فيلم «سييرا نيفادا».. ملحمة انسانية عن الواقع الروماني الراهن
«كان» ـ عبد الستار ناجي
يمثل المخرج كريستي بويو احد رموز السينما الرومانية بالاضافة الى مواطنه كرستيان مونجو وكلاهما يمثلان خطا سينمائيا عامرا بالخصوصية والتفرد واللغة السينمائية العالية الجودة .
وفي فيلمه الجديد «سييرا نيفادا ـ SIERANEVADA» الذي ينافس به في المسابقة الرسمية لمهرجان كان الـ69، يأخذنا كريستي بويو الى منطقة شديدة الخصوصية يتم من خلالها تحليل المجتمع الروماني في هذه المرحلة من تاريخ رومانيا.
تبدأ احداث الفيلم بعيد ثلاثة أيام من الحادث الارهابي الذي تعرضت له صحيفة «شارلي ابدو» في العاصمة الفرنسية وبعد أربعين يوما من وفاة والده يقوم الدكتور لاري بزيارة منزل والده مع زوجته لحضور التقاليد الدينية بذكرى مرور أربعين يوما على رحيل والده بحضور جميع أفراد أسرته اعتبارا من والدته الى عمته واخوته وزوجاتهم وشقيقاته وأزواجهن، وهناك تبدأ ملحمة انسانية هي في حقيقة الامر كل شيء عن الحالة الاجتماعية الراهنة في رومانيا.
احداثيات الفيلم تبدأ على مدى نصف نهار كامل بها مشهد تمهيدي خارجي وآخر في منتصف العمل أما بقية احداث الفيلم فهي تدور في ردهات وغرف ذلك البيت الخاص بالأسرة الرومانية المتوسطة الحال والتي مرت عبر أجيالها بتاريخ رومانيا مرورا بالارتباط بالاتحاد السوفياتي وصولا الى مرحلة شاوشيسكو والممارسات الدكتاتورية التي تعرض لها الانسان الروماني.
كم من الحكايات المتداخلة والتي تبدو اعتيادية وتقليدية يمكن ان تحدث هنا او هناك احاديث عن الأكل والشرب ومناخ الحزن لفقدان الأب لتأخذ مناحي أخرى من بينها العلاقة التي تربط بين كل رجل وزوجته او كل امراة وزوجها الامور تبدأ بالملاحظات وسرعان ما تتحول الى اعترافات وخيانات ومناوشات وكلما انتهت حكاية تنطلق أخرى.
كل شيء في الاطار الاجتماعي ولكنها في حقيقة الامر السياسة والاقتصاد وغيرها ويحاول لاري ان يبدو متماسكا يحاول اصلاح ذات البين بين افراد أسرته بالذات حينما تتفجر الازمة بين شقيقته الكبرى وزوجها الذي تتهمه بالخيانة المتكررة .
كم من الشخوص تبدو للوهلة الاولى هادئة بسيطة وسرعان ما تتحول الى بركان متفجر قاس حتى رغم محاولة المحافظة على تقاليد الأسرة بانتظار رجل الدين الذي يفترض ان يحضر لاقامة القدس ولكن الانتظار يطول وسط عواصف من الأحداث.
الموت هو الخلفية ولكن الحاضر الاساسي هو تلك الشخصيات الحية ولكنها ميتة الأحاسيس تحاول ان تحافظ على كيان الأسرة الصغيرة الكبيرة بتفرع قضاياها.
طيلة تلك الرحلة يبدو لاري ساخرا متفاعلا مع الجميع متماسكا حتى اللحظة التي تطلب منه زوجته اللحاق بها لانها في مشكلة، وهو المشهد الثاني الخارجي في الفيلم وهناك تحدث مجموعة من المشاكل تكاد تصل الى حافة العنف الذي يتجاوزه لاري بشيء من الهدوء، ولكنه حينما يدخل السيارة مع زوجته ينفجر بالبكاء لانه لا يريد العنف او الموت، وهو يرى كل شيء من حولة متفجرا بالعنف لاتفه الاسباب كما يحدث زوجته عن والدة، ويعترف لها بانه يعرف بان والده الذي كان يعمل طبيبا ارتبط بالكثير من الخيانات والعلاقات المجانية، وحينما تسأله زوجته عما اذا كانت والدته تعلم بالامر يؤكد لها بان والدته كانت تعلم ولكنها ظلت محافظة على كيان أسرتها. بل انه يسرب جملة يقول لها «ومن منا ليس له رذيلة» وكأنه يشير الى علاقاته هو الآخر حيث نشاهد خلال الفيلم يتلقى ثلاثة اتصالات ولكنه يقول لمن على الطرف الآخر «بأنه لا يستطيع الحديث الان».
كما يبدأ الفيلم بالسخرية وبعض الضحكات يعود الفيلم في نهايته الى الضحك وكأن الحياة يجب ان تستمر حتى رغم كل تلك الضغوط العاتية التي تعصف بالمجتمع والأسرة الرومانية التي تطل علينا بعدد من الشخصيات التي تمثل شرائح متعددة من المجتمع الروماني. في الفيلم عدد من نجوم السينما الرومانية ومنهم برانسكو ميمي «لاري» ودانا دجرو «نوسا الام» ومارين جريجور ورولندو متزانجوس..
ونشير هنا الى ان المخرج كريستي بويو حقق شهرة عالمية واسعة بعد فيلمه الثاني «موت السيد لازرازو» وايضا فيلمة «أرورا» وهو في كل مرة مخرج يمتلك أدواته وحرفته وبصمته ولغتة السينمائية التي تعتمد على سيناريو ثري بالقيم والنقد وايضا الكادر الثابت لمزيد من التأمل في الشخصيات، وكأنها تلك الشخصيات تتحرك امام مسرح الكاميرا او كاميرا المسرح ومن هنا أهمية التجارب التي يقدمها هذا المبدع الروماني القدير.