احتفالياتالمهرجاناتالمهرجانات العربيةمهرجان القاهرةمهرجاناتهنري بركات

فاتن وبركات.. السينما من أول نظرة

انتصار دردير تكتب لـ”سينماتوغراف”
هى بطلته الأثيرة  وهو مخرجها المفضل
فاتن وبركات … السينما من أول نظرة
مثل الحب الذى يأسرك من أول نظرة، تبدو العلاقة بين المخرج هنرى بركات والفنانة فاتن حمامة، بطلته الأثيرة التى مثلت 19 فيلما من  أهم أفلامه، وقد تنوعت ما بين الرومانسية والواقعية والغنائية فقد أبحر بركات بموهبة فاتن حمامة الى آفاق بعيدة  ومنحته هى الثقة، كل الثقة التى يحتاجها أى مخرج من نجمة أفلامه وزادت مساحة التفاهم بينهما من فيلم لآخر وارتبطا معا بصداقة انعكست على أفلامهما ورسخت  بالمضى قدما فى استمرارتعاونهما على مدى نحو نصف قرن.
 
كان بركات يهمس فى البلاتوه ونادرا ماتسمع صوته مبددا الصورة الذهنية المعتادة للمخرج الذى يصرخ بأعلى صوته فيثير الفزع ويحقق الانضباط داخل البلاتوه، وقد أحبت فاتن حمامة بركات ليس فقط لموهبته وانما أيضا لشخصيته الهادئة  الواثقة، فكان اذا أراد ابداء ملحوظة على أدائها يذهب اليها هامسا بالفرنسية التى يجيدها  والتى كانا يتحدثان بها داخل البلاتوه.
 
كان لديه احساسا عاليا، هكذا وصفت فاتن حمامة المخرج الكبير هنرى بركات مؤكدة “كان بيننا تفاهما كبيرا ، وكنا نذهب الى البلاتوه” فرحانين “مثلا فى أفلام مثل “الحرام” و “دعاء الكروان” كانت هناك شاعرية غير عادية رغم أن القصص نفسها  تحمل قدرا من المآساوية، لكن بركات كان شديد الشاعرية فى التعامل مع الواقع، وكان يرفض تصوير القذارة فى القرى، كان يصور الأشجار ويقول أن الواقعية ليست أن نشعر الناس بالقرف” كما ذكر الكاتب الصفى عبد النور خليل فى كتابه “فاتن حمامة والعصر الذهبى للسينما”.
 
بداية تعاونهما جاءت مع فيلم “الهانم – دنيا” الذى أخرجه فى جزئين كل من هنرى بركات ومحمد كريم “الذى اكتشف الطفلة الموهوبة فاتن حمامة وقدمها فى فيلم يوم سعيد” وقد استقل كل منهما بجزء من الفيلم فى تجربة استثنائية عام 1946 بينما فاتن قد غادرت طفولتها وصارت شابة تتلمس خطواتها الاولى فى عالم التمثيل، وبعدها بعامين أى فى 1948 يختار بركات فاتن لبطولة فيلمهما الثانى “العقاب” أمام محمود المليجى وزوزو نبيل ويتعرض الفيلم للثالوث الدرامى الشهير الزوج والزوجة والعشيق فى اطار ميلودرامى غلب على السينما المصرية فى تلك الفترة.
 
ومع بداية الخمسينات يأخذ بركات بطلته المحببة لبطولة فيلمه الغنائى “لحن الخلود” أمام فريد الأطرش ومديحة يسرى وسراج منير وماجدة عن قصة ليوسف عز الدين عيسى وسيناريو وحوار هنرى بركات وحقق الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا، مما جعل بركات يعيدها فى تجربة مماثلة وان لم تحقق قدر النجاح الذى حظى به “لحن الخلود” وذلك فى فيلم “دايما معاك” أمام الفنان متعدد المواهب محمد فوزى وعبد الوارث عسر  ومن تأليف يوسف جوهر وسيناريو وحوار بركات وقد عرض الفيلم فى أغسطس 1954 فى نفس العام الذى شهد تعاون بركات وفاتن فى فيلم “ارحم دموعى” الذى كتبه الاديب يوسف عز الدين عيسى وكتب له الحوار هنرى بركات ودارت أحداثه من خلال فتاة يتخلى عنها حبيبها بعد ان تعرض والدها الثرى لأزمة مادية جعلته يبيع مصنعه، واستكمالا لسلسلة الأفلام الغنائية التى قدمها بركات لكبار نجوم الغناء شهد عام 1956 فيلمه الغنائى الثالث لبطلته أمام العندليب الأسمر ذائع الصيت  عبد الحليم حافظ وذلك من خلال فيلم “موعد غرام” الذى شارك فى بطولته عماد حمدى ورشدى أباظة وزهرة العلا وأدت فاتن حمامة فيه دورصحفية تقع فى غرام شاب مشهور بعلاقاته النسائية لكن حبه لها يدفعه لتغيير حياته ويصبح مطربا مشهورا  ليفاجأ  بها تتهرب منه بعد أن تعرضت لازمة صحية أخفتها عنه.
حتى نلتقى 
 
 وشهد عام 1958 تعاون سينمائى جديد بين بركات وفاتن فى فيلم تعرض لظلم بين، وأعنى فيلم “حتى نلتقى ” فهو أحد الأفلام التى تفيض رومانسية وعذوبة بأداء راق لفاتن حمامة التى ربما وجدت نفسها شاهدة على أحداثه اذ تدور داخل عالمها  الفنى وتتناول قصة ممثل كبير يهجر زوجته وطفلته الصغيرة ويتزوج بأخرى، تكبر الطفلة وتصبح ممثلة مشهورة يتودد اليها كثير من المعجبين لكنها تميل بعواطفها تجاه كاتب كبير متزوج وله طفلة، وبينما تتمسك هى بحقها فى الارتباط بمن تحب تذهب لزيارة زوجة الكاتب وتواجهها بقصة حبها وبحقها فى السعادة التى وجدتها معه، وقبل أن تنصرف تقع عينها على الطفلة البريئة  ابنة حبيبها المصابة بالشلل، فتستعيد نفس الموقف الذى عاشته مع والدها وتتذكر حالة الحرمان التى عاشتها بغيابه، ليتوارى حبها فى مواجهة عاطفة اكبر وأشد، الفيلم كتبه الاديب يوسف عز الدين عيسى وكما اعتاد فقد كتب له السيناريو هنرى بركات.
 
أهم خمسة أفلام بين فاتن وبركات
 
ومع نهاية فترة الخمسينيات وبداية الستنيات ينطلق بركات وبطلته فيقدما أهم خمسة أفلام تعد بحق من أنضج وأفضل  أفلامهما وهى بترتيب انتاجها: دعاء الكروان، الحرام، الباب المفتوح، الخيط الرفيع، ولاعزاء للسيدات، وقد حققت هذه الأفلام نجاحا جماهيريا وفنيا واستحقت أن تصل الى اكبر المهرجانات العالمية وان تستحوذ على ترتيب متقدم فى استفتاءات النقاد، والملاحظ أن الأفلام الخمسة مأخوذة عن روايات أدبية لكبار المؤلفين فى ذلك العصر من عميد الادب العربى  د.طه حسين الى يوسف ادريس “الحرام هى أول رواية له فى السينما” ثم لطيفة الزيات، واحسان عبد القدوس وكاتيا ثابت.
 
“دعاء الكروان”  أنشودة حب فى فيلم يقطر عذوبة ورومانسية رغم قتامة أحداثه التى تبدأ بمقتل هنادى، الفتاة الريفية  التى فرطت فى شرفها باسم الحب وتكاد شقيقتها الأصغر آمنة تصاب بلوثة من جراء الصدمة، غير أنها تستعيد نفسها وتقرر الانتقام من المهندس الذى خدع شقيقتها فتذهب لتعمل فى نفس المكان، صوت الكروان الذى يتكرر فى الفيلم بشكل ساحر يذكرها بمهمتها فى القصاص  لشقيقتها، لكن الحب يكون له سلطان آخر فتجد نفسها أسيرة لحب الرجل الذى غرر بشقيقتها، ويحقق بركات فى هذا الفيلم سيطرته على جميع ابطاله الذين يظهرون فى أفضل حالاتهم  من فاتن حمامة الى أحمد مظهر وزهرة العلا ثم الرائعة الكبيرة أمينة رزق.
 
ويأتى فيلم “الباب المفتوح” عن رواية د. لطيفة الزيات ليرصد حالة تمرد تجاه مجتمع يدعى التحرر فى العلن ثم يمارس فى السر  كل أفكاره البالية، من المشهد الاول تخطفنا فاتن حمامة بأداء يسكنه روح التمرد و تعكس ملامحها حالة من الاصرار، انها ليلى التى تواجه لاءات عديدة من أسرتها تمنعها من ممارسة حقها فى ابداء رأيها وتتعرض لعقاب من والدها، وحين تتصور أن الحب سوف يكون سلاحها فى مواجهة هذا العالم  تكتشف ان حبيبها  صورة مصغرة  من قهر أبيها، وتتعرف على صديق شقيقها الذى تعجب بشجاعته وثوريته لكنها تقرر أن تبدأ رحلتها من أجل تحقيق ذاتها، لتبقى قصة حب فى ظل مجتمع تتشابك علاقاته وظروفه السياسية والاجتماعية.
 
 وفى عام 1965 يلقى بركات بحجر فى بحرابداع يوسف ادريس العميق  ويختار روايته “الحرام” ليقدمها فى تحفة سينمائية خالدة، حيث الريف ببكارته والزوج الذى هزمه المرض، والفقر الذى يضع خطوطه على الوجوه والملامح، والمرأة التى تكد لتعمل فى الحقول من أجل زوجها المريض ثم تتعرض للاغتصاب من أحد شباب القرية، وتلد طفلها لكنها تقتله وهى تحاول اسكاته حتى لايفتضح امرها، وتأتى النهاية اكثر ميلودرامية حين تموت متاثرة بحمى النفاس، الفيلم كتب له السيناريو والحوار سعد الدين وهبة وقد ترشح لنيل السعفة الذهبية بمهرجان كان فى عام انتاجه  كما تصدر المركز الخامس فى استفتاء مجلة الفنون لأفضل 100 فيلم فى السينما المصرية، وفى فيلم “الخيط الرفيع” انتاج 1971 تؤدى فاتن حمامة واحدا من أجرأ ادوارها فى رواية احسان عبد القدوس التى تحمل نفس العنوان وكتب لها السيناريو والحوار يوسف فرنسيس، يفاجئك المخرج الكبير بركات وهو يطرح مضمونا فلسفيا  حول علاقة الحب المتشابكة بين بطلة الفيلم منى الموظفة بأحد البنوك التى تقع فى غرام مهندس شاب يعمل فى شركة عشيقها وحين تمنحه كل شئ تفاجأ به يتبرأ من علاقتهما ويتركها ويسافر.
 
 فيلم “ولاعزاء للسيدات” الذى كتبته كاتيا ثابت فيأتى كصرخة امرأة مقهورة فى مواجهة ظلم  قوانين اجتماعية ظالمة، ان راوية بطلة الرواية تفاجأ بطليقها يحاول استعادتها وحين ترفض يسعى لقتلها والاساءة لسمعتها.
 
ويبقى فيلمان مهمان جمعا بين بركات وفاتن، الأول “أفواه وأرانب” الذى شارك فى بطولته محمود يس وفريد شوقى ورجاء حسين والذى طرح بوعى كبير قضية اجتماعية خطيرة المتمثلة فى كثرة الانجاب وزيادة الفقر وفيلم “ليلة القبض على فاطمة” المأخوذ عن رواية لسكينة فؤاد وكتب له السيناريو هنرى بركات والحوار لعبد الرحمن فهمى وفى واحد من أصعب مشاهد الفيلم تقف فاتن حمامة فوق السطوح  وتهدد بالقاء نفسها وتحكى من البداية، حكاية شقيقها الذى أفنت عمرها من أجله يريد أن يزج بها فى مستشفى المجانين.
 
 إلى جانب ذلك كله التقى بركات وفاتن فى فيلمى “الحب الكبير” و”حبيبتى” الذين تم انتاجهما وتصويرهما فى لبنان خلال هجرة فاتن حمامة اليها منتصف سبعينات القرن الماضى كما كانت أيضا بطلة لفيلمين قصيرين أخرجهما بركات وهما “أريد هذا الرجل” و”ساحرة ” وتم انتاجهما عام 1973.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى