فاتن حمامه وهبت الفن حياتها فوهبنا متعته
محمود درويش يكتب لـ”سينماتوغراف”:
69 عاما عاشتها الراحلة فاتن حمامة منذ ظهورها كبطلة لأول أفلامها “الهانم – دنيا” (من 1946 وحتى 2015). عاشتها رمزا للاحترام ومحلا للتقدير من الكبير والصغير.
جذبتنا إلى الشاشة البيضاء بقوة إبداعها، واتحفتنا بفتح نوافذ كثيرة لشخصيات عبرت عن واقع حال المرأة في عالمنا وأثارت الكثير من الجدل، سواء بدور الفتاة المغلوبة على أمرها الحائرة بين الرغبة في الإنتقام والحب في “دعاء الكروان”، أو الفقيرة المعدمة التي تعمل بدلا من زوجها المريض لإطعام أسرتها في “الحرام”.
إنني وخلال المشاركة في إعداد الملف الخاص بالراحلة الكبيرة، قرأت آراء نقدية ورؤى تحليلة لمسيرتها السينمائية، هي أمامكم الآن، واقترح أن يضمها كتاب قد نطلق عليه “تعلمنا منها الكثير”
ولابد وان تتضمن المناهج المدرسية هذا الكتاب ليدرس لابنائنا في المدارس ويقوم على وضعه مجموعة من نقادنا المتميزين يرصدوا من خلاله محطات فاتن حمامة المختلفة ويشرحوا كيف يكون الفن عونا لنا في الحياة، وكيف يكون الفنان قدوة، على أن يصاحب ذلك عرض لأهم أفلام الراحلة ليدرسها التلاميذ دراسة متأنية بوجهة نظر جديدة تقودهم إلى التأمل في ما يمكن ان يقود إليه الفن الهادف من تهذيب للنفوس وتقويم للسلوك ودعوة للخير والمحبة بين الجميع.
ألا توافقوني أن ذلك أفضل كثيرا مما تضمه المناهج الدراسية من غثاء لا ينفع.
ولمن قد لا تعجبه الفكرة، أقول: “اسألوا أنفسكم.. هل كان حالنا في زمن فاتن حمامة هو حالنا الآن؟ وهل كانت أخلاقنا ذاتها؟ وهل كان سلوكنا ذاته؟؟
وما عليكم إلا أن تضعوا أفلامها أمام عينيكم أو تعيدوها إلى ذاكرتكم لتكتشفوا كنوزا غابت عنكم.
ألم تكن فاتن حمامه في جل أفلامها صاحبة قضية عادلة مدافعة عنها مقدمة أداء مقنعا يغازل القلب والعقل معا معتمدة على جمهور ولد وشب على حبها، رفعها إلى أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها إنسان. فلم تكن يوما مبتذلة ولا ساعية إلى شهرة ولا فارضة ألقابها على الجمهور والصحافة الفنية بل منحها الجمهور لقب “سيدة الشاشة العربية” طوعا وحبا وتعبيرا عن شكره لها لما قدمته من أفلام تربت عليها أجيال وأجيال.
ألم تعبر فاتن حمامة في فيلمها “الباب المفتوح” عن طموح البنت المصرية وتطلعاتها، وكفاحها من أجل الحرية والعدالة إلى جانب الرجل، بحثا عن حياة أفضل؟
أليست هي التي جسدت معاناة المرأة وجهدها للحفاظ على أولادها والوقوف ضد ظروفها الصعبة في “يوم حلو.. يوم مر”..
إن القائمة تطول وقد تناول ذلك كتاب “سينماتوغراف” في هذا الملف الذي بين ايديكم.
إنها هي فاتن حمامة التي غابت عن السينما منذ عام 1993 وحتى رحيلها أمس، ورغم ذلك كانت الملايين تتابع بشغف أعمالها السينمائية التي فاقت المائة فيلم، سواء من الأجيال الشابة أو الأطفال أو حتى الكبار الذين سبق لهم مشاهدة هذه الأعمال مئات المرات.
إنها هي فاتن حمامة التي حلم كل فنان شاب وكل فنانة شابة وكل مخرج جديد بالعمل معها طوال مسيرتها؟
لقد كانت قدوة لكل الأجيال بحسن أخلاقها وتواضعها وإخلاصها لوطنها ولفنها وعشقها لذلك الفن الذي وهبته عمرها، فوهبنا متعته التي نفتقدها للأسف في هذا الزمان..