مراجعات فيلمية

«فضل ونعمة».. حبكة مترهلة انقذها الكدواني وهند صبري

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

فيلم «فضل ونعمة» الذي بدأت دور العرض السينمائي في مصر طرحه قبل أيام، يطرح قضية جادة هي رغبة أب وأم في إقامة مشروع تجاري ناجح يفتخران به ويدر عليهما دخلاً وفيراً في قالب كوميدي من خلال التورط مع تجار مخدرات وما يصاحب الورطة من مواقف يتم التعامل معها بقدر عال من السخرية.

جمع مخرج الفيلم رامي إمام، بين كل من هند صبري (نعمة) وماجد الكدواني (فضل) وقد التقيا من قبل في فيلم «أسماء» منذ حوالي 11 عاماً وهو عمل درامي بامتياز، ومعهما بيومي فؤاد ومحمود حافظ وسما إبراهيم ومحمد ممدوح، وحاول رامي العودة إلى السينما بقصة مضمون نجاحها، تنحو تجاه الكوميديا بعد فترة انقطاع دامت أربعة عشر عاما منذ إخراجه لفيلم «حسن ومرقص».

قصص العصابات والتورط مع تجار المخدرات ليست جديدة على السينما المصرية، لكن فيلم «فضل ونعمة» الذي كتب له السيناريو والحوار المؤلف أيمن وتّار طغت عليه الكوميديا لتقليل الإثارة والمطاردات التقليدية، والرمز إلى أن هذه الثيمة مختلفة.

واستخدم وتّار براعته في صياغة المواقف الكوميدية لمحو الفكرة التي يمكن أن يخرج بها البعض من الجمهور، وهي عدم وجود قصة حقيقية أصلاً، فكل المشاهد المثيرة أو الخفيفة حاولت انتزاع الضحك، وإن نجحت أحياناً فلم تكن كذلك في غالبية المشاهد، لكن كاريزما هند والكدواني وما بينهما من كيمياء فنية وانسجام إنساني أسهمت في تخفيف وطأة الافتعال والتغيرات المفاجئة التي جرى حشر السوشيال ميديا فيها.

وتدور قصة الفيلم حول مطعم للوجبات (فضل ونعمة) أقامه زوجان في منزل يقوم بتوصيل طلباته إلى زبائنه ويسعى لكسب شهرة كبيرة، وحاولا توسيع نشاطه، غير أن صداقتهما بأحد تجار المخدرات أوقعتهما في مصيدته عندما وضع لديهما أمانة لم يخبرهما على طبيعتها، كانت عبارة عن مجموعة من كراتين المخدرات، ويتم استخدام إحدى عبواتها على سبيل الخطأ في مسابقة للطعام فحدثت مواقف كوميدية بطلها الشيف الشهير علاء الشربيني، فتكتشف العصابة صاحبة المخدرات مكانها عند فضل ونعمة بعد إلقاء القبض على أحد أعضائها من قبل البوليس.

من هنا توالت المشاهد بين الزوجين هند والكدواني من جهة والعصابة التي يقودها بيومي فؤاد وسما إبراهيم من جهة ثانية، ودخل بينهما محمود حافظ باعتباره ضابط بوليس لإقناعهما بالتعاون مع العصابة بغرض الإيقاع بها وهو في الوقت نفسه يعمل لحسابها وليس ضابطا حقيقيا كي يضمن السيطرة عليهما.

اقتنع الزوجان بالقيام بدور العميل المزدوج وأنهما يقومان بدور وطني لكشف العصابة وتسليمها للبوليس، واستغرقت هذه الفكرة مساحة كبيرة من المشاهد، صعوداً وهبوطاً، وبينهما سلسلة طويلة من المفارقات والمنحنيات التي تقود إلى طريق واحد وهو الكوميديا، وحشرت في المنتصف فكرة صورة الوالدين أمام بنتهما وقامت بالدور الفنانة الشابة ياسمين العبد التي شكّت في سلوكهما وتعاونهما مع العصابة.

واستخدم السيناريست أيمن وتّار كل براعته ليقدم كوميديا جيدة دون أن يوفق تماماً بسبب ما صاحب بعض المشاهد من تطورات غير متوقعة لمجرد أن يضاعف من وجبة الضحك، فبدت القصة مهلهلة بعض الشيء، وهو ما حاول إنقاذه من خلال ظهور ضابط حقيقي دخل فجأة على الخط لتجنيد هند والكدواني.

وتعمد وتّار أن يكون الزوجان عديمي الخبرة وبلا قدرة على حفظ الأسرار كنوع من توسيع قماشة الكوميديا في مثل هذه المواقف التي يتم التنبيه فيها عليهما بحفظ السر ثم يكشفانه بسهولة أمام شريحة كبيرة من الناس، وهي طريقة أضفت عليها هند والكدواني طابعا ناعما أخرجها من الخفة المتعارف عليها.

كان الضحك هدفاً أساسياً لمنتجي الفيلم، وحاول المخرج رامي إمام نحت طريقه في هذا المجال كي يبدو أنه يملك لوناً فنياً معيناً ظهرت بصماته واضحة في القصة التي لم يكتب عليها اسم محدد للتأليف، ما يحيل مباشرة إلى أن صاحبها هو المخرج، والذي استعان بالسيناريست أيمن وتّار كأحد نجوم النكتة والكوميديا في مصر حالياً.

يشبع الفيلم شهية الأسرة المصرية لأنه لا يحوي مشاهد خادشة وحشر كل ما يمكن عمله لأجل أن تكون الوجبة كوميدية وإن تضمنت إثارة، ولم تكن السخرية ظاهرة إلا في مواقف البنت (ليلى) وشقيقها (علي) وقام بدوره الطفل إسماعيل الجندي مع والديهما أو العكس، أو في مشاهد حبس الشغالة (احتمال) وقامت بدورها الفنانة مي دياب في مخزن أسفل العمارة التي يقيم بها فضل ونعمة، والتي شارك فيها الفنان محمد رضوان من خلال المفارقة التي حواها اسمه (المقدم عزت).

واستخدم اسمه (المقدم) للإيحاء أنه ضابط وعاش هذا الدور ومارسه على سكان العمارة في الصعود والهبوط إلى أن تبين أنه ليس ضابطاً، وهو من الشخصيات التي تم جلبها لزيادة جرعة الكوميديا، والتي أجادها الفنان رضوان وكان مقنعا فيها، خاصة أنها تعكس نموذجاً قريباً من الواقع عندما يحاول البعض استغلال أوجه التشابه للحصول على نفوذ اجتماعي معين.

حوى فيلم «فضل ونعمة» المشتق من اسم بطليه مجموعة من القضايا الجادة تتعلق بإثبات الوجود في العمل والنجاح في التجارة، ورعاية الأبناء وتقديم القدوة لهما، والتحذير من مغبة الثقة المفرطة في الأصدقاء لأنها تقود أحياناً إلى مشكلات، ناهيك عن عدم افتعال دور البطولة الزائفة.

ويستطيع كل مشاهد أن يزيد الدروس والعبر المستفادة من العمل وحكاياته المتشعبة، والتي بقدر ما منحته ثراء إلا أنها تسببت في ترهل القصة الرئيسية والهدف العام منها، لأن الحشو بدا طريقاً سهلاً لتقديم فيلم يرضي كل أذواق الأسرة المصرية.

ومن حسن حظ الكثير من الأفلام العربية التي تعرض في دور السينما بمصر أنها لا تجد منافسة من أفلام أخرى، فهناك اتفاق ضمني بين المنتجين، وهم قلة، على ترتيب وتنظيم توقيتات العرض بما لا يجعل هناك منافسة حقيقية من خلال سياسة الدور، وبالتالي يغّرد أي فيلم بمفرده تقريباً ما يوفر له عوائد مالية جيدة من لتذاكر.

وتفقد هذه القاعدة أهميتها إذا كان الفيلم دون المستوى ولا يتوافر له الحد الأدنى من الكفاءة الفنية والمعالجة السينمائية، لأن الجمهور لديه من الذكاء ما يمكنه من الحكم على مدى الجودة، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت كثيرا عليه، حيث يقوم البعض من اليوتيوبر بعرض لبعض الأفلام ومناقشتها على قنواتهم الخاصة، وغالبيتهم ينحازون للعمل، وحتى هذه لا يمكن أن تخدع الجمهور الذكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى