أحداث و تقارير

قراءة لكتاب «على أبو شادى.. فى رحاب السينما والثقافة»

«سينماتوغراف» : انتصار دردير

مواقع عديدة شغلها الناقد السينمائى الراحل على أبوشادى ارتبطت بمهام ثقافية وسينمائية جعلته رجل السينما الأول خلال فترتى الثمانينات والتسعينات، حيث تولى مسئولية الرقابة على المصنفات الفنية ورئاسة المركز القومى للسينما ورئاسة مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، ثم رئاسة مهرجان الفيلم القومى، قبل ذلك بدأت علاقته بالعمل السينمائى من خلال عضويته بجماعة السينما الجديدة، ثم رئاسته لنوادى السينما فى قطاع الثقافة الجماهيرية الذى رأسه فيما بعد قبل أن يتولى رئاسة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية فى فترتين من أزهى عصور الرقابة.

وفى كتاب «على أبوشادى.. فى رحاب السينما والثقافة» الذى أصدره مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، يتتبع الناقد محمود عبد الشكور مسيرة على أبوشادى السينمائية التى يرويها الراحل بنفسه كاملة، ولهذا الكتاب حكاية مثيرة فقد كان قد تقرر إصداره فى إطار تكريمه بالمهرجان ورحب على أبو شادى بذلك وتحمس للكتاب وجلس مع الناقد محمود عبد الشكور فى حوار طويل بل وقام بمراجعة نسخة الكتاب ثم تفاجأ الجميع برحيله فى فبراير 2018 قبل أن يحظى بتكريمه.

اختار الكاتب أن تتدفق ذكريات على أبوشادى عن السينما بشكل سردى مبرراً ذلك بقوله: (أردت أن يكتشف القارئ قدرة على أبوشادى على السرد وروحه المرحة وهو يرسم صورة عصر كامل بكل أحداثه وتقلباته، فى رحلة بحث عن تلك الأدوار المتداخلة لشخصية واحدة لكى نكتشف الناقد وراء الرقيب والمثقف وراء الموظف والإنسان وراء كل هؤلاء).

الطفولة والصبا

يقول على أبو شادى عن طفولته وصباه: ولدت فى قرية ميت موسى عام 1946 بالمنوفية لأسرة لم تكن لها اهتمامات ثقافية أو سينمائية على الاطلاق، فوالدى تاجر صاحب محل بقالة، وكان يتاجر أيضاً فى القطن والغلال ووالدتى ربة بيت من “الشغيلة” حيث كانت تساعد أبى فى العمل، وهى التى أدارت المتجر بعد وفاة أبى، وكان لى شقيق واحد يصغرنى .

يتذكر أبوشادى أول فيلم شاهده كان خلال رحلة مدرسية من قريته إلى مدينة شبين الكوم حيث شاهد فيلم “رد قلبى”، وقد أدمن بعدها مشاهدة الأفلام وقراءة الكتب لكن والده كان يخشى من تأثير مشاهدة الأفلام والقراءة على عينيه فقام بإحراق الكتب التى اقتناها الابن كما قام بضربه لذهابه للسينما، ومع مجيئه للقاهرة والتحاقه بكلية الأداب جامعة عين شمس قسم اللغة العربية حيث عمل قبل تخرجه موظفاً بإدارة المالية، وتعرف على الناقد فتحى فرج الذى كان يرأسه وظيفياً واصطحبه لعروض جمعية الفيلم .

جماعة السينما الجديدة

تكونت جماعة السينما الجديدة عام 1968 على يد مجموعة من السينمائيين والنقاد الذين يحلمون بتقديم سينما مختلفة وانضم اليها أبوشادى، وكانت تنظم عروضاً سينمائية وندوات وتصدر نشرات، كما ساهمت فى إنتاج فيلمين روائيين الأول “أغنية على الممر” اخراج على عبد الخالق والثانى “الظلال على الجانب الآخر” اخراج غالب شعث، وخلال تلك الفترة من أوائل السبعينات انتقل أبو شادى للعمل بالثقافة الجماهيرية مع صديقه فتحى فرج خلال رئاسة سعد الدين وهبة لها ثم توجه لدراسة النقد الفنى بأكاديمية الفنون وانضم لجمعية النقاد التى تأسست عام 1972 .

لماذا لم تستمر شركة حسين القلا ؟

ويروى على أبوشادى تجربته فى العمل مع الشركة العالمية للتليفزيون والسينما التى أسسها المنتج الفلسطينى حسين القلا بالقاهرة، وكان سمير فريد مستشاراً لها وعمل أبوشادى مديراً للعلاقات العامة بها، مؤكداً أنه كان “مسمى وظيفى” فقط لكنه كان مشاركاً فى كل أنشطتها الإنتاجية وأنتجت الشركة 12 فيلماً من أفضل أفلام السينما المصرية ومنها “للحب قصة أخيرة” لرأفت الميهى، “الكيت كات” لداوود عبد السيد، “أحلام هند وكاميليا” لمحمد خان، “الطوق والأسورة” لخيرى بشارة الذى تجاوز فيه مخرجه الميزانية خلال التصوير فى الصعيد مما آثار غضب سمير فريد وطلب استبعاد بشارة من اخراجه لكن سمير اختلف مع القلا وترك الشركة .

ويوضح الناقد الراحل أسباب فشل الشركة وبيع أفلامها لمحمد حسن رمزى بأن ذلك يرجع لعدم الإدراة على أسس اقتصادية، وتكالب المخرجين والفنانين الذين حصلوا على أجور عالية، وعدم الفصل بين العام والخاص، مؤكداً رغم ذلك أن حسين القلا شخصية مثقفة وعاشق للسينما وقد حقق له سمير فريد أحلامه بتقديم أفلام متميزة .

الناقد والرقابة

تولى على أبوشادى الرقابة مرتين الأولى من عام 1996 وحتى 1999 والثانية فى الفترة من 2004 الى 2009، واستطاع خلال الفترة الأولى اعادة البريق لجهاز الرقابة، ويقول عن تلك الفترة: “كنت أقول للسينمائيين جملتى الشهيرة “حاسبونى على الحرية” وساعدتنى كثيراً علاقتى القوية بالمبدعين، وكنت أحقق لهم ما يريدون دون الإخلال بالقانون، ولم تكن هناك أزمات مع المبدعين بل كانت أزمات سياسية، ففى فيلم “صعيدى فى الجامعة الأمريكية” كان هناك مشهداً يتضمن حرق العلم الإسرائيلى وكتب الرقباء ملحوظة برفض المشهد فى ظل وجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وعلم المؤلف مدحت العدل فسألنى “يعنى ما أصورش المشهد؟ قلت له وهل طلبت منك ألا تصوره؟، وفى العرض الخاص للفيلم دوت القاعة بالتصفيق لهذا المشهد وسألنى الصحفيون عما إذا كان الفيلم سيعرض هكذا فتظاهرت بأنى لا أعرف بالضبط مايقصدونه ومرت الأزمة بسلام وعرض الفيلم للجمهور كاملاً، وما ساعدنى على تمرير المشهد أن الفيلم كوميدياً وليس سياسياً.

أرض الخوف والمصير

كما واجه فيلم “أرض الخوف” للمخرج داوود عبد السيد أزمة سياسية فقد كان محوره اسناد الداخلية مهمة لأحد رجالها ولكنها تتنصل منه وتنساه .

ويكشف على أبوشادى فى الكتاب كيف أن هناك من العاملين بالرقابة كانوا يتطوعون بإبلاغ الداخلية، قائلاً: حينما تحدثت مع مسئولى الداخلية عن الفيلم كان لديهم علم مسبق به ورفضوه قائلين أنه لا يجب اظهار الداخلية وكأنها ترمى أولادها، فقلت لداوود عبد السيد وهو من أصدقاء العمر أن السيناريو بهذا الشكل لن يمر وطلبت منه إضافة مشهدين بأن الداخلية سترعى أبناءها فكتبهما فى مكتبى وتم إضافتهما للسيناريو، وقال لى داوود لن أصور المشهدين فقلت له لا تفعل وتم تمرير السيناريو وظهر الفيلم كما أراده مخرجه الذى كان يقول عنى أننى أسوأ رقيب لأننى لا يمكن خداعى أو تمرير المشاهد مثلما كان يحدث مع رقباء آخرين .

وفى مهرجان كان وبينما كان يوسف شاهين يشارك بفيلمه “المصير” فوجئ على أبو شادى بالمخرج الكبير يذكر اسمه فى كلمته التى يلقيها بالفرنسية أمام جمهور كان فسأل الناقد قصى صالح درويش عما يقوله شاهين، فقال له أنه يشيد بدورك كرقيب مستنير فى إجازة تصوير الفيلم، وكانت هذه من المواقف التى أسعدته أن يشاد به من مخرج كبير فى محل سينمائى دولى.

ويكشف على أبو شادى أزمة فيلم ” دانتيلا” للمخرجة ايناس الدغيدى التى تعد من أعز صيقاته وكذلك بطلته يسرا، حيث وافق على عرض الفيلم كاملاً فى مهرجان الإسكندرية وانقسم الجمهور بعد العرض ما بين مؤيد ورافض لأحد المشاهد الجنسية فقام أبوشادى بتخفيف المشهد وحذف 6 لقطات منه رأى أنها لن تؤثر على المعنى المطلوب، ورغم الحاح يسرا وايناس عليه بترك المشهد إلى حد بكاءهما إلا أنه حينما أقيم عرضاً خاصاً للفيلم بسينما راديو وبحضور وزراء ومسئولين كبار جاءت ايناس الدغيدى وشكرته على ما قام به من حذف دون إخلال بالمشهد .

حكايتى مع المسافر

وتتواصل حكايات الراحل على أبوشادى عن رحلته السينمائية، ويتوقف عند فيلم “المسافر” الذى انتجته وزارة الثقافة عام 2006 خلال عهد وزيرها فاروق حسنى وأشرف على إنتاجه أبوشادى، ولعب بطولته عمر الشريف وخالد النبوى، وقد شارك الفيلم فى مهرجان فينسيا وقوبل بهجوم كبير حتى من بطله الراحل عمر الشريف،

ويقول عن الفيلم : كانت تجربة أرادها الوزير فاروق حسنى أن تكون نموذجاً لإنتاج تتوافر له عناصر النجاح، وكان السيناريو قد ابهرنى بعدما طلب منى ممدوح الليثى مراجعته لإنتاجه من خلال جهاز السينما ثم اكتشف ضخامة تكلفته، كما أشاد بالسيناريو أيضاً الناقد الراحل سمير فريد، كانت الميزانية التى قدرت لإنتاجه بعشرة ملايين جنيه لكن فاروق حسنى أراد أن يستعين بالنجم العالمى عمر الشريف واتصل به واقنعه بقبول الفيلم لتصل ميزانيته بعد التصوير إلى 15 مليون جنيه، بعد أن استعان مخرجه بالمصور الايطالى ماركو اونراتو ليصور الفيلم، كما تمت كل عمليات الفيلم الفنية بالخارج، إلا أن رد الفعل جاء محبطاً تماماً بسبب الهجوم على الفيلم برغم مشاركته فى مهرجان فينسيا، وكان هناك مشروعاً لإنتاج فيلم “اخناتون” لشادى عبد السلام وكان سيخرجه صديقه صلاح مرعى لكن الضجة التى أثيرت حول “المسافر” أدت لوأد الفكرة .

الكتاب يعد ذكرى جميلة لعلى أبو شادى وهو يستعرض رحلته التى امتدت فى كثير من المواقع الثقافية والسينمائية وكشف كثير من الأسرار عن وقائع جرت وأثارت ضجة كبيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى