قراءة في كتاب: رؤية نقدية في مشوار النجمة السينمائية ليلي علوي
القاهرة ـ «سينماتوغراف»: انتصار دردير
اختار الناقد الكبير كمال رمزى اسمها الأول «ليلى» عنوان لكتابه واكتفى به تاركا لصورة حالمة تكشف عن صاحبة الكتاب النجمة ليلى علوى، وقد أصدره مهرجان الفيلم القومى بالقاهرة فى إطار تكريمها عام 2015، بعد مشوار طويل ومثير قطعته فى السينما، منذ مايزيد عن ثلاثين عاما، بدأته طالبة صغيرة بالمدرسة وحققت خلاله نجومية كبيرة عبر أكثر من 70 فيلما شاركت بها.
بقلمه الرشيق وأسلوبه البديع ورؤيته النقدية الموضوعية يقلب كمال رمزى صفحات من مشوار ليلى علوى، منذ البداية مرورا بسنوات الـتألق ومراحل النضج الفنى، ويبدأه بتتبع خطواتها الفنية الأولى، ويرصد بعض تجاربها المهمة، ويتركها تدلى بشهادتها على أهم أفلامها وأدوارها وكيف تعاملت معها، ثم ينفرد هو باختيار عشرة أفلام فى مشوارها، يتناولها بالنقد والتحليل العميق الذى يكشف لك عن ملامح جديدة لأداء النجمة يجعلك تسارع لمشاهدة هذه الأفلام لتلمس صدق رؤيته وتكتشف معه ليلى علوى من جديد، ويضم الكتاب فيلموجرافيا لأفلامها، وصور من أفلامها.
الطريق الى عالم الأطياف
فى الطريق الى الفيلا أو قصر يوسف بك وهبى، انتابت الممثلة الناشئة ليلى علوى مشاعر متباينة تمتزج فيها الفرحة بالقلق، والثقة بالخوف من الفشل، بالاضافة لقدر من الرهبة، ذلك أن المشهد الذى سيتم تصويره سيدور مع الكبير موهبة وتاريخا ومقاما، يوسف وهبى، صحيح هى شاركت فى عدة أفلام، أيام الطفولة، ووقفت فوق خشبة المسرح قبل اتجاهها لعالم الأطياف، وليلة اختيارها لدور سميحة فى فيلم البؤساء، كانت تؤدى عدة مشاهد فى مسرحية “8 ستات” لجلال الشرقاوى حيث رأتها هدى سلطان أو ماما هدى كما تحب ليلى أن تناديها، ووجدتها صالحة تماما لأداء دور البنت الرقيقة، البريئة، أيامها لم تكن ليلى علوى تجاوزت الخامسة عشر من عمرها، ولم تنته من دراستها الاعدادية.
يوسف وهبى المتأنق فى شيخوخته، الراسخ، المهيب، يستقبل البنت الجميلة بابتسامة حانية، تبادره بالقول: ازيك ياباشا، يجيبها بطريقته “انت اللى باشا”، ليلى علوى التى لاحظت كما لاحظ صاحب التاريخ الطويل أن صوتها النحيل مرتبكا، لايريد ان يخرج من فمها بسلاسة، قال يوسف وهبى جملة ما فى أذن المخرج عاطف سالم، على أثرها ذهبت ليلى مع الباشا ليجلسا وحدهما فى الشرفة المطلة على حديقة واسعة الأرجاء، أخذ يتحدث معها حديثا شيقا عن عدة أمور، أهمها ذكرياته المشرقة، واستمع لها فأدركت أنه يهدف لازالة حاجز الرهبة الذى يمنعها من التعامل ببساطة انسانية معه، وفعلا تحقق ماكان يريده، شعرت بعد هذه الجلسة بنوع من الراحة والاطمئنان، تعلمت ليلى من هذا الدرس ضرورة وجود علاقة انسانية بينها وبين العاملين معها فى الفيلم، خاصة الممثل أو الممثلة، لذا فانها عادة تجلس لفترة قبل بدء التصوير مع شركائها فى الأداء.
فيلم البؤساء 1977، يعد أول الأفلام المهمة فى مشوار ليلى، سبقه فيلمين شاركت فى بطولتهما وهى لاتزال طفلة الاول “أنا وابنتى والحب” للمخرج محمد راضى، والثانى “من أجل الحياة ” اخراج أحمد ثروت، أما البؤساء، فكما يقول كمال رمزى فقد جمع نخبة ثمينة من النجوم فى مقدمتهم فريد شوقى الذى جسد شخصية حامد حمدان، المعادل لجان فالجان، فى الروايه التى كتبها الفرنسى فيكتور هوجو وكما كانت علاقته دافئة بالفتاة الصغيرة فى الفيلم، كانت علاقته مماثلة مع ليلى علوى التى تتذكر بعد ثلاثة عقود رقة العاطفة التى أحيطت بها من فريد شوقى وابنته المنتجة ناهد فريد شوقى، وعلى تيترات شريط الفيلم يأتى اسم ليلى علوى بعد سبعة أسماء، ليلى تمتعت برونق جذاب شديد الوضوح، عميق الجذور، تجلى فى نظرة الحب الخجول،المختلس فى الحديقة، ترسلها للشاب الوطنى الذى أدى دوره نبيل نور الدين، كان من الواضح أن ليلى ستغدو نجمة كبيرة .
فى استعراضه لطريق ليلى الى عالم الأطياف يتوقف عند شغفها بالسينما منذ طفولتها، يقول عن ذلك : فى دور العرض السينمائى تابعت الطفلة مع أسرتها الأفلام الأجنبية والمصرية، لايزال وجه ليلى يفيض بسعادة طفولية وهى تتذكر بحماس ليلة شاهدت فيلم “صوت الموسيقى” لروبرت وايز 1965، ثم عادت وشاهدته ليلى بعد عدة سنوات منبهرة بتلك الاستعراضات الفاتنة، فضلا عن الأداء الخلاب والعفوى للموهوبة جولى اندروز، وربما يكون هذا الفيلم من الأسباب التى دفعتها بحماس للمشاركة فى الفيلمين الاستعراضيين “سمع هس “، و”يامهلبية يا”.
ليلى تبحث عن نفسها
بعد البؤساء يرصد الناقد الكبير كيف خلت قائمة ليلى علوى من الأفلام على مدى أربع سنوات، ربما لانشغالها بدراستها الثانوية أولأنها فى مرحلة عمرية أقرب للمراهقة لاتكترث بها السينما المصرية، وبعد أن عاودت الظهور تخبطت فى أفلام المقارولات، وهى أفلام شديدة التواضع، لم يكن الأمر يتطلب أكثر من كوميديان، وقصة مفككة تدور فى أماكن مغلقة ومخرج ينهى تنفيذ الفيلم فى أقل وقت ممكن، والملاحظ هنا –كما يقول رمزى – أن هذه الأفلام تستبعد العديد من عناصر اللغة السينمائية فليس بها مصمم ديكور أو مؤلف للموسيقى مع الاستغناء عن المونتيرين ذوى المهارات والاسعاضة عنهم بمن ينحصر دوره فى لصق المواد الاعلانية بشريط الفيلم، تسلل اسم ليلى علوى الى أفلام المقاولات “مخيمر دايما جاهز، 1982، غريب ولد عجيب 1983، سمورة والبنت الأمورة ، هذه الأفلام التى شاركت فيها ليلى لم تكن ترضى طموحها الفنى، ذلك أنها تؤمن أن قدراتها أكبر من هذه الأدوار المسطحة، وأن شيئا آخر يمكن أن تقدمه يجعلها على غرار فاتن حمامة، نعيمة عاكف، شادية ومن على مستواهن الرفيع، لكن العمل فى أفلام مثل مطلوب حيا أوميتا لعدلى خليل، والخونة لوصفى درويش، الشيطان يغنى لياسين اسماعيل ياسين، جاءت بفائدة ذلك أنها كانت بمثابة تدريبات على الوقوف أمام الكاميرا واكتساب خبرات فى طرق الأداء، فضلا عن كونها تحقق قدرا من الشهرة والانتشار.
فى عام 1987 وبعد ثلاثين فيلما شاركت فيها ليلى علوى، استطاعت ان تقف فوق أرض صلبة، وقررت أن تختار الأعمال التى ترضى طموحها خاصة أن جيلا جديدا من المخرجين تبلور ونضج أمثال سمير سيف، عاطف الطيب، سعيد مرزوق، خيرى بشارة، محمد النجار والأهم شريف عرفة، ومؤخرا رأفت الميهى ومجدى أحمد على.
تدلى بشهادات حول أفلامها
فى شهاداتها حول أفلامها تتوقف ليلى علوى أمام تجربتها المهمة مع المخرج الكبير يوسف شاهين فى فيلم “المصير” فتؤكد أنها وجدت نفسها فى شخصية “مانويللا” الغجرية التى كانت تبحث عنها، وتقول عن شاهين : عرفت يوسف شاهين قبل أن أراه وأحببت أفلامه قبل أن أعرف اسمه، ففى طفولتى كنت أتابع اأفلام الأبيض وأسود ولم يكن اسم المخرج يعنينى، فقط أحفظ بعض المشاهد التى تعجبنى، وقد ظلت مشاهد عديدة عالقة بذهنى من فيلم “أنت حبيبى”، ذلك أن روح المرح وتدفق الكوميديا، وخفة ظل فريد الاطرش مع شادية وذكاء الحوار أدت الى بقاء الفيلم حيا فى ذاكرتى .
فى زاوية من قلبى تمنيت أمنيات مستحيلة لازلت أتمناها، أن أكون واحدة من بطلات المخرج عز الدين ذو الفقار اللاتى يضنيهن الحب، أو واحدة من بطلات صلاح أبوسيف ممن ينتزعن حقهن فى الحياة انتزاعا، أو احدى بطلات كمال الشيخ المتوترات، أو احدى بطلات فطين عبد الوهاب المبهجات، وبالطبع لم يسمح الزمن بالعمل مع هؤلاء الكبار، والأمنية الوحيدة التى تحققت كانت مع يوسف شاهين، فقد التقيته فى مهرجان كان 1996، كنت أسير مع سميحة أيوب وسعد الدين وهبة والتقينا عند ناصية عقب خروجنا من قصر السينما الضخم، كان مع شاهين ماريان خورى وخالد يوسف وتصافحنا جميعا لكنه قبلنى بقوة، علقنا جميعا بمرح، وقال لى قبل أن نفترق أنه راض عنى وطلب منى أن أخفف من وزنى، وبعد عودتى للقاهرة تلقيت مكالمة من مكتبه، استقبلنى الأستاذ بدفئه المطمئن وسلمنى سيناريو فيلم المصير وقال لى بوضوح وصراحة أن دور مانويللا كان من المفترض أن تؤديه يسرا لكنها مشغولة بالمسرح وهو يصر على تفرغ الجميع لفيلمه، وقال أن دور مانويللا يلائمنى تماما، عدت الى البيت قرأت السيناريو فورا فلمس قلبى وعقلى وكان دور مانويللا هو الذى أتمناه وأبحث عنه، وقبل بدء التصوير كنت أظن أن يوسف شاهين عصبى المزاج من الممكن ان يبدى توجيهاته بانفعال، واذا كان كل دور يقوم به الممثل بمثابة اختبار فان العمل مع يوسف شاهين هو الامتحان الصعب، فى المصير عدة مواقف جوهرية محورية شديدة الأهمية، أحسب أن قمتها بالنسبة لى ذلك المشهد الذى يغتال فيه محمد منير حبيب مانويللا ورد فعلها وهى بجانبه ازاء جسده الدامى وكنا ويوسف شاهين نريد رد فعل مختلفا عن العويل والصراخ، وفى الليلة التى سبقت التصوير وكنا فى بلدة سورية تبعد ساعتين عن دمشق عند الفجر طرق باب حجرتى مساعد الاخراج والمخرج لاحقا خالد يوسف ليخطرنى بوفاة والدى، باغتنى الخبر وقرر يوسف تأجيل التصوير وحجز لى مقعدا بأول طائرة متجهة الى القاهرة وفعلا عدت الى مصر وحضرت الجنازة ورجعت فى اليوم التالى الى سوريا وحين دارت الكاميرا كنت ممتلئة بأحزان صامتة من أجل والدى، وقد عبرت بنظراتى من مزيج مركب لانفعالات متضاربة، فى المصير انتابنى نوع من الاشراق لسببين أولهما يتعلق بشخص يوسف شاهين بأجواء الحنان والمحبة التى يشيعها وثانيهما للفيلم ذاته بما يتضمنه من دعوة حارة صادقة للحب والتسامح، أستطيع ان أقول أن تجربتى الوحيدة مع يوسف شاهين أضافت لى الكثير وكنت أتمنى أن تتكرر.
وفى فصل آخر يتناول الناقد كمال رمزى عشرة من أهم أفلام ليلى علوى، يتعرض لها باسهاب نقدا وتحليلا ويختار لكل منها عنوانا: سمع هس، الهجامة ، آى..آى، الحجر الداير، انذار بالطاعة، يادنيا ياغرامى، الرجل الثالث، تفاحة، اضحك الصورة تطلع حلوة، المصير، ثم تتوالى صور ليلى علوى من أفلامها وفيلموجرافيا تكشف أن عام 1985 حطمت ليلى علوى الرقم القياسى فى عدد الأفلام التى صورتها، حيث لعبت بطولة 13 فيلما دفعة واحدة ، كان أهمها خرج ولم يعد مع محمد خان، واعدام ميت مع على عبد الخالق، كما تكشف الفيلموجرافيا عن غيابها عن السينما منذ عام 2008 الذى قدمت خلاله فيلمين هما ألوان السما السبعة اخراج سعد هنداوى، وليلة البيبى دول اخراج عادل أديب.