فيلم هندي يثير السخرية من الواقع السياسي العالمي
«بدونك يا بن لادن» يكشف وهم الحرب على الإرهاب
«سينماتوغراف» ـ أسامة عسل
كلما غاص العمل السينمائي في أعماق الواقع وسبر أغوار النفس الإنسانية بجرأة ازدادت قدرته على التأثير في مشاهديه، وكلما أثار الرغبة في التفكير والتأمل بقى في الذاكرة وكتب لنفسه شهادة البقاء.
من هذه النوعية يأتي فيلم »Tere Bin Laden« الذي يترجم باللغة الأردية في شبه القارة الهندية إلى »بدونك يا بن لادن«، وهو ويعكس في مضمونه المثير للجدل مفهوماً مختلفاَ لتداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر في قالب كوميدي ساخر يجعل من زعيم القاعدة أسامة بن لادن خياراً وحيداً أمام البطل لدخول الأراضي الأميركية.
اعتمد الفيلم طريق الضحك ليمرر رسائل كثيرة ورغم تكلفة إنتاجه المنخفضة جاء معبراً عن توجهات بوليوود في السنوات الأخيرة من خلال تقديمها أعمالاً تتناول الهجمات التي أثرت على الجميع ولكن من منظور مختلف ومنها فيلمي «نيويورك» و«أسمي خان».
فيلم »بدونك يا بن لادن« من بطولة نجم البوب الباكستاني علي ظفار مع مجموعة من الممثلين راهول سينغ وبيوش ميشرا وباري جون والثلاثي شانكار وإحسان ولوي، كتبه وأخرجه أبهيشك شارما وتم تصويره في مومباي التي وقعت فيها الهجمات الإرهابية المروعة خلال شهر نوفمبر من عام 2008.
» بدونك يا بن لادن« ليس مجرد حدوته أو حكاية بل رؤية ووجهة نظر في الواقع السياسي العالمي حيث ينفذ إلي عمق الحقيقة من دون افتعال أو تزويق ويصبح بالتالي مرآة من مرايا الحياة نرى فيها أنفسنا وواقعنا وحياتنا وزماننا.
تدور أحداثه في مدينة كراتشي جنوبي باكستان، حول مراسل صحفي طموح (على حسن) يعمل في قناة تلفزيونية ذات إمكانات محدودة في حاجة ماسة إلى الهجرة إلى جنة الغرب ـ الولايات المتحدة الأميركية.
لكن في كل مرة يقابل طلبه للحصول على التأشيرة بالرفض وبعد ستة محاولات لا يجد مفراً في المرة السابعة سوى الموافقة على انتحال شخصية شاب متوفى من خلال أوراق جديدة يتم تزييفها مقابل مبلغ كبير من المال أو يضطر كما تهكم عليه صاحب مكتب السفريات الذي يساعده بالذهاب إلي أفغانستان ثم العراق وتسليم نفسه للجنود الأميركيين باعتباره من المجاهدين ليرحلوه مجانا إلي غوانتوناموا.
يلتقي الصحفي الشاب بمحض الصدفة مع مربي دجاج يشبه بن لادن خلال تغطيته لمهرجان الدجاج الذي يستعرض صوت وشكل هذه الطيور.
فتخطر في باله فكرة إجراء حوار معه وتسجيله في فيديو على أنه زعيم القاعدة الحقيقي ويبيعه إلي صاحب القناة التلفزيونية التي يعمل بها ويكسب مبلغاً كبيراً من المال يوزعه على من ساعدوه في تنفيذ وإخراج هذا الفيديو الذي سرعان ما تعرضه المحطات الأميركية ويحقق انتشاراً وروجاً عن صحة بن لادن الجيدة وتهديده للمصالح الأميركية حول العالم .
ما يدفع أميركا إلي إحكام سيطرتها على من يدخل إليها، ويزداد موقف الصحفي تأزما مع رفض السلطات الأميركية إعطاء تأشيرات للنازحين إلي أراضيها وإعلانها الحرب في أفغانستان على طلبان وإرسال مخابراتها إلي باكستان لمعرفة حقيقة الفيديو ومكان بن لادن.
يرصد الفيلم ببساطة شديدة أحلام الشباب في الشارع الباكستاني مثل الفتاة التي تعمل في مكتب سفريات لتزييف الأوراق والصور بالكمبيوتر من أجل كسب أموال تمكنها من فتح صالون تجميل.
أو المذيع الذي يعمل في ظروف قاسية وبإمكانيات ضئيلة لتحقيق أي نجاح أو شهرة، أو التاجر الشاب الذي يشبه بن لادن ويضطر لتربية الدجاج وبيع البيض، بالإضافة إلي عناصر ومفردات كثيرة نقلتها الكاميرا لهموم الناس وتطلعاتها وبلورها سيناريو العمل بذكاء.
كما جاءت المشاهد الكوميدية رائعة ومكتوبة بعناية كبيرة، منها لقطات التترات الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر وسفر المراسل الصحفي على متن طائرة إلي نيويورك وكل ركابها من الأميركيين وردود أفعالهم الفزعة من حديثه مع نفسه بصوت مسموع عن لقاءات مع الرئيس بوش وبن لادن.
ويزداد الموقف سخرية وتعقيداً حينما تسقط سكين الطعام من المضيفة فيأخذها ويتوجه إليها في محاوله من جانبه للتعبير عن إعجابه فتنظر له متوجسة خيفة قبل أن ترى السكين في يده فتطلق صرخة تترجم إحساس الأميركي بالشك تجاه كل ما يوحي بالإرهاب.
كذلك كان مشهد تسجيل شبيه بن لادن في الأستوديو جالبا للقهقهة خصوصاً عندما يسقط على يده سائل لاصق يصعب إفلات القنبلة من كفه فينزع فتيلها ولولا تدخل الديك لأنفجر شبيه بن لادن وقطع إلي أجزاء وفي محاولة من الصحفي للتخفيف عن حزن صاحب الديك على موته يخبره بأنه يعتبره شهيداً لبطولته في إنقاذ المكان والجميع.
ولم يخفف الفيلم من انتقاد أميركا وتورطها في الحرب على الإرهاب، حيث يظهر ذلك جلياً في مشهدين الأول خلال البحث عن بن لادن في أفغانستان رغم كل المؤشرات التي تؤكد من خلال الفيديو وجوده في باكستان وتعمد خداع الرأي العام الأميركي بأنهم قتلوا حمار بن لادن وفي طريقهم للعثور على بن لادن نفسه، أما المشهد الثاني عندما يكتشف رئيس المخابرات حقيقة شبيه بن لادن فيتم استغلالها لتأكيد صورة أميركا القوية في عيون العالم.
ورغم كآبة الواقع السياسي المفجع بكل صورة وتداعياته يسعى الفيلم إلي تغييره أو تحسينه على الأقل، فهو دعوه للتحريض ضد الاستسلام للظروف القاسية حيث يعلن في نهايته أن الحياة ستستمر مع كل مرارتها وسخريتها، وإذا كنت تلاحق أميركا فمن الذكاء أن تجعلها تلاحقك كما فعل بطل فيلم «بدونك يا بن لادن».