في الذكرى الـ 78 لميلاد «النمر الأسود».. كواليس شخصيات جسدها أحمد زكي رافضاً الدوبلير
«سينماتوغراف» ـ منى حسين
التقمص الانفعالي وتقديم الشخصيات بحرفيّة شديدة أهم ما يميز موهبة الممثل المصري الراحل أحمد زكي الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده في 18 نوفمبر 1946، بمدينة الزقازيق، مصر
أحمد زكي صاحب الموهبة الكبيرة التي ميزته عن كثيرين من أبناء جيله كان حريصًا طوال الوقت على تقديم المشاهد الصعبة بنفسه دون الحاجة لدوبلير والتدرّب عليها، ليس فقط عن طريق الملابس والإكسسوار لكنه كان يحاول أيضاً الوصول إلى روح الشخصية والتعايش معها فتتحول إلى لحم ودم، مهما كانت الصعاب التي يتحملها من أجل لقطة أو مشهد في أفلامه.
وكشف الفنان أحمد زكي قبل رحيله عن كواليس تصويره مشهد ثلاجة الموتى في فيلم “موعد على العشاء” 1981، الذي أدّى بطولته أمام الفنانة سعاد حسني وحسين فهمي، ومن إخراج محمد خان الذي أخبره أن المشهد سيكون في المشرحة، فطلب منه أحمد زكي أن يدخل بنفسه في ثلاجة الموتى لكي تقدم سعاد انفعالات المشهد أمامه بأفضل ما يمكن، فهي تقدم شخصية زوجة مكلومة قتل زوجها غدراً وتنتقم له في نهاية الفيلم. زكي اضطر إلى أن يكتم تنفسه بسبب الرائحة الكريهة لمادة الفورمالين المستخدمة لحفظ الجثامين، ولأنه أيضا “جثة” لا تتحرك، لكنّ سعاد أخذت وقتاً في الانفعال، وبعد خروجها نسيه الحضور في الثلاجة لانشغالهم بإفاقة سعاد التي تعرضت لإغماءة نتيجة الانفعال الشديد.
أحمد زكي فوجئ بأن المشرفين على الثلاجة اختاروا له المكان نفسه الذي وضعت فيه كوكب الشرق أم كلثوم وشاه إيران كنوع من التقدير له، حسب تصريحاته.
وفي تصريحات له عن الوقت الذي قضاه داخل الثلاجة، قال “أحسست بأن أعصابي كلها تنسحب، وكنت أضغط على قدمي لتنبيه أعصابي“.
وفي فيلم “البريء” 1985 حيث قدم أحمد زكي شخصية عسكري الأمن المركزي، ولأنه كان يعتمد على المخزون الذي كونه من تفاعله مع الأنماط المتعددة في الحياة، فكان طبيعياً أن يجيد زكي كل تفاصيل الشخصية، فهو يهتم بالملامح الرئيسة للشخصية وسماتها ومكوناتها النفسية من أجل اكتمال الصورة، وهو ما كشف عنه مدير التصوير سعيد الشيمي الذي حكى أنه قبل التصوير كان يقف مع المخرج عاطف الطيب في التجهيزات، فقال له الطيب “أنا عايز أحمد زكي يمشي زي العسكري اللي جاي هناك ده” (أريد من أحمد أن يمشي مثل ذلك العسكري القادم من هناك)، وحينما اقترب منهما فوجئا بأنه الفنان أحمد زكي بالفعل، وقد قرر ارتداء ملابس الشخصية وتقمص طريقتها في المشي، ليقدم الشخصية بصورتها الواقعية.
كما أصرّ الممثل الراحل على عدم الاستعانة بدوبلير (ممثل بديل)، وتقديم مشهد نزول الترعة فجرًا بنفسه وبقي في الماء البارد ساعات طويلة جعلته يصاب بالتهاب رئوي حاد.
شخصية الصعيدي المتمرد في فيلم “الهروب” 1988 تطلبت منه أن يصور مشهداً فوق سطح القطار الذي يتحرك بسرعة شديدة كانت تودي بحياة أحمد زكي وقتئذ، فلم يلحظ اقتراب أحد الأسلاك الكهربائية المنخفضة لولا أن أنقذه أحد الفنيين الذي قفز إلى جواره وأنزله من على سطح القطار سريعًا. وفي لقاء لأحمد زكي قال إنه رفض أن يستعين بدوبلير في المشهد لرغبته في تقديم المشاهد الصعبة والحقيقية في الفيلم لكنه كاد يموت في هذا المشهد، ولا يعلم مصيره إذا توفي في ذلك الوقت لأنه لا يوجد تأمين على الممثل من أجل ورثته.
وفي تقديمه لشخصية البواب في فيلم “البيه البواب” 1987 للمخرج حسن إبراهيم، أراد أحمد زكي أيضًا أن يكون مقنعاً في تقديمه لشخصية الريفي الفقير بكل مشاعره السلبية في الحياة، فقرر عدم الاستحمام مدة أسبوع من أجل أن تصبح حالة ملابسه متواضعة، وفي مشهد أغنية “أنا بيه.. أنا بيه” ولأن المشهد يتطلب العكس ذهب إلى الفندق الذي يقيم فيه وغيّر ملابسه.
وبعكس شخصية أحمد زكي في الواقع، فأثناء تصويره فيلم “زوجة رجل مهم” 1987 الذي قدم فيه شخصية ضابط أمني، ظل زكي طوال التصوير يتعامل مع من حوله بطريقة مختلفة عن خفّة ظله، فكان عبوسًا طوال الوقت ولا يضحك من أجل أن يكون ذلك جزءاً من ملامح وجهه في أثناء التصوير، فالشخصية تعاني عقدًا نفسيه.
وتعرّض الفنان أحمد زكي للإصابة في كواليس فيلم “النمر الأسود” 1984، وذلك في مشهد جمعه بالفنان يوسف فوزي. وجسّد زكي في الفيلم شخصية لاعب ملاكمة محترف، وقد طلب فوزي من المخرج عاطف سالم عدم تصوير أحد المشاهد التي يقوم فيها بضرب زكي الذي أراد منه أن يقدم المشهد كما يجب، لحرصه على أن يخرج المشهد بأفضل ما يمكن، فوجّه له فوزي ضربة أسفل القفص الصدري جعلت أحمد زكي يسقط مغشيًا عليه.