طقوس رمضان في السينما .. من التوظيف الابداعي الى الديكور الزمني
«سينماتوغراف» ـ ناجح حسن
توارت الاعمال السينمائية بعيداً عن طقوس شهر رمضان الفضيل، وادى الامر لقيام اصحاب الصالات السينمائية باختصار عروضها الى حفلات اقل، وبعضهم وجد في هذا الشهر مناسبة للقيام باعمال الصيانة اللازمة، وهناك من آثر ان يعيد عروض افلام سابقة دون المغامرة بجلب افلام جديدة، لأن هذا الشهر حسب رؤيتهم الخاصة، موسم سينمائي ساكن.
لكن هذا كله لم يعدم من وجود بعض الافلام التي تتنافس عليها قنوات التلفزيون وغالبا ما تكون من النوعية الكوميدية والافلام الخفيفة الاتية من الانتاج السينمائي المصري، لتأخذ موقعها بين زحام البرامج والمسلسلات المخصصة للعرض في هذا الشهر.
فعلى صعيد الصناعة السينمائية التي عملت على الاستفادة من طقوس العبادة في هذا الشهر، نجد ان هناك قلة من الافلام ناقشت ولامست التفاصيل الحياتية خلال رمضان والعديد من الاعمال السيمائىة اظهر الشهر وكأنه مناسبة لتحويله الى ديكور زمني او مكاني تدور فيه بعض احداث الفيلم العابرة، او بعض الاستعراضات الغنائىة لا اكثر.
ولم تبرز تلك الاعمال الاجواء الشعبية الروحانية الجميلة في ليالي شهر رمضان ووسائل الترفيه والمرح البريء للاطفال وسلوكياتهم بالغناء والاناشيد والملابس، او حمل الفوانيس التي عرفت بها الحارة المصرية او الشامية تحديداً، وهناك ايضا، تلك التعابير السينمائية المغيبة عن الغوص في المجاميع البشرية المنتشرة عقب الافطار وقبيل فترة السحور، او اثناء قضاء وقتهم في المقاهي والباحات والعادات الكثيرة المتزامنة مع شهر رمضان.
وفي مسح كمي للافلام التي حاكت طقوس شهر رمضان على الشاشة البيضاء، يتبين لنا ان القائمة صغيرة، وتشتمل على افلام مثل «العزيمة» لكمال سليم، و«في بيتنا رجل» لبركات، و«اضراب الشحاتين» لحسن الامام و«ضربة معلم» لعاطف الطيب، و«الشيخ حسن» لحسين صدقي، و«الفانوس السحري» لفطين عبدالوهاب، اضافة الى الفيلم المغربي «الف شهر وشهر» لفوزي بنسعيدي والذي يكاد يكون احد افضل الافلام العربية على الاطلاق التي اقتربت من روح هذا الشهر المبارك، حيث استمد من عنوان الفيلم «ليلة القدر خير من الف شهر» وناقش فيه قضية سياسية واجتماعية واقتصادية لعائلة مغربية يقضي عائلها فترة السجن لممارساته السياسية، وتعمل زوجته على اخفاء اسباب غياب الزوج عن طفلهما الصغير الذي بدأ يباشر دراسته الابتدائية، وتعلمه بأن والده مسافر، ويضع المخرج اطاراً لاحداثه من خلال ابراز طقوس رمضانية عندما يتجمع الاهالي في القرية لاستقبال اول ايام الصوم وانتظارهم لهلال رمضان في سماء القرية، وتتالى مشاهد المعاينة اليومية للشهر لدى شخصيات الحارة متباينة المواقف والافكار والمحملة بألوان الصبر والعذاب والقسوة، ولحظات التعاطف والمساندة والحب.
اما في فيلم «العزيمة» فإن هناك مشهداً عابراً، يؤكد على نمو العلاقة بين الجارين محمد وفاطمة وتدور احداثه ذات ليلة رمضانية، ونحن لا نرى من هذه الليلة الا بما يؤكد وجود رمز يدل على اننا في رمضان، فاذا كان الفانوس هو رمز رمضاني، فإن المسحراتي هو الدليل على وجود رمضان في واحد من مشاهد الفيلم حيث يصعد محمد وفاطمة الى سطح المنزل حتى سماع دقات طبلة المسحراتي في تشكيل فني بديع لاضواء نوافذ الحارة وهي تشرع في الاضاءة بالتتالي.
ومن المواقف الآسرة لاجواء الشهر الفضيل في الاعمال السينمائية العربية، يبدو فيلم «في بيتنا رجل» الذي رسم احداثه المؤلف والمخرج لتدور في شهر رمضان وليجعل منه فاتحة لاحداث الفيلم، فالطالب الثوري ابراهيم يقوم باغتيال احد المسؤولين السياسيين لتعاونه مع سلطات الاحتلال البريطاني حيث يهرب الى المدينة خلال شهر رمضان ويصبح الهروب سهلاً في شوارع المدينة لحظة الافطار، حيث تبدو الازقة والحواري خالية من عساكر الشرطة، ويمكن للبطل ان يتحرك بخفة دون ان يلاحقه احد، او يكتشف حقيقته، ثم يدلف الى بيت احد زملائه غير الحميمين في علاقاته به، ويطرق باب شقة زميله في لحظة تكون الاسرة باكملها جالسة حول مائدة الافطار في واحد من المشاهد الصميمة في السينما المصرية واكثرها صنعة واتقاناً.
لقد عملت السينما العربية على تغييب طقوس شهر رمضان في تفاصيل العلاقات بين البشر رغم ما تحتمله اجواؤه من تفاصيل وتحولات رئىسية على الصعيد الانساني والابداعي اتجاه الافراد والجماعات، ولكنها اثرت ان تتعامل مع الشهر باعتباره مجرد ديكور لاحداث دون سبب ظاهر، كما جرى بفيلم «ضربة معلم» عندما يرى المشاهد ثلاثة من شخصيات الفيلم يركبون سيارة مسرعة عقب اطلاق مدفع الافطار مباشرة تلافياً لزحمة المرور كحل اخراجي اراده المخرج لتمرير مشهد لجريمة قتل عندما يضبط احدهم والدته في احضان صديقه ويقوم بقتل العشيق.