أحداث و تقارير

«فورتوناتا» عن الطلاق وقهر المرأة في المجتمع الإيطالي

 

«سينماتوغراف»: انتصار دردير

لعله أقرب إلي فيلم مصري إذ تبدو بطلته الجميلة جاسمين ترينكا jasmine trinca كإمرأة مصرية مطحونة تعيش علي الانتظار حتي يقضي القاضي بطلاقها من زوج قاسي وعنيف لا يتورع في الاعتداء عليها وطفلة حائرة بين أبويها وعمل غير دائم تتنقل لأجله طوال اليوم.

في اللقطات الأولي للفيلم الإيطالي «fortunata  ـ فورتوناتا» المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي يتعمد مخرجه سيرجيو كاستيلو لاستعراض المدينة التي تعيش فيها بطلته، والتي تبدو من اللقطات البانورامية الأولي أنها إحدي المناطق الفقيرة التي يقطنها بعض الإيطاليين إلي جانب الجاليات المهاجرة من مسلمين حيث يتردد الآذان بين مشاهد الفيلم وتقام شعائر الصلاة بالشارع، وحيث يتواجد بعض الجاليات الصينية والتي يصطف نساءها في عروض رياضية منظمة علي إيقاع موسيقي بإحدي الساحات يومياً، ويلقي المخرج الضوء علي تلك المنطقة بمشاهد موحية سريعة اللقطات قبل أن يدخلنا إلي حياة بطلته فورتوناتا التي تعني بالإيطالية المحظوظة، فهل هي فى الواقع كذلك؟.

مع توالي الأحداث تكتشف أن البطلة علي العكس من ذلك تماماً فهي تعيش حياتها بشكل لاهث، ففي المشهد الأول ومنذ استيقاظها تجري من الحمام لتبدل ملابسها وطفلتها بربارا ذات الثمانية أعوام، وتستقل الموتوسيكل لتوصيلها للمدرسة وتعرج علي أحد محلات السوبر ماركت لتشتري لها كيساً من المقرمشات إلا أن الطفلة تتمرد عليه وتلقيه قبل أن تدخل المدرسة والأم تنهرها لذلك، ثم تبدأ رحلتها اليومية كعاملة كوافير دليفري تقوم بتصفيف شعر زبائنها وتزيينهن في بيوتهن، وتحلم بأن تمتلك محل تصفيف للشعر بدلاً من رحلاتها المكوكية بين البيوت كل يوم، فاليوم عند عجوز صينية وغداً تزين عروساً إيطالية، وهكذا ينقلنا المخرج بكاميراته السريعة اللاهثة كبطلته بين أجواء مختلفة مع كل بيت تزوره وكل إمرأة تلتقيها لتزيينها .

تبدو فورتونا متأقلمة مع ذلك كله لكن الأزمة ليس فقط في معاناتها بعملها وإنما في زواج معلق يربطها بوالد طفلتها حيث انفصلت عنه وينتظران توقيع القاضي علي أوراق الطلاق وحتي يحدث ذلك لابد من اخضاع الطفلة لطبيب نفسي ليقرر مع من تبقي من الأبوين.

إنها صورة مماثلة إلي حد كبير مما يحدث عندنا من تنازع حول حق حضانة الطفل في حالة نزاع الزوجين وعدم اتفاقهما، فيحاول كل منهما أثبات أنه الأفضل وأن الآخر يهمل في رعايته حتي يحكم له بضم الطفلة.

تتعلق فورتوناتا بشهر سبتمبر وتردد طول الوقت أنه سيشهد انفراجة كبيرة بتوقيع القاضي علي أوراق الطلاق النهائي وحصولها علي محل دائم لعملها.

فورتوناتا الشابة التي تتمتع بأنوثة وحيوية وبعد لقاءات متعددة مع الطبيب النفسي حيث تصطحب طفلتها إليه ويتدخل فرانكو لإثبات تقصيرها تجاه الطفلة وتركها عند جارها كيانكو الذي يقوم برسم الوشم ويشاركها حلمها في امتلاك محل كوافير.

مشاهد عديدة بالفيلم تكشف انحياز مخرجه وكاتبته مارجريت مازانتيني – وهي بالمناسبة زوجة المخرج- لهؤلاء المهمشين في المجتمع الإيطالي الذي يستقبل يومياً آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يحلمون بالاستقرار الذي افتقدوه في بلادهم ولا يعرفون أن اهالي البلدة نفسها يشاركونهم الحلم، وفي حوار عابر تأتي سيرة المهاجرين الذين يلقون حتفهم قبل أن يصلوا إلي الشاطئ الإيطالي .

المسكن الذي تعيش فيه البطلة وتدور به أحداث الفيلم يضم بنايات تكشف عن فقرها وسوء مستواها وتبدو أقرب للمساكن الشعبية في مصر. يتعمد المخرج التفاصيل الدقيقة ويبعث برسائل عديدة في فيلمه عن القهر الذي تعيشه البطلة في مجتمع يبدو براقاً من الخارج .

لا ينشغل الفيلم ببطلته وإنما يعرض لنا مأساة ممثلة معتزلة هي أم جارها كيانكو التي أصيبت بالزهايمر وصارت تمثل عبئاً علي ابنها، تتذكر أدوارها علي المسرح وتثير شجنا آخر لممثلة عجوز تعيش في عالم آخر وتتهافت علي الرجال مما يدفع ابنها للتخلص منها بدفعها لإلقاء نفسها في البحر، تنفي فورتوناتا عليه هذه التهمة وتقرر البحث عن جثة العجوز لدفنها في مشهد إنساني للغاية.

علاقة حب مع الطبيب تقود فورتينا لتفقد ابنتها وتكون فرصة الزوج لإثبات اهمالها وتطلب الطفلة البقاء مع أبيها وتنها الأم وتشعر بالضياع بعد الحكم بضم الطفلة للأب .

جرعة مكثفة من الشجن إلا أنها لا تشعرك بالكآبة ولا تستدر دموعك مع بطلة شابة تتمتع بالحيوية وتعيش أجواء الحب مع الطبيب في لقطات رومانسية وحميمية، أرادها المخرج ليقدم صورة واقعية من حياة امرأة شابة تواجه عنف زوجها مفتول العضلات الذي يمارس ساديته ويعتدي عليها ويحاول معاشرتها بالقوة.

ومع مشهد النهاية يوحي الفيلم بالأمل حين تفتح فورتوناتا محلاً لتصفيف الشعر وتحتضن طفلتها التي طلبت العودة لأمها ليسيرا معاً في رحلتهما المعتادة وإن اختلفت الصورة وبدت أكثر تفاؤلاً.

إلي جانب أسلوبه السردي وانحيازه لتقديم صورة صادقة للطبقات الكادحة في المجتمع الإيطالي فإن عناصر كثيرة تبرز في الفيلم ومنها التصوير والإضاءة والموسيقي، وفي مقدمتها بالطبع التمثيل الذي برعت فيه بطلة الفيلمjasmine trinca وحصلت من خلاله علي جائزة أحسن ممثلة في قسم نظرة ما بمهرجان كان في دورته الماضية.

المثير أن الفيلم الذي يشارك في المسابقة عرض تجارياً في بلاده وحقق نجاحاً كبيراً وأكد المخرج أن نساء عديدات شاهدن الفيلم وقلن له أنهن وجدن أنفسهن به، وجه الإثارة أن أفلام المسابقة بمهرجان القاهرة الدولي يجب ألا يكون قد سبق عرضها تجارياً, فهل تنازلت إدارة  المهرجان عن هذا الشرط برغبتها؟

https://www.youtube.com/watch?v=m6idT7oee7I

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى