«فرق خبرة».. إيحاءات جريئة لفكرة الخبرة في العلاقات الحميمية
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
جاءت الصيغة التي قُدّم بها الفيلم المصري “فرق خبرة” وطرح مؤخراً في دور العرض حاملةً توليفة درامية أكثر منها سينمائية، يشعر معها المُشاهد كأنه أمام مسلسل قصير، أو حلقة درامية طويلة؛ فالفيلم يحتوي على خلطة تراجيدية وكوميدية ورومانسية وقصة تشبه تلك التي تعرضها بعض الأعمال الدرامية في مصر والتي تركّز فيها على تشابك الأحداث، فلم يستخدم مخرج الفيلم ومؤلفه شريف نجيب الكثير من التقنيات الفنية، في الموسيقى أو التصوير أو الديكور أو حتى الإضاءة، ليقنع الجمهور بفكرة أنه أمام عمل سينمائي خالص.
ربما الجمع بين دور المؤلف ودور المخرج أسهم في هذا الخلط، والذي لا أحد يعرف هل جاء متعمّدا أم أسهم فيه الشعور الذي انتاب البعض بأنهم يشاهدون عملاً درامياً مكثّفا في نحو ساعتين، وتمّ حشر مجموعة من الحكايات التي تصبّ في قالب أزمة شاب يحاول أن يقيم علاقة مع فتاة دون سابق خبرة.
لم يكن بطل الفيلم محمد الشرنوبي مقنعاً في دور الشاب الساذج قليل أو عديم الخبرة في التعامل مع السيدات، والذي يظهر عليه الخجل عندما يلتقي فتاة بمفرده، إلى درجة أنه أصيب بعجز جنسي مؤقت عندما أتيحت له فرصة إقامة علاقة حميمية مع فتاة أعجب بها، جسّدت دورها باقتدار هدى المفتي.
قصد الفيلم العزف على وتر العلاقات الإنسانية، والتأكيد على أنها عصية على الفهم، ولا توجد وصفة سحرية يتبعها شخص يمكن أن تقوده إلى برّ الأمان، والتجربة -أو الخبرة- هي العامل الحاسم في النجاح أو الفشل في الحياة بكل ما تنطوي عليه من تعقيدات تصل إلى حدّ أن البعض يصعب عليه فكّ شفرتها.
وقدّمت الفنانة هدى المفتي أول بطولة مطلقة لها في السينما، وكان دور الفتاة المتحرّرة مناسباً لها ويُشير إلى أنها بطلة واعدة، حيث تمكّنت من توظيف موهبتها في إقناع الجمهور بأنها متمرّدة من حيث الماكياج المستخدم والملابس التي ترتديها، وحتى حياتها في المنزل بمفردها عزّزت طابع التمرّد الذي تريد بعض الفتيات تقليده.
ومسك المؤلف – المخرج بخيط واقعي إلى حد كبير خاص بإعجاب بعض الفتيات برجال أكبر سناً، اعتقادا منهنّ أنهم أكثر دراية بالحياة، وأكثر خبرة بفنون العلاقات الحميمية، وهو ما جعل هدى المفتي أو “سلمى” في الفيلم تعجب بهذا النوع من العلاقات التي لم تنلْ حظها من التوضيح.
فقد لمسها الفيلم بصورة عابرة للتأكيد على فكرة الخبرة التي أراد استخدامها في مشاهد عديدة لتثبيت هدف الفيلم في أذهان المتفرّجين، وهو نفس المعنى الذي قدّمته الأغنية الرئيسية في العمل والتي أدّاها الرابر الشاب “عفروتو” المعروف في الوسط الشبابي على نطاق واسع، وجاءت أيضاً باسم “فرق خبرة“.
من النقائص التي طالت دور المفتي أن هدوء شخصيتها وطريقة تمثيلها ينطويان على ملامح من بعض الأعمال التي قدّمتها الفنانة منى زكي في بداية ظهورها، الأمر الذي يجب أن تنتبه إليه حتى لو كان أي تشابه يأتي من قبيل العفوية وليس التقليد، وربما قصد طاقم الفيلم تقديم بديل لزكي التي أصبحت أعمالها شحيحة في السينما والتلفزيون.
وتستحقّ قصة العلاقة العاطفية والجنسية بين الشباب والفتيات الكثير من الأعمال التي تُعالجها بصورة منطقية، بلا مبالغة في الخجل أو التحرّر، فقد استخدم الفيلم إيحاءات جريئة ليكون محاكياً للواقع، ومنسجماً مع اللغة التي يستخدمها الشباب في حواراتهم.
وقدّم الفنان الشاب طه دسوقي دوراً من أهم أعماله، حيث بدأ يرسّخ أقدامه كممثل يُجيد الكوميديا، واستغلّ “خفة دمه” في تأكيد هذا الجانب، وكان عنصراً مساعداً للشرنوبي إلى درجة أنه جعل دوره الثانوي جذاباً؛ فقد خفّف جرعات الصخب والكآبة التي تسابقت في تقديمها الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز والفنان محمود البزاوي.
كان فيلم “فرق خبرة” آخر أعمال الفنانة دلال عبدالعزيز، وقدّمت فيه دور الأم المتسلطة على ابنها وزوجها بطريقة مليئة بالتراجيديا على عكس البزاوي الذي قدّم دوراً كوميدياً، وساعد التناقض في الفيلم على منح المخرج زاوية يكمل بها الأزمة النفسية التي يعيشها البطل مع الفتاة التي أعجب بها.
ويشير عنوان الفيلم “فرق خبرة” إلى طبيعة القصة، لكن لا يحوي شيئاً عن مضمونها، لأنها مسألة موجودة في كل المجالات، وقصْرها في هذا العمل على فكرة العلاقات العاطفية وممارسة الجنس يحمل حضًّا مباشراً للشباب على خوض تجارب حميمية قبل الزواج، إلاّ أن المعنى النهائي الذي أراده الفيلم قد يكون بعيداً عن هذه الرسالة ويتعلق بخطورة التربية والنشأة في بيئة منغلقة.
وتشكّل الفيلم من كوكتيل فني غير متوازن قد يكون محوره الرئيسي مسألة الخبرة وأهميتها في حياة الإنسان، غير أن جوانب أخرى حملها تفرّعت إلى مناحٍ كثيرة بدءاً من عمل ناجي في مجال الكوميكس وعمل سلمى في التصوير وصولاً إلى توهان كليهما في العلاقات العاطفية، انفتاحاً وانغلاقاً، وهي حكايات تدغدغ مشاعر شريحة كبيرة من الشبان والفتيات.
ولم ينجح طاقم العمل في استغلال هذا النوع من الأفلام لجذب شريحة واسعة من الجمهور العام، وأخفقت الدعاية في لفت انتباه هذه الشريحة، لأنها جاءت ضئيلة ولم توظف وسائل التواصل الاجتماعي جيداً، فمهما كانت الانتقادات الفنية للعمل يبقى محتفظاً بقيمة لا تصل إلى مستوى أن تصبح قاعات العرض شبه خالية من الجمهور، وهو ما خلق انطباعات سلبية، فقد لوحظ أن التقييمات على بعض المنصات كتقليد بات معروفا الآن منحته درجة أقل من النصف، رغم أنه يستحقّ درجة أعلى من ذلك بكثير.
وفشل طاقم العمل في الاستفادة من عدم وجود أفلام منافسة حديثة، فهو الفيلم الوحيد الحديث المعروض في مواجهة بقايا أفلام مضى على عرضها أكثر من شهرين، ويرجع إخفاقه في تحقيق انتشار -في جزء كبير منه- إلى إهمال الجانب الدعائي المطلوب.
وبالطبع الانتشار وشبّاك التذاكر لم يعُدا مقياساً نهائياً لجودة أو فشل العمل، لكن البعض يتّخذهما مؤشراً على قوة الجذب إلى مشاهدته أو صرف النظر عنه، باعتبار أن تقييمات المنصات تُسهم بشكل كبير في رفع نسب المُشاهدة أو الإحجام عنها، لأن فيلم “فرق خبرة” يهمّ الشباب وموجّه إليهم وهم يمثلون فئة عريضة من رواد السوشيال ميديا ويتأثّرون بها إيجاباً أو سلباً.