بلاتوهات

في مئويته هذا العام | محمود مرسي .. بريق السينما الذي لا يغيب

«سينماتوغراف» ـ  نضال ممدوح

ولد عملاقاً منذ طلته الأولى على شاشة السينما، فهو موهبة استثنائية يجعلك تنسى أنك أمام ممثل، أنه السهل الممتنع الذى يمنح بكل مشهد يؤديه درساً فى كيفية تعايش الممثل مع الشخصية، ومتى يغادرها، وبالطبع في ذكرى مئوية ميلاده هذا العام (7 يونيو 1923)، سيصيبك محمود مرسى الذي رحل يوم (24 أبريل من عام 2004) بالدهشة وأنت تحاول أن ترسم له صورة متخيلة كان عليها، فمع كل دور يؤديه تسكنه الشخصية بتفاصيلها الدقيقة، ويتماهى معها بصورة تدهشك فتحتار هل تناديه الدكتور الجامعي في «الباب المفتوح» أو عيسي الدباغ في «السمان والخريف» أم عتريس بطل «شيئ من الخوف»، أو بدران في «أمير الدهاء»، أم أنه طلعت أفندي وكيل الوزارة في «حد السيف»، أو الشاويش محمد في «أغنية علي الممر».

عتريس في فيلم شيء من الخوف
عتريس في فيلم شيء من الخوف

مزج أول

كل هذه الأدوار وغيرها التي تشربها وأستنسخ أرواحها تماهي مع حيواتها في أحاسيسها بأفراحها وأتراحها، في شيطنتها وملائكيتها، في إنكساراتها وإنتصاراتها، في ضعفها وقوتها، وفي إنسانيتها بكل ما تحمله من متناقضات، لكنها في النهاية تبقي إنسانية متعددة الأبعاد وليست قالبا مصمتا أجوفا.

محمود مرسي.. بريق السينما الذي لايغيب، ونحن نسلط الضوء على بعض وليس كل أدواره عبر الشاشة الكبيرة، لا تغيب عنا مشاهده التي علقت بالذاكرة وكان بطلها، وربما أشهرها عتريس الطفل الرقيق وهو يناغي الحمام ويهدهده العاشق المتيم في حب رفيقة الصبا فؤادة، والذي سرعان ما يحوله مقتل جده القاهر الأكبر إلي طاغية متجبر فتوة ظالم، وهو يعد الجد بأخذ ثأره من أهالي القرية جميعا وليس قاتله فقط، وبعيدا عن الطرح السياسي الذي حمله ثروت أباظة للرواية / السيناريو إلا أن هناك قليلين تعاطفوا مع عتريس، وكنت واحدة منهم، تعاطفت مع عتريس الإنسان المجبول علي ما يكرهه، وألقيت باللائمة علي فؤادة إنها لم تحاول أن تستغل شغفه بها لتنفض التراب الذي علق بروحه وتعيده لمعدنه الأصيل المحب النقي، قليلين أيضا مازالوا يذرفون الدمع عندما يصل شريط السلوليد إلي مشهد نهاية عتريس بالحصار والحرق وعيناه محملة بكل ماشهدته حياته من مآسى.

فؤاد في فيلم الباب المفتوح
فؤاد في فيلم الباب المفتوح

مزج ثانى

فؤاد الدكتور الجامعي ونظرات عينيه تلتهم قدمي جميلة في حفل خطبته علي ليلي في «الباب المفتوح»، نظرات تفضح زيف شعاراته عن الفضيلة والأخلاق، وتكشف نفاق منظومة إجتماعية كاملة بكل ما فيها من عادات وتقاليد العيب والحرام واللي «يمشي علي الاصول عمره ما يتعب» ففي الوقت الذي يختار فيه فؤاد ليلي كزوجة وأم مستقبلية لأولاده يشتهي جميلة التي يدينها ويعتبرها إمرأة رخيصة ساقطة، يطارد ليلي بمبادئ الأخلاق والمثالية بينما يمارس في الخفاء كل ما يستهجنه، يتماهى محمود مرسى مع الشخصية تماما فيجعلك تمقت الدكتور فؤاد.

طلعت افندي في فيلم حد السيف
طلعت افندي في فيلم حد السيف

مزج ثالث

طلعت أفندي وكيل الوزارة في «حد السيف» يهوى الموسيقى ويجيد العزف على آلة القانون، وتحت وطأة الحاجة وسوء الحالة الاقتصادية يضطر بإيعاز من بعض أصدقائه إلى العمل مع الراقصة سوسو بلابل فى إحياء الأفراح والحفلات، ويلجأ طلعت إلى التخفي والتنكر ليستطيع العمل في الفرقة الموسيقية للراقصة كعازف على آلة القانون وهو الأمر الذي لا يتناسب إطلاقاً مع الوجاهة الاجتماعية والمستوى الذي ينبغي أن يظهر فيه كوكيل وزارة محترم، ولكن مع وطأة الظروف الاقتصادية السيئة وتحت ضغط المصاريف الزائدة عن مرتبه بعدة أضعاف، يضطر الأستاذ إلى قبول مهنته الجديدة بصدر رحب، ولكنه يتعرض وأسرته وأولاده للعديد من المواقف المحرجة نتيجة لظهوره في هذا العمل الذي لا يتناسب مع مكانته الاجتماعية إلي أن يعترف أخيرا أبنائه به ويفتخرون بفنه وإبداعه.

الشاويش محمد في فيلم أغنية على الممر
الشاويش محمد في فيلم أغنية على الممر

مزج أخير

الشاويش محمد وهو يغني أغنية علي الممر «أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشى يا ضحكة مصر»، تلك الملحمة الشعرية التي صاغت قصة خمسة جنود مصريين يتمسكون بالدفاع عن إحدى المواقع الحصينة بدافع إيمان شخصى منهم، بعد انسحاب القوات المصرية من سيناء، وعندما ينتهى السلاح والماء والغذاء يقتاتون بالأمل والأغنيات وقص الحكايات عن الحياة المدنية التي خلفوها ورائهم، وهناك نري الشاويش محمد فلاح يكدح بجد وتعب من أجل أرضه، يزرعها بحب ويدافع عنها بعشق رغم خذلان قادته يؤثر جنوده علي نفسه بشربة الماء الأخيرة، ويلهب الأمل والمقاومة في عروقهم ليمنع عنهم الإستسلام لميكروفونات ومنشورات العدو الإسرائيلي التي يلقيها عليهم ليستسلموا.

 الشاويش محمد الشهير بمحمود مرسي رفض ترشيحه للفوز بجائزة الدولة التقديرية في مصر لكونه ممثل، وذكر أنه لا يرى أن الممثل مبدعًا مؤكدًا أن تلك الصفة تنطوي على المؤلف والمخرج، لأن الممثل لا قيمة له دون مؤلف جيد ومخرج له نفس الصفة. هذا الفنان الزاهد العازف عن ضجيج الأضواء والشهرة لم تستطع النجومية التى حققها أن تزيفه، وظل معلما ومربيا فاضلا تتلمذ علي يديه العديد من كبار الفنانين الذين تشرفوا بأن يكون محمود مرسي استاذا لهم بمعهد السينما، ولم يتزوج سوي مرة واحدة من الفنانة سميحة أيوب وأنجب منها ولده الوحيد «علاء» والذي يعمل طبيب نفسي.

عيسى الدباغ في فيلم السمان والخريف
عيسى الدباغ في فيلم السمان والخريف

عتريس، أو فؤاد، أو طلعت أفندي، أو عيسى الدباغ، وهم في الأصل جزء من العملاق محمود مرسي الذي كان صادقا في حياته وحتي مماته، كتب نعيه بنفسه وقال في سيرته الذاتية: «الآن، عندما أنظر الى مشواري الفني أشعر بالسعادة بسبب الأعمال الكثيرة الهابطة التي رفضت الاشتراك فيها بلا تردد، احترمت جمهوري ولم ابتذل نفسي ولم أستهن بزملائي، ربما أجد نفسي غير راضٍ عن بعض أعمال ولكن ليس هناك ما أخجل منه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى