بلاتوهات

علاقة السينما العربية بطفرة التكنولوجيا محور جلسة حوارية في لبنان

بيروت ـ «سينماتوغراف»

في سياق “ملتقى مينا: محطات لقاء وعبور فنية” 2021، والذي يواكب برمجة “اتجاهات” في الذكرى العاشرة لتأسيسها، نظّمت المؤسّسة بالشراكة مع “المورد الثقافي” جلسة حوارية في بيروت، تُعالج موضوع الصورة السينمائية في المنطقة العربية خلال عشر سنوات، وتطرح أسئلة عن التجارب والنماذج الجمالية المتنوّعة التي قدّمتها.

وأتت الجلسة قبل أيام من برمجة منصة “أفلامنا” التابعة لـ”بيروت دي سي” مجموعة أفلام تسجيلية وروائية حاصلة على دعم “المورد الثقافي” المزمع انعقادها أواسط شهر أكتوبر الجاري. وطرحت الجلسة التي أدارتها فرح فايد من “بيروت دي سي” العديد من الأسئلة حول التأثيرات الأساسية التي كوّنت الصورة السينمائية الجديدة، منها: هل تأثّرت اللغة البصرية في المنطقة العربية بالطفرات التقنية؟ أو أن تأثير التطوّر اقتصر على خرق الركود القائم من نواحي التوزيع والعرض؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، تطرّقت الناقدة السينمائية التونسية إنصاف ماشطة في حديثها عن العديد من التجارب السينمائية في السنوات العشر الماضية، من بينها فيلم المخرج السوري زياد كلثوم “الرقيب خالد”.

الجلسة التي أدارتها فرح فايد من “بيروت دي سي” طرحت العديد من الأسئلة حول التأثيرات الأساسية التي كوّنت الصورة السينمائية الجديدة

وتقول ماشطة “يشكّل هذا الفيلم تكثيفاً للتناقض الذي تعيشه السينما الجديدة بين نمطين جماليين، واحد يستكين لأسلوب تقليدي من الإنتاج السينمائي وآخر يجد نفسه مجبرا على استخدام وسائط جديدة كالموبايل لأداء الوظيفة التي تعجز الكاميرا التقليدية عن تحقيقها”.

وينقسم تصوير “الرقيب خالد” بين مكانين/ فضاءين بصريين: الأول هو موقع تصوير فيلم محمد ملص “سلم إلى دمشق” الذي يعمل فيه كلثوم كمساعد مخرج، والثاني هو مكان تأدية كلثوم خدمته الإلزامية في الأبنية الحكومية والعسكرية التابعة للجيش السوري.

وما يثير اهتمام ماشطة في هذا الفيلم تحديدا، أنه يظهر قدرة التقنيات الجديدة على تجريد المخرج من سلطته على المادة المرئية. مستدلة في ذلك على الجزء المصوّر بالموبايل، حيث تظهر الأقدام فقط والأحذية والبدلات العسكرية وليس الشخصيات، بينما لا يتاح تصوير الفضاء المكاني الموجود فيه المخرج سوى في مناسبات قليلة، ما يبدو تجريدا لسلطته على الصورة المرئية. أما في القسم المصوّر بالكاميرا، فيظهر فيه قدرة المخرج على امتلاك أدوات “السلطة السينمائية”، التي تتحكّم بشكل كامل بالحقل المرئي.

وتضيف “طبعا يلعب الإذن الرسمي بالتصوير الذي تحصّل عليه محمد ملص دورا في توفير المناخ المناسب لهذه السيطرة المرئية، وهو الظرف الذي يستغله زياد كلثوم لتصوير مدينة مسكونة بالحرب والموت”.

قرصنة الأفلام مثّلت شكلا من التمرّد على السلطة في السودان قرصنة الأفلام مثّلت شكلا من التمرّد على السلطة في السودان

ويرى السينارسيت والمخرج المصري شريف زهيري، صاحب فيلم “ريش” الفائز بالجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي في الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، أن هذه التقنيات الجديدة رغم أهميتها لم تكن قادرة على خلق لغة سينمائية جديدة، فالإبداع الإنساني دائما يمتلك اليد العليا بمواجهة التكنولوجيا، وبإمكانه تطويعها ضمن القوالب الذهنية المعروفة.

ويؤكّد المخرج المصري أن الميزانية مرتبطة بشكل وثيق أيضا بالتقنيات، ما يحدّد بالتالي الخيارات الجمالية للمخرجين. ويوضّح “في السابق لم يكن متاحا لشخص مثلي أن يخرج فيلما بسبب التكلفة المرتفعة. أما اليوم، فقد تغيّر هذا الواقع، لكن يبقى للميزانية تأثير كبير على الجماليات والمثال الأوضح فيلم الرحلات “7 سنوات في دلتا النيل” الذي أنتجته دون دعم، وامتلك الفيلم هوية بصرية فريدة، فرضها عدم امتلاكي كاميرا شخصية. فقد كان عليّ عند كل رحلة استعارة كاميرا من أحد أصدقائي، وهو ما فرض على الفيلم هوية محدّدة”.

وكما الزهيري، يقلّل الكاتب السوداني حسام هلالي من قدرة التقنيات الجديدة التأثير على اللغة السينمائية المكرّسة، قائلا “بالرغم من فتح التكنولوجيا المجال أمام المتلقي للمشاركة في إنتاج الصورة أو حتى خلق صورة بديلة، لكن هذه الصورة الجديدة أظهرت فعاليتها كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية وليس عن السينما.. فالأخيرة دائما ما تتمكّن من تطويع التقنيات لصالحها”.

ويضيف هلالي “هذا النقاش حول التقنيات يستمرّ من جيل إلى آخر. بعد عام 2000 رفض الرعيل الأول من المخرجين السودانيين الذين درسوا السينما في الاتحاد السوفييتي وأوروبا، سينما الديجيتال لأنها لم تكن سينما حقيقية بالنسبة لهم. نظرة هؤلاء للسينما لم تكن محصورة في الصورة فقط، بل بأدوات الإنتاج من تحميض الأفلام إلى أساليب المونتاج وغيرها..”.

ويوضّح “لذلك رأى هؤلاء أن السينما الجديدة لم تكن سينما حقيقية بل مجرد فيديو آرت. طبعا، أتفهّم ذلك، فهؤلاء أنفقوا سنوات طويلة من حياتهم في الدراسة والتدريب، وحين تخرّجوا وحاولوا إخراج أفلام كان عليهم اللجوء إلى الدولة حصرا للحصول على تمويل، قبل أن يأتي الانقلاب، فجأة، ويجعل الأفلام محرّمة. في النهاية يأتي بعض الأولاد بكاميرا وكمبيوتر لينتجوا فيلما بدعم من مؤسّسات غير حكومية. كان ذلك شيئا مجحفا وغير عادل من وجهة مخرجي الرعيل الأول”.

ومن ناحية أخرى، يرى الكاتب السوداني أن “أحد أهم إيجابيات التطوّر التكنولوجي هي الثورة التي حصلت في مجال التوزيع التي أتاحت الأفلام لفئات جديدة، بعد أن كانت محصورة سابقا بجمهور المهرجانات”.

وهو يعتقد أن قرصنة الأفلام أيضا شكّلت نوعا من التمرّد على علاقات السلطة في المجال السينمائي، قائلا “دائما ما أسمع تعليقات من سودانيين عن الأفلام الجديدة التي شاهدها الجميع باستثناء الأشخاص الذين تتحدّث عنهم أو تمثلّهم، لذلك حيث عرض ‘ستموت في العشرين’ عبر إحدى المنصات، تمّت قرصنته بعد وقت قصير عبر فيسبوك وتمكنّ الجميع من مشاهدته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى