آخر الأخباراحتفالياتالأخبارتكريماتراحلونسينما مصريةنجوم و أفلام
في ذكراها الرابعة: الوجه الآخر لمريم فخر الدين
طاهرة، إلهام، بلبلة هانم، وسالي، ومدام زيزي
“سينماتوغراف” ـ جايلان صلاح
الأسبوع المقبل تحل الذكري الرابعة لرحيل النجمة “مريم فخر الدين” التي غادرت دنيانا في الثالث من شهر نوفمبر عام 2014.. مريم لفظت أنفاسها بعد صراع طويل مع المرض وبعد إجراء عملية إزالة تجمع دموي من المخ.. وعلي الرغم من نجاح العملية إلا أن حالتها الصحية تدهورت لتفارق الحياة اثر مضاعفات الجراحة تاركه أكثر من 240 فيلماً سينمائياً رصيد مشوارها السينمائي الطويل.
كل البشر يتذكرون مريم فخر الدين في أبهى صورها؛ الأميرة الأنيقة الحالمة إنجي، والتي شكلت مع الضابط علي قصة حب تضاهي جاك وروز في “تايتانيك” وخلدت فيلم “رد قلبي” 1957 في قلوب الناس ربما أكثر من تعلقهم بمضمون الفيلم السياسي والاجتماعي التقريري. المصريون بل والعرب أجمعهم يذكرون مريم أيضاً وشعرها الأشقر الجميل يتجاوب لغزل عبد الحليم حافظ أثناء غناءه “بتلوموني ليه” في فيلمه الأشهر “حكاية حب” 1959. كثيراً من أدوار مريم فخر الدين تتشابه وتتداخل، فهي لملامحها الأوروبية الناعمة التي ورثتها عن والدتها المجرية، والتي مزجتها بجمالها المريمي البريء، حصرت كممثلة في أدوار الفتاة البريئة المظلومة، أو المحبة الولهانة العاشقة، وعند تقدمها في العمر، أدت آلاف الأدوار الثانوية كأم لعديد من فناني وفنانات السبعينات والثمانينات.
لكن، في مسيرة الفنانين الذين ينحصرون في أدوار بسبب أشكالهم أو براعتهم في تأديتها أو ربما محدودية قدراتهم التمثيلية، يوجد دور أو اثنان يشكلان نقطة فارقة وهامة في تاريخ هذا الفنان، حتى وإن لم يبرع في أداء هذه الأدوار المختلفة فإنه على الأقل يكون قد تمرد بتنوعه على القالب الذي صبه فيه المخرجون والمؤلفون، ويثير دهشة محبيه واستنكارهم أحياناً. لنحاول أن نتعرف على تمرد مريم فخر الدين، علينا أن نبحث جيداً في دفتر أوراقها السينمائية، فربما نعثر وسط المائتي وأربعون فيلم على ما يشد انتباهنا ويفتح أعيننا على مريم أخرى لم نكن نعرفها.
“سعدية” .. الفلاحة المثالية البريئة:
من الصعب أن يتخيل أحد قيام مريم فخر الدين بدور فلاحة، فوجهها حاد القسمات، وأنفها الرومانية وشعرها الأشقر يجعلونها بعيدة كل البعد عن فكرة المرء عن الفلاحة المصرية مهما كانت جميلة. لكن عام 1954 قامت مريم ببطولة فيلم “الأرض الطيبة” من إخراج زوجها وقتها “محمود ذو الفقار” وقامت فيه بدور فلاحة، طيبة ورقيقة و-كالمعتاد- محط حسد وحقد زوجة أبيها والتي تدبر لها المكائد والشر لئلا تقاسمها في الميراث.
“طاهرة” .. الفتاة المتدينة:
عادة ما تهرب السينما من تجسيد دور الفتاة المتدينة بالصورة الوعظية الكاريكاتورية مثل التي تقدمها مريم هنا في فيلم طاهرة إنتاج عام 1957 ومن إخراج فطين عبد الوهاب. تجسد مريم دور فتاة متدينة محجبة مثالية لدرجة غير حقيقية، وفي بوستر الفيلم، نرى صورة مريم وقد ارتدت حجاباً أبيض، وبدت أشبه بالعذراء أكثر منها فتاة متدينة عادية، واحتضنت اللص التائب الذي يقوم بدوره محمود إسماعيل، مما يضفي عليها هالة أشبه بتلك التي تحيط بالقديسين في الأيقونات.
“إلهام”.. المرأة اللعوب المثيرة (villainess):
قد يندهش أكثرنا عند اكتشافنا أداء مريم فخر الدين لدور المرأة اللعوب كما وصفها الكتاب. في فيلم الإثارة “مع الذكريات” إنتاج عام 1961 وإخراج سعد عرفة، تقوم مريم بدور إلهام، ممثلة شابة لعوب وجميلة، لا تهتم سوى بنفسها وتستغل كل من حولها في سيناريو محكم تحيكه بنفسها، حتى تخرج الوحيدة المنتصرة من وسط جميع الرجال الذين يدورون في فلكها، أحمد لوكسر الفنان الشاب، وأحمد مظهر خطيبها المخرج العبقري، وحتى الأحدب القبيح مدبولي (يقوم بدوره صلاح منصور) والذي تستغله طعماً في مناوراتها ومكائدها. ربما لم تقدم مريم دوراً بمثل هذه الجرأة والشر في تاريخها كله.
“سالي”.. الفنانة التي انحسرت عنها الأضواء:
ربما لا يكون فيلم “الأضواء” إنتاج عام 1970 فيلماً مميزاً بأي شكل، فهو يتحدث مثل كثير من أفلام السبعينات عن رحلة صعود امرأة جميلة من القاع إلى قمة الشهرة والمجد، سواء في عالم السينما أو الصحافة أو غيرهما. وفي فيلم الأضواء من بطولة ناهد يسري وإخراج حسين حلمي المهندس، تقوم مريم فخر الدين بدور شجاع عن فنانة انحسرت عنها الأضواء بعد أن كانت نجمة جميلة ومعشوقة القلوب، حتى أنها تضطر للظهور في دور مهين أمام الفتاة التي كانت تعمل خادمة لديها، والتي أصبحت الآن بطلة بحكم صغر سنها.
“ليليان”.. امرأة عابثة تبيع ابنتها لأغنى مشتر:
تكاثرت الأقاويل عن فيلم “حافية على جسر من ذهب” إنتاج عام 1976 وقيل أنه يحكي قصة حياة الفنانة اليهودية الجميلة كاميليا، وحبها للمخرج أحمد سالم، ووله الملك فاروق بها والذي جسده ببراعة سادية في الفيلم الفنان الأسطوري عادل أدهم في دور عزيز، وتابعه الكل وهو يعذب ميرفت أمين في محاولة منه لامتلاكها وتجريدها من كل ما تحب حتى سعت لنهايتها كفراشة تحترق بنار الشمس، شمس المعرفة والنجومية في آن واحد. الفيلم من إخراج والسيناريو غني بالتفاصيل والشخصيات الثرية، ومن أهمها شخصية ليليان والدة كاميليا، والتي تجسدها مريم بنعومة وسلاسة. ليليان امرأة مستهترة، ولائها الوحيد للمال والثراء، حتى أنها تترك ابنتها فريسة لعزيز وسطوته، بل وتحاول التوفيق بينهما على حساب سعادة ابنتها، وتتجاهل فظاظة عزيز وساديته في مقابل الهدايا التي يلقي بها إليها. نادراً ما نرى ليليان تفعل شيئاً سوى لعب القمار أو التدلل لعزيز، وهي تمثل النقيض التام لشخصية ابنتها كاميليا الرومانسية الطموحة.
“نبيلة هانم” .. عجوز ثرية متصابية:
في هذا الفيلم الشبابي إنتاج عام 1994، وإخراج عبد اللطيف زكي، تقوم مريم بدور خفيف الدم لامرأة عجوز متصابية، تعشق الزواج بصغار السن، وتستغل ثرائها للحصول على زوج مثالي شاب من الفقراء الراغبين في تحسين دخلهم. هنا ولأول مرة تقريباً تكشف مريم عن جانب خفة دمها وروحها المرحة بينما بلبلة هانم الأرستقراطية تختار مابين شلة الأصدقاء الثلاثة، أحمد آدم وفاروق الفيشاوي والمنتصر بالله عريساً مناسباً لها، وتعزف البيانو في محاولة لإغراءه على الطريقة الكلاسيكية.
“مدام زيزي” .. قوادة:
في دور آخر خفيف الظل في مشهد واحد من فيلم “النوم في العسل”، تبرز مريم فخر الدين كزيزي القوادة والتي يلجأ إليها العميد مجدي نور لبحث مشكلة تفشي العجز الجنسي بين الرجال في مصر. ورغم قتامة فكرة الفيلم والذي أنتج عام 1996 وكتب قصته والسيناريو والحوار وحيد حامد وأخرجه شريف عرفة، والبعد الاجتماعي والسياسي الهام الذي يتحدث عنه، إلا أنه لا يخلو من مواقف كوميدية ذكية مثل مشهد حوار العميد مجدي (الفنان عادل إمام) مع زيزي وتذكرها لأيام الدعارة الجميلة في الماضي، حينما كان كل شيء “بمزاج”.
رحم الله مريم فخر الدين وعطاءها السينمائي لأكثر من 60 عاما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر: “موسوعة السينما العربية”