أحداث و تقارير

فيلم «نوَّارة».. السينما عندما تكون صادقة

 

انتصار دردير

بقلم: إنتصار دردير

 

رغم النهاية المحبطة التي جاء عليها مشهد الختام في فيلم «نوارة» الا أن التصفيق اشتعل من الحضور خلال العرض العالمي الأول للفيلم بمهرجان دبي السينمائي، فالنهاية بدت حتمية ولا مفر منها، فكيف يمكن أن يتصور المرء نهاية وردية في واقع ظالم وشديد الاحباط، وقد جاء الفيلم يفيض صدقا وشجنا وهو يتعرض لشخصيات مهزومة في مواجهة واقع مرير لكنها تقاوم بكل ثقة وتتطلع الي أي بارقة أمل حتي لوكانت كاذبة.

 لا يتناول الفيلم ثورة يناير بكل ما أحدثته من زلزال سياسي، وانما يرصد انعكاس أحداثها علي الناس، من خلال رحلة بطلته «نوارة» الخادمة البسيطة التي تعيش بين عالمين متناقضين، عالم الفقراء الذي تنتمي له، وعالم الأثرياء الذي تعمل فيه، تستعرض المخرجة ومؤلفة القصة وكاتبة السيناريو والحوار المبدعة هالة خليل هذا التناقض الصارخ، بينما البطلة نوارة عقدت قرانها وبقيت خمس سنوات في انتظار العثور علي شقة تؤويها وزوجها، تعيش بغرفة وحمام مشترك مع جدتها بمنطقة عشوائية تفتقر أبسط مقومات الحياة، يعيشون بلا مياه ولاخدمات، وتخشي جدتها بائعة «الطعمية العجوز» القديرة رجاء حسين «أن تموت ولايجدون ماء لغسلها»، تتوارد أخبار من أجهزة الاعلام الرسمية عن عودة الاموال المهربة وعن توزيع هذه الأموال علي الفقراء ليحصل كل منهم علي مائتي ألف جنيه.

 تنتعش أحلام الفقراء في ثورة سوف تنصفهم أخيرا، يبنون قصورا من الرمال استنادا لما يردده الخبراء في الراديو والتليفزيون «مصر مش بلد فقيرة والمليارات المهربة ستعود ولن يكون بيننا فقير واحد»، فيما يرصد الفيلم واقع الثورة علي رجل الأعمال الوزير السابق وأسرته محمود حميدة، يبدو الوزير واثقا أنها هوجة ستهدأ فيقول «الثورة قامت لكن القيامة لم تقم وكل حاجة هترجع زي ما كانت بالظبط»، تتوالي أخبار التحفظ علي أموال كبار رجال النظام وتدفعه زوجته للهرب الي لندن «تؤدي دورها ببراعة شيرين رضا» خوفا من مصير الآخرين، وتترك القصر في عهدة «نوارة والبواب» يؤديه القدير أحمد راتب، تطلب منها نوارة مبلغا كسلفة لعلاج والد زوجها المريض، حين تصل الشرطة للتحفظ علي أموال الثري يكون قد هرب بينما تتهم نوارة بسرقة الأموال ليؤكد الفيلم أن الذين سرقوا وأثروا هربوا بينما الفقراء يدفعون الثمن.

 في ثالث أفلامها الروائية تبدو هالة خليل وقد امتلكت كل أدواتها فقدمت فيلما شديد الواقعية واختارت فريق عمل متناغما قادته بمهارة كبيرة، فهاهي بطلتها منة شلبي تمثل كما لم تمثل من قبل فقد أعطاها الفيلم فرصة كبيرة لاظهار موهبتها فجاء أداؤها طبيعيا، صادقا، لم يفلت منها مشهد واحد، وقد استحقت بجدارة جائزة أفضل ممثلة بمهرجان دبي السينمائي، ورغم قلة مشاهد محمود حميدة يبقي حضوره طاغيا طوال الفيلم بأدائه البارع، ويعزف الممثلون جميعهم نغمة أداء بديعة، ثم هذا الاكتشاف للممثل الشاب أمير صلاح الدين، وقد أرادت المخرجة بوعي شديد أن تؤكد حق النوبيين أبناء مصر أن يكونوا من أبطال الدراما وليسوا – كما اعتادت السينما أن تقدمهم – في أدوار البوابين.

وكان التفوق حليف كل عناصر الفيلم الفنية من ديكور معبر لهند حيدر وتصوير زكي عارف، ومونتاج مني ربيع والمنتج صفي الدين محمود الذي تحمس للفيلم بعد أن خشي منه منتجون آخرون، ورغم أن الفيلم يثير حزنا وشجنا الا أنه يمنحنا بارقة أمل، إنها السينما عندما تكون صادقة.

بوستر نواره

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى