فيلم «كلارا سولا».. تعويذة أرضية عن مشاعر بشرية لا تنسى
الجونة ــ خاص «سينماتوغراف»
فيلم «كلارا سولا» للمخرجة الكوستاريكية السويدية ناتالي ألفاريز ميسين، عُرض عالميًا للمرة الأولى في نصف شهر المخرجين بمهرجان كان 2021، وكان عرضه الثاني للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، اليوم ضمن مسابقة اﻷفلام الروائية الطويلة في مهرجان الجونة السينمائي بدورته الخامسة، مخرجة العمل هذا هو فيلمها الروائي الطويل الأول « 106د»، وكتبت السيناريو له مع ماريا كاميلا أرياس، وتعد ناتالي من خريجات برنامج برلينالي تالنتس، ومختبر صناع أفلام تورنتو السينمائي وأكاديمية مهرجان نيويورك السينمائي، عُرضت أفلامها القصيرة في كثير من المهرجانات حول العالم، وحازت على العديد من الجوائز.
يحمل فيلم «كلارا سولا» غموضاً ساحراً، مشوب بواقعية مغمورة في العالم الحسي، تدور أحدثه في قرية نائية بكوستاريكا، يعتقد السكان أن كلارا البالغة من العمر 40 عامًا تمتلك صلة خاصة بالرب، وبانجذابها إلى صديق ابنة أخيها الجديد، تتحرك جنسانيتها، وتخوض إثرها رحلة تحررها من المعتقدات الاجتماعية والدينية وتصبح سيدة نفسها بفضل القوة الجديدة المكتشفة داخلها.
وفي هذه التجمعات التي يغذيها التدين وأحوال المنكوبين، تعيش كلارا مع والدتها المتدينة، فريزيا (فلور ماريا فارغاس تشافيس)، وابنة أختها المراهقة ماريا (آنا جوليا بوراس إسبينوزا)، التي كان بلوغها سن الرشد يثير يقظتها، لكن أكثر ما يميزها علاقتها بحصان الأسرة الأبيض، الذي تجد فيه عوضاّ عن رفض والدتها طلب طبيب عاجل لتقويم العمود الفقري لابنتها، وتصر على أن يظل جسدها كما أراده الله، مما يدفع ابنة أختها البالغة من العمر 14 عامًا، لتسأل بوضوح، “إذن هل كان يجب أن أبقي أي أسنان ملتوية؟”.
الصفات العذراء الخارقة التي يجب على كلارا أن تبدأ في الاصطدام بها مع الحوافز البدائية التي تغلي بداخلها وتردد صداها في جميع أنحاء الغابة المحيطة، أدى إلى افتتانها بسانتياغو (دانيال كاستانيدا رينكون)، الرجل المسؤول عن رعاية حصانها الأبيض، مما يولد انفجاراً هائلاً يجعل ماريا تحتضن خالتها في حضن يذكرنا بمنحوتة مايكل أنجلو بوناروتي في عصر النهضة.
يدور سيناريو ألفاريز ميسين، وماريا كاميلا أرياس، حول الاستعدادات لماريا كوينسينيرا – روتين الرقص، وتجارب المكياج، والفستان المهم للغاية الذي تصنعه فريزيا باللون الأزرق الذي يمكن أن يكون لون الأم ماري ( راهبة مسيحية) أو لون أحلام الفتاة المراهقة، لكن لا علاقة لكلارا بهذه التقاليد الأنثوية. إنها تنتمي إلى الأرض ومخلوقاتها، التراب وأنسجة العنكبوت والوحل، ومن بين مواهبها الغريزية معرفة (الأسماء السرية) للحيوانات والبشر.
ما يميز كلارا حقًا لا يتناسب مع الشخصية القديسة التي ابتكرتها والدتها. لا تريدها فريزيا أن تكون عادية، ولكن مع براءة الطفل وارتباكه، فإن القرابة الحسية لكلارا مع الطبيعة تعبر عن نفسها بقوة جديدة في جسدها. تقوم فريزيا بفرك أصابع كلارا بالفلفل الحار قبل أن تذهب إلى الفراش، وهو إجراء لمنع الاستمناء، إلا أنها في أول لقاء مع رجل ترتبك، وتصيح، كلارا «هل يجب أن نتدرب على التقبيل؟».
لعب دانيال كاستانيدا رينكون دور سانتياغو بإخلاص طبيعي مذهل، والطريقة التي يصبح بها مركز المثلث النفسي الجنسي مقنعة تمامًا. علاقته الرومانسية مع ماريا تقليدية. صداقته مع كلارا، من نواح كثيرة، أكثر حميمية. مفتونًا بغرابتها، حيث يدرك أن الحياة المتوقفة مؤلمة لتأخذ مسارات أخرى.
تصوير فيلم «كلارا سولا» عمل صعب الحواف ولكنه رقيق، مزيج غريب يتوافق مع البيئة الريفية والنهر الذي يمر عبره، ويعد التصوير السينمائي الذكي لصوفي وينكفيست لوجينز أمرًا حاسمًا في جو الخطر والجمال الخاص بالشخصيات، ويتراوح من اللون الرمادي إلى المبهر الداكن، وفي حمى لا تهدأ تهرب كلارا إلى الغابة الليلية، حيث يبدو منظر طبيعي للأشجار القديمة واليراعات، في مكان ما بين حكاية غرام بدائية وخرافية.
ناتالي ألفاريز ميسين، التي لديها نصف درزينة من الأفلام القصيرة في رصيدها وساهمت في صناعة فيلمين طويلين، على شفتيها: دقات القلب و الأولاد السويديون، وخطوات مؤثرة في صناعة الأفلام الروائية مع التأكيد، وفي عالمها الحميم أفكار من الكنيسة والوثنية، لكنها في «كلارا سولا» تستحضر تعويذة أرضية عن مشاعر بشرية لا تنسى.