلة من الملل أو بالأحرى “الصمت”، الذي لم يمكن كذلك بسبب أصوات انفجار القنابل وطلقات البنادق أوضجيج الطائرات – تفسح المجال أمام صوت كئيب ومتوعّد في النهاية.

يقول مراد أبو عيشة، لكي يصاب الأطفال بصدمة نفسية، لا يجب أن يفقدوا عائلاتهم. حتى “الأشياء الصغيرة” ستكون كافية لذلك. مئات الآلاف من الأطفال في مناطق الحرب يفقدون طفولتهم وأحلامهم. هؤلاء الأطفال يأخذون تجاربهم معهم ويصبحون “بالغين محطمين”. إنهم “أجيال محطمة” وغالباً ما تكون غير قادرة على الخروج من “دائرة العنف“.

تالافيزيون” ليس فيلماً ترفيهياً. غير أنه جدير بالمشاهدة، إنه رحلة سينمائية حزينة وشاعرية. يمكن مشاهدته خلال فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي تقام دورته الأولى في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى