غداً: انطلاق «كان السينمائي الـ71» تحت شعار «عام التغيير»
خاص ـ «سينماتوغراف»
قبل بدء مهرجان «كان» السينمائي الذي تنطلق فعالياته غداً خلال الفترة من (8 ـ إلى 19 مايو/ أيار 2018)، تشكلت ملامح دورته الـ 71 التي ترفع شعار عام التغيير، والتي حتماً ستكون مثيرة للجدل عربياً، وطارحة للعديد من التساؤلات عن قرار تنظيم مهرجان دبي السينمائي بصفة دورية كل عامين، وتأجيل دورته الـ15 هذا العام وعقدها في 2019، بالإضافة إلى الاحتفاء بالخطوة التاريخية لعودة تشغيل صالات السينما في السعودية، بعد حظر دام أكثر من 35 عاماً، وما واكب ذلك من التواجد بجناح سعودي للمرة الأولى في سوق «كان» وعرض 9 أفلام قصيرة لمخرجين سعوديين، والأهم هو بلاشك مشاركة 5 أفلام عربية في خطوة تعتبر الأولي بتاريخ المهرجان، اثنان بالمسابقة الرسمية، واثنان آخران بمسابقة «نظرة ما»، وفيلم ضمن «أسبوع نقاد كان».
تضمنت المسابقة الرسمية للمهرجان، والتي كشفت عنها إدارة «كان السينمائي» عن 18 فيلماً سينمائياً من مختلف أنحاء العالم، وكانت المفاجأة مشاركة الفيلم المصري «يوم الدين» للمخرج أبوبكر شوقي، وهي المرة الأولي التي تشارك بها مصر بالمسابقة الرسمية منذ 6 سنوات، وتدور أحداثه حول رجل مصاب بالجزام يرحل من مستعمرة الجزام في أبو زعبل للعودة لأسرته في أحد أقاليم مصر ويمر بأكثر من محافظة، ويشاركه الرحلة حمار وطفل يتيم، كما شهدت أيضاً مشاركة لبنانية بفيلم «كفر ناحوم» للمخرجة نادين لبكي، ويتناول حكاية منطقة عربية تعصف بها أزمات ومشاكل سياسية واجتماعية طاحنة، لكن هناك طفل يعيش بإحدى قرى المنطقة، يرفض الاستسلام لهذا الواقع ويقرر التمرد على نمط الحياة ويقرر رفع دعوى قضائية للضغط على الحكومة ومجتمعه بشكل عام لتنفيذ مطالبه، ومعروف أن «كفر ناحوم» هو اسم لقرية فلسطينية محتلة تقع على ساحل بحرية طبرية وتضم العديد من الآثار المسيحية التاريخية المقدسة.
وفي مسابقة «نظر ما» والتي تُعد ثاني أكبر اقسام المهرجان بعد المسابقة الرسمية، تشارك المغرب بفيلم «صوفيا» للمخرجة مريم بن مبارك، وفيلم «قماشتي المفضلة» للمخرجة السورية جايا جيجي.
كما اختارت لجنة مهرجان «كان»، فيلم «يوم الزفاف» للمخرج الجزائري إلياس بلقادر، للمشاركة في برنامج «أسبوع النقاد».
وفي خطوة تحمل مدلولات سياسية كبيرة، أعلن المدير الفني للمهرجان تييري فريمو أن السلطات الفرنسية تعتزم أن تطلب من طهران السماح للمخرج جعفر بناهي بمغادرة إيران لتقديم فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية «ثلاثة وجوه». ويمنع بناهي من السفر أو التصوير في بلده. وقد اعتقلته السلطات في سجن إيوين عندما دعي للانضمام إلى لجنة تحكيم مهرجان كان سنة 2010.
ووجهت الدعوة عينها إلى المخرج المسرحي والسينمائي الروسي كيريل سيريبرينيكوف الخاضع للإقامة الجبرية في موسكو منذ الصيف الماضي إثر اتهامه باختلاس أموال عامة. وأشاد منتج فيلمه الأخير «ليتو ـ الصيف» باختيار هذا العمل للمشاركة في المسابقة الرسمية، واصفا القرار بأنه (نصر للسينما الروسية).
وهكذا تكتسي دورة العام 2018 من «كان السينمائي» صبغة سياسية قوية، مع دعوات موجهة إلى المخرجين المعارضين وعرض أفلام تتناول أخبار الساعة وشخصيات بارزة مثل نيلسون مانديلا الذي يتم الاحتفاء هذه السنة بذكرى مئة عام على ميلاده، فيما يقدّم كبير السينمائيين الألمان فيم فندرز عملاً وثائقياً عن البابا فرنسيس خارج إطار المسابقة الفرنسية، ليؤكد المهرجان من خلال اختياراته بأنه سيمثل صوتاً لكل من يواجه قمعاً سياسياً، وأن أي فيلم جدير بالمشاركة ومخرجه يواجه مشكلات في بلده سيمثّل الملتقى السينمائي الدولي فرصة لتسليط الضوء على وضعه وعمله.
اختيارات جرئية
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل أسابيع بالعاصمة الفرنسية باريس، تم الإعلان عن كافة الأفلام المشاركة في المسابقات المختلفة، وذلك بحضور رئيس المهرجان بيير ليسكور، والجانب المشرق فى اختيار الأعمال السينمائية المشاركة خاصة المسابقة الرئيسية يتميز بالحيوية والجرأة، وقد تصدرتها السينما الآسيوية بواقع 4 أفلام، أبرزها مشاركة فيلم «Ash Is Purest White» للمخرج الصينى تشانغ كه جيا، والذى سبق أن ترشح 5 مرات لجائزة السعفة الذهبية ونالها مرة وحيدة عام 2013 كأفضل سيناريو عن فيلم «Tian zhu ding»، بجانب مشاركة اليابان بفيلمين أبرزهما فيلم الدراما العائلية «Shoplifters» للمخرج هيروكازو كوريدا، الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 2013 عن فيلم «Soshite chichi ni naru» بجانب ترشحه 4 مرات للسعفة الذهبية.
وتبدو السينما الأمريكية ضعيفة الحضور كالعادة خلال السنوات الأخيرة بالمهرجانات الأوروبية، وهو ما يثير العديد من الأسئلة حول تراجع دورها وابتعادها كثيرًا عن كل ما يخص الجانب الإنساني، وتركيز الاهتمام فقط على كيفية جنى الأرباح بمحتوى تقني وسطحي؛ المخرج الشهير سبايك لى حاول إنقاذ الموقف بعدما اختير فيلمه «Black Klansman» للمشاركة بالمسابقة الرسمية للمهرجان، وتدور أحداثه حول السيرة الذاتية لضابط الشرطة الأمريكى ذى الأصول الأفريقية «رون ستالورث»، والذى ينجح فى التسلل والدخول وسط حزب «كو كلوكس كلان» المتطرف ويصبح رئيسًا للفصل المحلى عام 1978، وكان قد ترشح لجائزتى السعفة الذهبية عامى 1989 و1991، وفاز بجائزة جائزة التحكيم الكبرى بنفس السنة عن فيلم «Jungle Fever»، كما يُشارك أيضاً فيلم «Under the Silver Lake» للمخرج ديفيد روبرت ميتشيل، الذى رُشح قبل عامين لجائزة الكاميرا الذهبية بكان، بمشاركة النجم أندرو جارفيلد فى بطولة الفيلم.
كما أثارت مشاركة المخرج الفرنسى الشهير جان لوك جودار، استحسان الكثير، والذى يُعد أحد رواد السينما الفرنسية والعالمية، بفيلم «The Image Book»، بعد غياب دام لمدة 4 سنوات منذ أن قدم فيلم «Goodbye to Language» عام 2014، وترشح وقتها لجائزة السعفة الذهبية وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى مشاركة المخرج الفرنسى الشاب كريستوف أونوريه بفيلم «Sorry Angel»، والمخرج ستيفن بريزى بفيلم «At War».
وبعد غياب 3 أعوام عن مشاركته بمهرجان كان السينمائى يعود المخرج الإيطالى ماتيو جارو لفعاليات المسابقة الرسمية بفيلم «Dogman»، بجانب مواطنته المخرجة أليس روشار بفيلم «Happy as Lazzaro».
رهانات مختلفة
ضمت مسابقة «نظرة ما»، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المسابقة الرسمية، مشاركة 15 فيلماً، حيث نجد أفلاماً لسينمائيين غير مكرسين يراهن عليهم المهرجان، مثل «حدود» للإيراني علي عبّاسي، أو «وجه ملاك» للفرنسية فانيسّا فيلو، أو «أوفوريا» للممثلة الإيطالية المعروفة فاليريا غولينو، و خارج المسابقة: هناك آخر أعمال المخرج الأميركي رون هاورد، «سولو، حكاية حرب النجوم» (وسترن فضائي)، فيلم يتفرع من السلسلة الشهيرة التي ابتكرها جورج لوكاس. وضمن «عروض منتصف الليل»، لدينا فيلم للكوري الجنوبي يون جونغ – بينغ، «الجاسوس الذي إتجه شمالاً»، عن عميل يتسلل إلى كوريا الشمالية في التسعينات، لسرقة بيانات حول خطة السلاح النووي.
وفي «العروض الخاصة»، نجد «عشرة أيام في تايلاند»، فيلم سكيتش يشارك فيه المخرج أبيشاتبونغ فيراسيتاكول. وفيلم «العبور»، يعيد الفرنسي رومان غوبيل، المناضل التروتسكي في صفوف الحركة الطالبية، مصوّراً أحوال فرنسا بعد نصف قرن من تلك الثورة.
وقد تعرضت اختيارات اللجنة المنظمة للمهرجان، كالعادة، لانتقادات واسعة من عدد كبير من صناع السينما والنقاد، والسبب فى ذلك يعود إلى ضعف التمثيل النسائى بواقع 3 أفلام من إجمالى 18 فيلمًا بالمسابقة الرسمية، وإنخفاض تمثيل أفلام السينما الأمريكية، بالإضافة إلى حظر عرض أفلام شبكة «نيتفليكس» الأمريكية بسبب رفضها عرض أفلامها بالسينمات الفرنسية؛ وهو ما يتعارض مع لوائح كان السينمائي، بجانب الصعوبات التى من المحتمل أن تواجه الصحفيين عقب قرار منعهم من حضور العروض الأولى للأفلام المعروضة بكان.
تواجد نسائي
تتألف لجنة تحكيم الدورة الـ71 لعام 2018. من خمس نساء وأربعة رجال على رأسهم الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت.
وقد اختارت إدارة مهرجان كان الممثلة الأمريكية كريستن ستيورت والفرنسية ليا سيدو والمخرج الكندي دوني فيلنوف ونظيره الفرنسي روبير غيديغيان للانضمام إلى لجنة تحكيم دورة السنة الحالية.
وتشمل اللجنة أيضاً الممثل الصيني تشانغ تشين ومؤلفة السيناريوهات الأمريكية آفا دوفيرناي والمغنية البوروندية كاديا نين والمخرج الروسي أندري زفياغينتسيف، وفق البيان الصادر عن إدارة المهرجان.
ومن المرتقب أن تعلن اللجنة عن الفائزين في 19 أيار/ مايو. وكانت لجنة تحكيم دورة العام 2017 من مهرجان كان برئاسة الإسباني بيدرو ألمودوفار قد منحت الجائزة الكبرى لفيلم «ذي سكوير» من توقيع السويدي روبن أوستلند.
وبخلاف التواجد القوي للنساء في لجنة التحكيم، ثمة ثلاث نساء مرشحات في المسابقة الرسمية هن اللبنانية نادين لبكي عن «كفر ناحوم» والفرنسية إيفا أوسون عن «لي فيي دو سوليي ـ بنات الشمس»، والإيطالية إلي روهرواشر التي تقدم «لاتسارو فيليتشي». كما ستكون مكانة المرأة في مهرجان كان موضع اهتمام بعد ستة أشهر على انكشاف فضيحة هارفي واينستين.
وتمّ الإعلان كذلك عن اختيار الفرنسية السويسرية أورسولا ماير (1971)، رئيسة للجنة تحكيم «الكاميرا الذهبية». وبعدها بـ 8 أيام، بات الأميركي الإسباني بينيتشيو دل تورو (1967)، رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة «نظرة ما»، وهو الفائز بجائزة التمثيل عن دوره في فيلم «تشي» (2008)، للمخرج ستيفن سودربيرغ (1963)، في الدورة الـ61 (14 ـ 25 مايو 2008) للمهرجان نفسه، وعضو لجنة تحكيم مسابقته الرسمية، في الدورة الـ63 (12 ـ 23 مايو 2010)، برئاسة الأميركي تيم بورتون (1958).
تغييرات مثيرة
مع كشف «كان السينمائي» ـ الذي يعد أهم المهرجانات السينما عبر العالم ـ لمعالم دورته المرتقبة، ، سُلط الضوء كذلك على قسم «كلاسيكيات كانّ»، الذي يحتفل هذا العام بالعيد الـ50 لإنجاز أحد أهمّ أفلام الخيال العلمي، «2001: أوديسة الفضاء»، الذي حقّقه الأميركي ستانلي كوبريك (1928 ـ 1999)، عام 1968. والاحتفال يزداد أهمية مع موافقة السينمائي البريطاني الأميركي كريستوفر نولان (1970)، على تقديم الفيلم بنسخته المرمّمة (70 ملم).
ومع مشاهدة تلك التحفة السينمائية، بنسخةٍ جديدة تُعرض على شاشة سينمائية كبيرة لأول مرة، بعد أن خرج الفيلم إلى الصالات الأميركية في (أبريل/ نيسان 1968)، وكان محطة مفصلية في مجال السينما، متطرقاً برزانة إلى مواضيع مهمة مثل غزو الفضاء وتطوّر الجنس البشري، سيعقب هذا العرض لقاء مباشر (ماستر كلاس) مع أحد أبرز سينمائيي العالم اليوم، كريستوفر نولان، مخرج نتاجات مُثيرة لمتعة المُشاهدة، لما فيها من غرائبيات وتساؤلات ومشهديات باهرة.
وأيضاً سلطت، المجلة السينمائية المتخصّصة «الفيلم الفرنسي»، في عددها الصادر في 23 مارس/ آذار 2018، من خلال حوارها مع المندوب العام لمهرجان «كانّ» تييري فريمو (1960)، بعض التغييرات التي تشهدها الدورة الـ71 ومنها: عودة «فيلم الختام»، ومنع التقاط صُوَر «سيلفي» على السجادة الحمراء، وإلغاء العروض الصباحية الخاصّة بالنقّاد والصحافيين السينمائيين، التي تُعرض لأول مرة على مستوى العالم، وذلك للتقليل من التقييمات المبكرة التي قد تؤثر على فرص نجاح الفيلم، على أن يتزامن العرض الأول الأساسي لكلّ فيلم مُشارك في المسابقة الرسمية مع حفلة الـ «غالا» الخاصّة به.
يريد فريمو من هذه التغييرات تحريك المهرجان أكثر فأكثر، كما قال في تصريحات صحافية مختلفة. لكن أكثرها إثارة للجدل الفرنسي الدولي كامنٌ في (منع) النقّاد والصحافيين السينمائيين من مشاهدة الأفلام قبل العرض الأول، الذي سيُقام أمام الجمهور، بحضور فريق عمل كل فيلم. وحرض هذا القرار «نقابة النقّاد الفرنسيين» على إعلان قلقها إزاءه، في بيانٍ عكس مخاوفها من تحييد النقد والصحافة السينمائية في المهرجان، مع تأكيدها على أنه (القرار) يُسبِّب (إزعاجًا) كبيرًا للنقاد والصحافيين في عملهم المهنيّ. ما دافع الاتحاد الدولي للنقّاد السينمائيين (فيبريتسي)، الذي يضمّ نقّادًا من 52 بلدًا، إلى التضامن مع النقابة الفرنسية. ففي بيان له، عبّر خلاله عن قلقه هو أيضًا (من تأثيرات هذه التغييرات على شروط عمل الصحافيين).
وعلى نقيض ذلك، أثار القرار حماسة إيجابية لدى المنتجين الفرنسيين، إلى درجة أن (اتحادهم) أعلن دعمه للتغييرات التي يقوم بها فريمو في هذا المجال: من خلال بيان أكد فيه: «يدعم (اتحاد المنتجين السينمائيين) هذا التطوّر الذي تشهده الدورة الجديدة للمهرجان، والذي يتمنّاه العاملون في الأفلام، الحريصون على تقديم أعمالهم ـ بشكلٍ شخصي ـ في عروضها الدولية الأولى (الحقيقية)، عن طريق جمع المشاهدين/ الجمهور والمحترفين معًا في لحظة مميّزة».
ومن ناحية أخرى، تمّ تأكيد ما نشرته المجلة السينمائية الأميركية «فارايتي» حول فيلم افتتاح الدورة الـ71: «الكل يعلم» للإيراني أصغر فرهادي (1972)، ما يعني أنها المرّة الأولى منذ 14 عامًا التي تكون فيها جنسية فيلم الافتتاح غير فرنسية ولا إنجليزية، وتحديدًا منذ فيلم «التعليم السيئ» للإسباني بيدرو ألمودوفار، الذي افتتح الدورة الـ57 (12 ـ 23 مايو/ أيار 2004).
والمفارقة كامنةٌ في أن جديد الإيراني أصغر فرهادي ناطقٌ بالإسبانية، ويجمع في بطولته بينيلوبي كروز وخافيير بارديم، وفيلم أصغر فرهادي هو الثامن الذي تم تصويره بالكامل باللغة الإسبانية في شبه الجزيرة الإيبيرية، ويرسم قصة لورا، التي تعيش مع زوجها وأطفالها في بوينس آيرس. عندما يعودون إلى قريتها الأم في إسبانيا لإقامة احتفال عائلي، يغير حدث غير متوقع مسار حياتهم. تكمن الأسرة، روابطها والخيارات الأخلاقية المفروضة عليها، كما هو الحال في كل واحدة من نصوص فرهادي ، في قلب المؤامرة.
ويعد هذا العمل الثالث لأصغر فرهادي الذي يتم اختياره للتنافس على جائزة السعفة الذهبية، ويُشار إلى أنه عرض فيلمين في السابق لأصغر في مهرجان كان هما (ذا سيلزمان) عام 2016 و (ذا باست) عام 2013 .