«عيار ناري».. الحقيقة ليست كل شيء
الجونة ـ انتصار دردير
ما هي الحقيقة؟، هل هي الشيء الذي يتفق عليه الناس؟، وماذا لو اتفقوا على غير الحقيقة؟، هل نسايرهم أم نتصدى لأكاذيبهم ونواجههم بالحقيقة مهما تسببت في إيذاء آخرين؟
هذه التساؤلات وغيرها يطرحها فيلم «عيار ناري» الذي جاء عرضه العالمي الأول بمهرجان الجونة السينمائي (خارج المسابقة)، وقد قوبل «بكثير من الهجوم اعتراضاً على محتواه ليعيد الجدل حول ثورة يناير 2011 الذي يتجدد مع كل فيلم يتعرض لها من قريب أو بعيد».
يتعرض الفيلم لأحداث «لاظوغلي» وهي المنطقة القريبة من مبني وزارة الداخلية بالقاهرة التي شهدت اشتباكات حولها خلال ثورة يناير 2011.
بطل الأزمة شاب يدعي علاء أبو زيد (يؤدي دوره الفنان الشاب أحمد مالك) الذي يظهر كجثة في أغلب المشاهد خارج وداخل المشرحة، فيما عدا مشهد طويل يواجه فيه أمه وشقيقه وهو المشهد الذي يكشف لنا في النهاية لغز اغتياله، وهل تم بقناصة الداخلية خلال أحداث لاظوغلي أم ورائه أيادي أخري، وهل هو شهيد أم بلطجي ركب موجة الثورة.
يلعب أحمد الفيشاوي واحداً من أنضج أدواره مجسداً شخصية الطبيب الشرعي د. ياسين المانسترلي، وهي تبدو انعزالية عن الجميع تحمل أزمة صاحبها فهو السكير الذي لا تفارق زجاجة الخمر جيبه ويضع بعضاً منها في ثلاجة المشرحة، مما يثير فضول الجميع بانعزاله عن الناس وأسرته ووالده الطبيب والوزير السابق الذي خرج من الوزارة بفضيحة، فيبتعد عن أبيه ويتجنب زيارته في المستشفى إلا بعد إلحاح من شقيقته (تؤدي دورها هنا شيحة)، وكما يقول لها في أحد حواراته «اخترت اتعامل مع الميتين عشان محدش فيهم هيسألني أنت ابن الوزير».
التقرير الذي كتبه د. ياسين بعد تشريح جثة علاء أبو زيد يثير عليه أسرة الشهيد والصحافة ومديرة الطب الشرعي، حيث يتهمه الجميع بالتواطؤ مع الداخلية لتأكيده على أن الشهيد قُتل من مسافة قريبة مما ينفي التهمة عن قناصة الداخلية.
يقدم الفيلم نموذجاً إيجابياً للصحافة (ربما لأن مؤلفه هيثم دبور صحفياً بالأساس)، وقدم العام الماضي في مهرجان الجونة أوراق اعتماده كمؤلف بفيلم «فوتو كوبي»، ويعود هذا العام بفيلمين «عيار ناري» وفيلم أخر قصير داخل المسابقة «ما تعلاش علي الحاجب».
يعيد المخرج الشاب كريم الشناوي في أولي تجاربه مع السينما الطويلة، اكتشاف أبطاله فيقدمهم بأداء يرتفع بهم إلى مناطق جديدة، مثل روبي وهي تلعب شخصية الصحفية التي تجري وراء الحقيقة مهما واجهت من متاعب أو أزمات سواء مع مصادرها أو مسئولي الصحيفة، وهي في البداية والنهاية التي تطرح التساؤلات حول مفهوم الحقيقة التي تبحث عنها وتصر عليها كصحفية لكنها تجد نفسها في النهاية تتبني موقف الطبيب.
كما أدت الممثلة عارفة عبد الرسول دور الأم المكلومة التي تعرف أكثر مما تظهر بأداء صادق شديد الإقناع.
تلعب الموسيقي التصويرية دوراً حيوياً في الفيلم، وتعلن عن وجودها في عديد من المشاهد والتي وضعها أمين أبو حافة، كما ينجح المونتاج في الحفاظ على إيقاع الفيلم من البداية للنهاية بتلك المشاهد المتلاحقة في لهاث لا يحتمل أي تباطؤ.
تتوالى الاتهامات علي رأس الطبيب ويشكك الجميع في سلامة موقفه سواء أسرة الشهيد أو الصحفية أو مديرة المشرحة التي تصدر تقريراً آخر تؤكد أن إطلاق النار تم من مكان بعيد، مستغلين كونه سكير ويتم وقفه عن العمل وتحويله للتحقيق.
ومع ثقته لسلامة تقريره وسعيه مع الصحفية لإثبات الحقيقة يسجل تقريره بأن الرصاصة قد أُطلقت من مسافة بعيدة، ليحمي أسرة القتيل من فضيحة أخلاقية
وتتضامن معه الصحفية في ذلك.
وكان «عيار ناري» قد رشح للمسابقة الرسمية بالجونة لكن إدارة المهرجان تحفظت على ذلك باعتبار أن منتجه هو مؤسس المهرجان رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي رأي ضرورة الابتعاد بالفيلم عن شبهة المجاملات.