المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينما فلسطينيةسينمانامراجعات فيلميةمهرجان القاهرةمهرجاناتنقد

عيون الحرامية.. التقليدية ترتدى قناعا

“عيون الحرامية” .. التقليدية ترتدى قناعا
سينماتوغراف” ـ أمجد جمال
 
بقدر ما يكون الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى مصدراً قوياً لإلهام المُبدعين وصُناع الأفلام الفلسطينية بمواضيع وقصص إنسانية رائعة، بقدر ما يصبح أحياناً أو كثيراً نقمة على هؤلاء المبدعين ونكبة توقعهم فى فخاخ التنميط والتكرار والاستسهال، ذلك يحدث عندما يستمد الفيلم قوته من قوة القضية التى دائماً ما يناقشها، وما يمثله ذلك من مشكلة هو أن القضية تحل محل الفكرة، وبما أن القضية لا تتطلب جهداً كبيراً من عقل المُبدع لإدراكها فهذا يعنى أن الفكرة نفسها ستكون فقيرة بجانب أنها تفتقد للصفة الأهم لجعل أى فكرة قوية .. وهى صفة الأصالة.
 
شاب فلسطينى ينفذ عملية إغتيال لعدد من الجنود الإسرائيليين ليتم إعتقاله ويقضى عشر سنوات فى السجن ثم يخرج فى رحلة للبحث عن زوجته وإبنته، القصة بتفاصيلها لا تقدم ما هو جديد على السينما الفلسطينية فى أى شىء سوى فى طريقة السرد المتنقلة بين الأزمنة، أى تقسيم الفيلم إلى شطرين يمثل كل منهما جزئاً من حياة البطل فى فترة ما، ذلك ما إعتمدت عليه المخرجة وكاتبة السيناريو “نجوى النجار” للهروب من فخ نمطية القصة التى تقدمها، ولكن حتى هذا الأسلوب تم تقديمه بشكل باهت كلية لأنه بإختصار يفتقد لأى جدوى صُنع من أجلها، مثل أن يقدم مقارنة بين الشطرين بها لمحة طريفة أو مفارقة، أو أن يصل الشطرين إلى نقطة تلاقى تُحدث نوع من الذروة أو المفاجأة، مثلما حدث فى الفيلم الكندى اللبنانى “حرائق” على سبيل المثال، لكن سيناريو “عيون الحرامية” قد أخفق فى تلك النقطة وظهر أنه يستخدم ذلك الأسلوب فقط للتحايل على الملل الذى قد ينتج من تقديم القصة بشكلها الخطّى.
 
 
أخفق السيناريو أيضاً فى تحديد هدف البطل بشكل أكثر صرامة فى الشطر الأحدث زمنياً، فإنجرفت رحلته إلى مسلك من الفوضى الدرامية والتشتيت الناتج عن تخمة الصراعات، فالمتفرج حتى النهاية ليس واثقاً اذا كان البطل يسعى وراء حبيبته الجديدة “ليلا”، أم يريد إقامة علاقة أبوّة مع الطفلة، أم يصارع ذلك الرأسمالى الفاسد المستغل لشعبه، أم يكافح الإحتلال الإسرائيلى، أم يريد أن يكسب ود أهل الحى، أم ماذا، لا يوجد سبب يجعل المتفرج يتوحّد مع بطل لا يدرى ماذا يريد ولا يفعل سوى الصواب والبطولى والرائع، لقد أرادت نجوى النجار من خلال ذلك الشطر أن تتحدث عن الحب والأسرة والظلم والعدل والتضحية والخير والشر والتمرد، أرادت أن يكون لها موقف من السياسة والإقتصاد والأخلاق والفلسفة، لقد أرادت أن تقول كل شىء فجاءت النتيجة عكسية بأنها لم تقل شيئاً!
 
أما عن الشطر الأقدم زمنياً فقد سارت المخرجة على خطى هانى أبو أسعد فى فيلم “عمر”، عندما لم تقدم سبباً وجيهاً يجعل من بطلها مشاركاً فى المقاومة المسلحة، إنه التنميط، والرد بأن المقاومة هى رد الفعل على الإحتلال سيصنف كرد سياسى أكثر من كونه رد فنى متعلق بدراسة حقيقية للشخصية تم التدليل عليها درامياً.
 
أحد مشاهد الذروة بالفيلم وهو مشهد العُرس الشعبى لـ”أبو أنس” و”ليلا”، حيث يتم إفساده بواسطة “طارق” بعد أن يقوم بفضح الأعمال المشبوهة لأبو أنس أمام أهل الحى ليصل المشهد إلى مونولج عبثى يلقيه أبو أنس محاولاً الدفاع عن نفسه، وقد كانت مشكلته أنه يخلط بين الجاد والكاريكاتورى، ليس فقط بسبب رد فعل أهل الحى على هذا المونولج وهم ينسحبون بإنتظام مريب لم يقل استعراضية عن المونولج نفسه، لكن أيضاً لما تبعه من رد فعل مماثل من “ليلا” وصديقاتها اللاتى لم يحضرن لحظة فضح أبو أنس من الأصل، فما الذى يجعلهم ينسحبون وبنفس الطريقة؟!
 
أفضل ما بالفيلم هو بعض اللحظات التى إتسمت بالحميمية المفرطة، كمشهد سير البطل بدراجته البخارية مع الطفلين، ومشهد تضميد الجراح بين “طارق” و”ليلا”، والمشهد الذى جمع البطل بالطفلة وهو يعلمها لعبة “البلياردو”، كما أجادت صانعة العمل فى إهتمامها بالشق الجمالى وساعدتها فى ذلك المناظر الطبيعية نفسها التى ألهبتها لمسات الجيتار والعود المهيبة لتامر كروان فى أحيان، وأغانى “سعاد ماسى” فى أحيان أخرى، وهناك بعض التفاصيل فى صالح النجار كمخرجة مثل إنتشار الكادرات الضيقة بالفيلم كتعبير عن الحصار السياسى والعسكرى للمكان الذى تدور به الأحداث.
 
قدّم خالد أبو النجا أداءً لا بأس به، أما سعاد ماسى فقد جاهدت من أجل وضع إنفعالاتها فى إطار إحترافى وفشلت، لكن الأفضل بين الممثلين كان الممثل السورى “سهيل حداد” الذى أدى دور أبو أنس. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى