فيلم «مولانا» وعلاقته بتفجير الكاتدرائية المرقسية في العباسية بالقاهرة
دبي ـ محمد بوغلاب
قُتل 23 شخصاً وأصيب 49 آخرون في انفجار استهدف الكاتدرائية المرقسية في العباسية بالقاهرة، صباح يوم الأحد 10 ديسمبر، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال تشييع الضحايا في جنازة عسكرية مهيبة إن التفجير تم بواسطة حزام ناسف وان المنفذ إسمه محمود شفيق محمد مصطفى البالغ من العمر 22 سنة وأنه تم إلقاء القبض على أربعة متهمين من بينهم إمرأة (حتى لا يقول أحد إن الإرهاب ميز الذكور على الإناث؟).
وقبل خمس سنوات وفي ليلة رأس السنة الميلادية تعرضت كنيسة القديسين في الإسكندرية إلى الاعتداء عن طريق سيارة مفخخة أودت بحياة أكثر من عشرين “مصريا” لا جريمة لهم سوى أنهم مسيحيو الديانة في بلد أغلبيته مسلمون (لا تعرف أرقام دقيقة ولكن الشائع أن عدد الأقباط يناهز 5 مليون حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ويتراوح بين 15 و18 مليونا حسب الكنيسة المصرية في بلد تعداده أكثر من 90 مليون نسمة)
ينتهي فيلم “مولانا” للمخرج المصري مجدي أحمد علي الذي يشارك هذه الأيام في مسابقة المهر الطويل في مهرجان دبي السينمائي الـ13 بمشهد تفجير كنيسة مصرية بواسطة عبوة ناسفة تركها حسن شقيق فريدة زوجة جلال إبن رئيس الجمهورية (كناية عن جمال مبارك إبن حسني مبارك) الذي خدع كل من حوله بزعمه انه تنصر والحال أنه متطرف كان يخطط منذ البداية للقيام بفعله الشنيع.
هل كان الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى كاتب الرواية “مولانا” وحوار الفيلم الحامل للعنوان نفسه وشريك المخرج في السيناريو يتوقع تفجيرا مدويا مثل الذي جد يوم الأحد الماضي؟، هل توقع ان تكون هدية الأقباط في عيدهم دماء ضحاياهم الأبرياء ظنوا أنهم في كنيستهم بسلام؟.
إحتفى مهرجان دبي السينمائي بشكل لافت بفيلم “مولانا” في عرضه الأول إذ خص بمؤتمر صحفي أداره المدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله آل علي بنفسه وحضر رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة جانبا من المؤتمر الذي توسط منصته الرئيسية المخرج مجدي أحمد علي ترافقه درة زروق – التي لم تعد تحتاج لقبها العائلي للتعريف بنفسها – والتي كان من الواضح أنها بذلت جهدا خاصا لتكون على أهبة الاستعداد للمؤتمر من حيث الفستان والماكياج وطريقة الحديث بغض النظر عن فحواه والحرص على التفاصيل مثل حركة اليدين ورفع الرأس بشيء من التعالي وتحريك أصابع اليدين بلطف ونسق المشي وكيف تدير رقبتها عندما يستوقفها أحد وكيف تبتسم ولأي زمن وفي وجه من…
وخلال المؤتمر الذي أثبت مرة أخرى أن كثيرا من ملة الصحافيين لا ينضبط للمقام فيستغرق السائل في التحليل والتعليق وكأنه في ناد من نوادي سينما الهواة في السبعينات وينسى ان المجال لا يسمح بأكثر من الدقة والإيجاز.
وخلال المؤتمر كان طيف إبراهيم عيسى يحاصر المخرج مجدي أحمد علي مثلما حاصرت الرواية الفيلم فكادت تجهز عليه، وإختار إبراهيم عيسى أن يكون عينا رقيبة في مواجهة المنصة وربما بلغت الرسالة المتصدرين فكالوا له المديح دون حساب.
أنجز مجدي احمد علي فيلما مقبولا ومؤثرا في بعض الأحيان ولكنه فشل في التخلص من سجن الرواية الثقيل، ولعل طول الفيلم (يناهز على الساعتين مرده طول الرواية التي بلغت قرابة 600 صفحة)
وما زاد مهمة السينمائي صعوبة ان بطل الرواية الشيخ حاتم الشناوي صانع كلام ومتحدث بارع فهو إمام خطيب وإن كنا لا نراه إلا لماما على منابر الجوامع فمهنته الأساسية هي شيخ تلفزيوني.
فضيلة الشيخ حاتم الشناوي الذي أوقعته زوجته في شراكها في الجامع بتبادل النظرات والجامع نفسه هو الذي فتح له طريق “الكبار” ليكون شيخهم بعد مغص طرأ بالشيخ فتحي (أحمد راتب في الفيلم دون تميز في الدور).
فضيلة الشيخ حاتم يعرف ميزان نفسه جيدا (هو شيخ تلفزيون يرضي الزبون والمنتج) الذي يبث إعلانات فائقة الطول خلال برنامجه الديني.
يدرك الشيخ حاتم الشناوي جيدا ان المطلوب منه هو الوعظ لا العلم، الدعاية لا الهداية، لذلك ينتقي الشيخ بعناية ما يتفوه به في منبره التلفزيوني فهو يقول لمشاهديه ما يرضيهم لا ما يجب أن يقال لهم فليس كل ما يعرف يقال حتى في الدين مراعاة لإكراهات المجتمع والسلطة السياسية الحاكمة وباعثي القنوات التلفزيونية ومن قد يحيط بهم من نخاسين وقوادين وإن إرتدوا بدلات أنيقة وربطات عنق من أفخم دور الأزياء.
الشيخ حاتم الشناوي موظف بإدارة الأوقاف وإمام جامع، شاب، حسن المنظر، يتزوج أميمة (درة) ويصبران سبع سنوات حتى يرزقا بولدهما عمر، ومن فرط خوف الشيخ على إبنه كان يتعمد قرصه وهو نائم حتى يتأكد من سلامته.
ولأن الخوف لا يمنع الموت (بعبارة الشيخ نفسه) بل يمنع الحياة فقد سقط عمر في غفلة من ابويه في مسبح، سقوط اثر على خلايا الدماغ وهو ما تطلب علاجه خارج مصر، وبسفر الطفل أصبحت شخصية أميمة (درة) عبئا على الفيلم، فحضورها من باب الزيادة التي تقتل المريض وكان بوسع المخرج أن يتخلص من اميمة كأن تموت عند إنجابها لعمر أو تسافر معه للخارج للعلاج ولكنها شروط السوق التي تريد إسم درة ووجهها ليكون بضاعة جاذبة للجمهور.
ولأن (العدل جروب) هي الجهة المنتجة كان لابد من تجنب أي إشارة للسعودية في الفيلم (ضغط لم يكن مسلطا على النص الروائي لإبراهيم عيسى فنحن والحمد لله أمة لا تقرأ إلا قليلا) كما تنازل مجدي أحمد علي عن مكونات بالغة الأهمية لشخصيات فيلمه الأساسية، فأميمة تخون زوجها مع الطبيب، وتعترف بخيانتها ويصفح الشيخ حاتم عنها. والشيخ نفسه خان زوجته مع “نشوى” التي أوقعته في شراكها بدفع من الأجهزة الأمنية حتى يرضخ الشيخ لتعليماتها عند اللحظة المناسبة.
في خطبة العيد يمرض الشيخ العتيق فتحي فجأة فيعوضه الشيخ حاتم الشناوي ليخطب أمام حضرة رئيس الوزراء وجيش من المسؤولين وكبار البلد الذين أعجبوا بخطاب الشيخ الفاتن البسيط الذي ييسر ولا يعسر، يخاتل ولكنه لا يقع في فخ التطبيل، وتفتح له هذه الخطبة الطريق ليصبح نجما تلفزيونيا ولتتغير حاله من حال إلى حال فحتى راتبه الشهري من عمله موظفا في الأوقاف 1200 جنيه يتركها للبواب وما حاجة الشيخ لأموال عمله في الأوقاف بعد أن فتحت له أبواب الشهرة والفلوس دون عد.
منعرج الفيلم كان بلقاء الشيح حاتم الشناوي الذي هو خليط من أربعة من دعاة تلفزيون(كما كشف المخرج في مؤتمره الصحافي) مع جلال إبن الرئيس الذي طلب مساعدة الشيخ في إعادة شقيق زوجته (حسن أحمد كامل منصور) إلى الجادة فقد أعلن حسن رغبته في الإنتقال إلى المسيحية وتغيير إسمه من حسن إلى بطرس، وتبدأ مهمة الشيخ حاتم الشناوي ليدرك إثناءها خطوط التماس مع الأجهزة الأمنية التي تخضع كل شيء لإرادتها، ولا يمكن لها أن تقبل على نفسها أن يظل صوت مؤثر خارج نطاق سيطرتها تماما مثلما يحدث هنا وهناك فيبيع زيد صوته لمن يدفع او من يملك سلطة تعيينه في منصب كبير ويهدي عمرو قلمه أو سحنته التلفزيونية لجهة تملك العقارات الفاخرة واليخوت وسيارات الجاغوار في مسارات الثراء المشبوه.
كل هؤلاء الكبار يحتاجون شيخا فوق المنبر وشيخا يمسك بقلمه الصحفي وشيخا تلفزيونيا وشيخا أو شيخة مغنية للقيام بمهمة واضحة ومعلومة، كل هؤلاء الكبار المتسخين يحتاجون”مورينو” في اكثر من ميدان ليحلل ويحرم ويجعل الخسران نصرا والخيبة نشوة.
وينجح “حسن” في خداع كل من حوله ويفجر الكنيسة القبطية بواسطة عبوة ناسفة أدخلها في حقيبته وينتهي الفيلم مثل نهايات كل التفجيرات التي حدثت في مصر بالتغني بالوحدة الوطنية وأن الدم المصري حرام.
ولكن التفجيرات تتواصل وما تفجير الأحد الماضي إلا برهانا على أن فكر القتل والتوحش قد تمكن من كثير من أبناء هذه البلاد تابوا أو واصلوا في غيهم ، لا تصدق احدا منهم، وأترك توبتهم بيد خالقهم قبل بلوغهم الغرغرة حتى تصدق توبتهم.
الأغلب على الظن أن يفوز”مولانا” بجائزة ما في مهرجان دبي السينمائي لأنه فيلم رغم ثرثرته القولية غني بصريا، مصنوع بجودة تقنية لا يخلو من حوار ثري بالحكم والأقوال المؤثرة في أمة القول حتى وإن أخلفته.
والأرجح أن ينجح “مولانا” تجاريا عند عرضه في الأسابيع القادمة في مصر، والثابت أيضا أننا بتنا عبئا على كثير من خلق الله فما الذي تجنيه الإنسانية منا سوى القتل والتفجير وبث الفتنة؟.