«صدفة سعيدة».. في ليلة رأس السنة
«سينماتوغراف» ـ رشا حسني
دائماً ما اتخذت الأفلام التي تتناول الإحتفال برأس السنة أهمية بالغة لدي جمهور السينما عالمياً نظراً لأهمية الحدث أو الإحتفال لدي تلك الدول وشعوبها، علي عكس ما تلاقيه هذه المناسبة في الدول العربية عموماً من تهميش وعدم اعتناء. فأقصي ما يمكننا التعبير به عن احتفالنا بالعام الجديد هو العد العكسي مع عقرب الثواني قبل منتصف ليلة 31 ديسمبر.
وفي خضم تلك الحالة والامبالاه للسواد الأعظم من الجمهور العربي تجاه تلك الليلة، تظل السينما والأفلام هي المتنفس الوحيد للإستمتاع بذلك العالم في هذه الليلة التي ليس من ثقافته بل إن هناك بعض الدول العربية تُجرم الإحتفال بها في حين أن بعضاً أخر يعتبر الإحتفال طمساً للهوية.
وفي مثل هذا الوقت من كل عام تُسارع بل وتتباري المطبوعات السينمائية المتخصصة أو الترفيهية بشكل عام بترشيح قوائم مُشاهدة تتناسب مع احتفاليات ليلة رأس السنة وتُسارع القنوات بعرض كثير من المواد الترفيهية والتي تتناسب معها. وبطبيعة الحال تتصدر الأفلام السينمائية مشهد الإحتفال لمن هم غير قادرين علي الإحتفال.
ومن أشهر الأفلام التي تحتفي بليلة رأس السنة والتي يعتبر عرضها طقساً سنوياً من كل عام في هذا التوقيت هو فيلم «صدفة سارة ـ Serendipity» والذي تم إنتاجه عام2001 من بطولة جون كيوزاك وكايت بيكنسل ومن تأليف ماك كلاين وإخراج بيتر تشيلسوم.
الترجمة اللغوية لكلمة Serendipity هي أن يأتي لك الحظ بأشياء لم تكن تبحث عنها وتسبب لك كثيراً من السعادة وهو بالضبط المغزى الذي يريد الفيلم إيصاله للمشاهدين من خلال قصة رومانسية كوميدية بسيطة عن جوناثان وسارة اللذين يلتقيان صدفه ليلة رأس السنة في إحدي السنوات ويشعران بالكثير تجاه بعضهما ولكن سارة لا تؤمن بالمصادفات ولكنها تؤمن بالقدر والمصير وهي ما أقنعت به جوناثان بأنه لو قدر لهما مصيرهما بأن يلتقيا فسوف يلتقيان دون عناء منهما وإذا لم يكن مُقدرا لهما اللقاء فلن يتلاقا حتي وإن بذلا كل ما لديهما من مجهود وحيل وافترقا علي أمل صدفة غير مقصودة منهما متمنين أن يقدمها القدر لهما لكي يجتمعا.
الفيلم بسيط وربما يصح وصفه بالخفيف أيضاً فلا معاني عميقة ولا أطروحات غامضة يصعُب استيعابها أو تصديقها ولكنه ممتع وهي صفة يتحقق الشعور بها أضعافاً مُضاعفة خاصة لو تولدت عبر الوسيط السينمائي. يحقق الفيلم للمُشاهد قدراُ يسيراُ من المتعة مقدماً له جرعة لا بأس بها من الأمل، الأمل في المستقبل والقدر الذي لا يعلمه بأن يأتي الغد حاملاً له بين جنباته أجمل مما كان يمكن أن يتوقع. فمن الممكن أن يتجسد ذلك الأمل في شريك الحياة المرغوب والذي لم يقابله بعد أو في عمل أفضل أو في إنجاز حياتي أو معيشي يحقق لصاحبه السعادة وهو بالطبع ما يوافق الروح التي يريد المشاهد أن يستقبل بها العام الجديد وكل ما سبق يمكن أن ينتج عن صدفة سارة يسخر القدر لها الحظ كي تحدث.
من عوامل الإستمتاع بمشاهدة الفيلم أنه يكثف في ذهن المشاهد طوال أحداث الفيلم بأنه هناك شخصا مميزا لكل شخص ربما لم يقابله بعد وهي من الأفكار التي قد لا يؤمن بها الكثيرون ولكنها تظل محط تفكير واهتمام من حيث إمكانية حدوثها من عدمه. وقد استطاع الكاتب تكثيف ذلك الشعور من خلال اختياره لأن تكون لقاءات جوناثان وسارة قليلة فهي فقط في بداية الفيلم وفي نهايته لمدة لا تزيد عن 25 دقيقة من زمن الفيلم وبقية أحداث الفيلم يظل الحبيبان في حالة بحث هائم عن بعضهما البعض وبالرغم من توقع المشاهد باللقاء آخراً إلا أنه يظل متشوقاً لمعرفة آلية اللقاء وملابسات حدوثه.
نجح كاتب الفيلم ماك كلاين في إستغلال أجواء ليلة رأس السنة كخلفية ومسرح لأحداث قصة الحب بين جوناثان وسارة فهي بالطبع أجواء مزدحمة صاخبة تطغي عليها الكثير من الطقوس وإن كان من الصعب إيجاد الحب والشريك المنتظر بهذا الكم من الشاعرية في الأيام العادية والمتشابهة فإنه من الأصعب العثور عليه في مثل تلك الأجواء الصاخبة وهو ما أراد به الكاتب أن يُعظم من جمال لقاء جوناثان وسارة والتأكيد علي أن الحب من الممكن أن يأتي في أي وقت وفي أي مكان غير عابئ بأي من الاعتبارات التي نعيرها نحن اهتماماً شديداً.
استخدم كلاين في الفيلم بعض الجمل التي قد يختلف البعض علي أنها تتفق مع سياق الفيلم الرومانسي الكوميدي ولكنه ومن خلال خبرته البسيطة في تلك النوعية من الأفلام قد صاغها بما يتفق مع روح الفيلم وجوه العام ومنها علي سبيل المثال: ربما غياب الإشارات يكون هو الإشارة.
استخدم المخرج بيتر تشيلسوم الألوان بهذا الفيلم استخداما جيداً حيث عبر عن تدرج العلاقة بين جوناثان وسارة من خلال الألوان. فحين اللقاء حضرت الألوان الدافئة في حين كرس لمشهد لقائهما الأخير وبينما يكسوه اللون الأبيض من خلال الثلوج ولكن دفء مشاعر المشهد نضحت علي لونه وأصبحت هي العامل الأكثر تأثيراً.