أفلام وثائقيةالمهرجاناتالمهرجانات العربيةسينما أمريكيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

عبر عدسات سوداء.. بعد إنساني في التواصل بين الأجيال

ضمن عروض المسابقة الدولية لـ”القاهرة السينمائي”
“عبر عدسات سوداء”.. بعد إنساني في التواصل بين الأجيال
محاولة سلمية استخدمها السود لتبييض صورتهم أمام الرأي العام
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
انطلقت أولى عروض المسابقة الدولية لـ “القاهرة السينمائي” أمس في المسرح الكبير من خلال الفيلم الوثائقي الأميركي (عبر عدسات سوداء) للمخرج توماس آلان هاريس، والذي نال ثلاثة جوائز أميركية من مهرجان الفيلم الأفريقي و سانتا باربرا و لوس أنجلوس.
 
يحكي الفيلم في قرابة 90 دقيقة عن التصوير الفوتوغرافي عموما، ووجهات النظر الشخصية للمصورين المحترفين في التصوير وأهم التجارب التي خاضوها في حياتهم كمصورين والدوافع التي قادتهم للعمل أو لممارسة التصوير الفوتوغرافي على الوجه الخاص.
 
تبدأ الحكايات والمغامرات في أحوال كثيرة من خلال محفز رئيسي يعتبر الأهم بالنسبة لأي فنان، وله الأولوية دائما، وهو التراث الإنساني لتجارب أحد أعضاء العائلة القدامى أي القدوة.
 
كانت البطولة في الفيلم لمسألة التواصل بين الأجيال، للمصورين الذين يعرض الفيلم تجاربهم واستيعابهم لتراث عائلاتهم ومحاولاتهم الحثيثة لتقديمه للعالم بصورة ذاتية تعكس تجارب الصغار في الحياة.
 
فالتصوير الفوتوغرافي هو فنيّا اقتطاع جزء مقيد بالزمان والمكان وتسهيل انتقال تلك الأجزاء زمانيا ومكانيا بلا حدود، وهو أيضا عملية أنضج من فكرة المرآة ورؤية انعكاس الذات، لأن التصوير الفوتوغرافي لا يقوم بعمل المرآة التي تستعيض نقص الذات، بل أن التصوير الفوتوغرافي هو اكتشاف للذات، سواء لذات الموضوع سواء كان شخصا أو مكانا أو لذات المصور الذي يحاول أن يتعرف على العالم من خلال عينيه وماذا ترى وماذا تخفي تلك الصورة.
 
والموضوع الرئيسي في الفيلم هو عن ذلك التعريف الفني، ولكن بإضافة بعد انساني آخر له، و بما أن التصوير الفوتوغرافي هو نقل الزمان والمكان لزمان ومكان آخر فإنه بالضرورة ينقل خبرات وتجارب البحث عن الذات التي قام بها المصورون الأوائل في العائلات التي يحكي عنها الفيلم، وتحويل تلك التجارب إلى مصدر إلهام متجدد.
 
كان ذوي البشرة السمراء يعانون في القرن الثامن عشر من نظام العبودية الأميركي ومن تبعاته أيضا حينما تم الغاؤه، وكانت إحدى الممنوعات في تلك الفترة على السود هي النظر مباشرة في أعين سيدهم، وسبب ذلك حافز رئيسي لأحد المصورين بأن يلتقط صوراً لأحد العائلة السوداء تنظر فيها مباشرة إلى الكاميرا، متحديا طقسا مذلا ومهينا، كان يمارسه الملونين كما يذكرهم الفيلم على ذوي البشرة السوداء، فكانت الكاميرا في تلك الأثناء هي إحدى وسائل المقاومة السلمية للعنف والإذلال الذي يعيشه السود.
 
وأيضا من ضمن وسائل المقاومة التي يذكرها الفيلم، هي التي قام بها أحد المصورين بعمل ألبوم للصور له سنويا، ويعد من أكثر الألبومات التي تحوي عددا للصور في المطلق، محققا رقما قياسيا بالنسبة للمصورين في العموم، محققا انتشارا للمصورين السود، ومحققا تواجد أيضا على الساحة المجتمعية لكي يدعم رفاق بشرته في قضيتهم ضد العبودية، وحقق بعض النجاح والذي جاء بأثرياء الملونين للتصوير عنده، والذي أثر في أحفاده والأجيال المتعاقبة من عائلته وألهمهم في للعمل في التصوير الفوتوغرافي.
 
 
حكايات كثيرة أخرى يعرضها الفيلم، عن قيمة الصورة الفوتوغرافية بالنسبة للإنسان، سواء القيمة المعنوية والتي من خلالها تنبش في الذكريات مخرجة منها العبر أو الإلهام أو حتى القيمة المادية كما جاء على لسان أحد أبطال قصص الفيلم (أبيع الصور لأعين الأصل).
 
ويعرض الفيلم أيضا نبذة عن وسائل التواصل بين ذوي البشرة السمراء في تلك الحقبة التي بدأت تظهر فيها الكاميرات الفوتوغرافية، وأنه من المألوف جدا والتقاليدي بين العائلات بأن تتواصل فيما بينها بدلا من الرسائل البريدية، تتواصل بالصور الفوتوغرافية والكتابة على ظهر الصورة، وأنه أصبح تقليد شائع جدا بين العديد من العائلات السوداء.
 
ثم ينتقل الفيلم من الحديث عن التصوير الفوتوغرافي العادي، إلى التصوير الفوتوغرافي الحديث واستخدام التشكيل والتكوين لبناء محتوى درامي يعبر عن مسألة وجودية للمصور صاحب العمل، ويعرض تجارب وصور فوتوغرافية كثيرة عن تلك المواضيع، وأثر الإرث العائلي في نشأتها أصلا، وأثر الأجداد المصورين الذين ألهمت أعمالهم أحفادهم.
 
الفيلم هو محاولة جميلة وجادة وسلسلة جدا لعرض تاريخ إحدى وسائل المقاومة السلمية التي استخدمها السود لتبييض صورتهم أمام الرأي العام، بعد الحملات التي شنتها الصحف والأفلام السينمائية كفيلم دي دبليو جريفيث (مولد أمة) والذي ظهر السود فيه أغبياء إلي حد السخافة، واعلانات أخرى كانت تظهرهم في مظهر القتلة والسارقين.
 
المميز والذي جعل الفيلم يسير صوب هدفه مباشرة، أي تفاعل الجمهور معه، هو اتساق الموضوع العام للفيلم بالأسلوب الاخراجي، فالصور الفوتوغرافية التي كان يعرضها الفيلم، موضوعها الرئيسي هو الإنسان، والموضوع الأخص فيها هو ملامح الإنسان في تلك الصور، فجاءت اللقطات الأكثر كثافة وتواجد هي القريبة جدا، لكي تظهر قيمة الملامح، و لكي يضيف حيوية إلى تلك الصور الثابتة، كان يستخدم المخرج التقريب البطئ، كما ساهمت الموسيقى على الرغم من تنوعها الشديد في تسارع إيقاع الفيلم والحفاظ على حيويته، بالرغم من تنوعها الشديد سواء في الآلات أو الألحان، وذلك اتساق أصلا مع موضوع الفيلم، والذي نظّمته جيّدا رؤية المخرج ووفقت كل عناصر الفيلم لكي تخرجه متماسكا، وجميلا، ويستحق المشاهدة الثانية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى