أحداث و تقارير

«قربان» فيلم تونسي يرصد يوميات زوجين في زمن كورونا

تونس ـ «سينماتوغراف»

تمّ، مساء أمس الأربعاء، بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس تقديم فيلم “قربان” للمخرج والممثل التونسي نجيب بلقاضي في عرض أول للإعلاميين بالتوازي مع عرضه في قاعات السينما التونسية بمختلف جهات البلاد، وذلك بحضور طاقم الفيلم وخاصة بطليه نجيب بلقاضي وسهير بن عمارة.

و”قربان” فيلم روائي طويل مدته ساعة ونصف الساعة من إنتاج شركة “بروباغندا”، وتجري أحداثه في مارس 2020، حيث يقول بيان للعمل “إذ تفشى وباء غامض في جميع أنحاء العالم، وفي مدينة ترزح تحت عبء الحجر، يحاول زوجان وقطهما التأقلم مع حياة جديدة تطغى عليها العزلة والضبابية والغموض”.

سارة” (سهير بن عمارة) من المنزل تعمل على مساعدة الأشخاص الذين يعانون من القلق بفعل فايروس كورونا، في الأثناء يغزو التغيير دواخل “قيس” (نجيب بلقاضي) ويصبح أكثر غرابة يوما بعد يوم، ويحتاج باستمرار إلى أدوية مضادة للذهان، إلاّ أنها تنفد وسط حالة الحجر. وفيما يبدو المشهد خارج المنزل أشبه بمدينة أشباح، تتزايد الصراعات الداخلية ويرتفع منسوب مقاومة حالة الاكتئاب التي بلغت ذروتها.

والفيلم الذي أتى بالأبيض والأسود بدا وكأنه بمثابة مرآة عكست حقيقة الأزمة الصحية التي مرّت بها تونس والعالم بصفة عامة جراء انتشار وباء كورونا، وانعكاساتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على حياة الأفراد من خلال رسم تفاصيل الحياة اليومية للزوجين قيس وسارة ومحاولتهما التأقلم مع حياتهما الجديدة في ظل حظر التجوال والتضييقات الحاصلة على مستوى العمل والتنقل بسبب قرار الحجر الصحي الشامل في مارس من العام 2020.

وحاول المخرج نجيب بلقاضي الذي يتقمّص أيضا دور الشخصية المحورية في الفيلم أن يغوص في ذهنية البطل قيس وتقلّباته النفسية، وذلك بشكل تصاعدي حيث تتسارع وتيرة الأحداث في الفيلم لتحتدّ معها الأزمة النفسية التي أرادها المخرج أن تكون طاغية في مجمل أحداث عمله حتى تصل مداها مع تقدّم الأحداث في محاولة لتفسير أسبابها ومنطلقاتها.

وأما عن علاقة قيس بسارة، فهي صدامية بالأساس رغم الهدوء الذي يسودها ومشاهد الود الطبيعية القائمة بين الزوجين سواء بفراش الزوجية أو على طاولة الطعام، حيث تسعى الزوجة وإن كان ذلك بشكل أحادي وخفيّ أن تكون إيجابية من خلال مساعدتها للآخرين عبر نشاطها في إحدى الجمعيات الخيرية وارتباطها الوثيق بالحيوانات، وخاصة بالقط “باقيرا” الذي يعيش معها بالبيت ورغبتها الملحة في الإنجاب للخروج من روتينها الخانق.

أما هو فدائم التوتر والتشاؤم، نفور من الإنجاب وشعور بالإحباط بسبب قرار وقف راتبه والاستغناء عن خدماته وانعدام الثقة بنفسه وبالآخرين.

ومن المفارقات العجيبة أن تتحوّل الأزمة الصحية في فيلم “قربان” إلى أزمة وعي بالمحيط الخارجي، وربما كانت بداية الوعي بالأزمة التي تكتسح العالم وتسعى للقضاء على الإنسان من أجل أن تحيا الطبيعة، حيث يعتبر بلقاضي في أن فيلمه “فيلم مقاومة وتحدّ للظرف الصعب الذي عشناه زمن الحجر الصحي، بل إنه عنوان للحظة فارقة في حياة الأفراد والشعوب، ولا بد من اقتناصها لتعزيز الوعي بالواقع المعيش المليء بالمفارقات والرهانات”.

ويقول المخرج عن “قربان”، “لم أخطّط للفيلم ولم أسع إليه بل كان وليد الظرف الصحي الذي عاشه العالم بسبب وباء كورونا”. ويضيف “لم أستطع المكوث مكتوف اليدين وقمت بكتابة نصه في خمسة أيام لا غير، وكان بمثابة العلاج النفسي لي أولا قبل أن يكون علاجا للآخرين، ورغم أننا منعنا من التصوير آنذاك وتكبدنا العديد من المصاعب على مستوى الإنتاج والتمويل إلاّ أن الإصرار على إنجاز عمل يحكي ظرفية معينة كان ضروريا على الأقل بالنسبة إليّ”.

ويُضيف “من الصعب أن تلعب دور البطولة في فيلم تقوم بإخراجه في الوقت ذاته، ولكن لم يكن لي خيار باعتبار عدم وجود ممثل قادر على تقمّص الشخصية الرئيسية في تلك الظروف، واكتشفت بعد نهاية العمل أنني أصبحت أدور في فلك الصحة العقلية التي عالجتها كأرضية أساسية في نصوص فيلمي السابقين “باستاردو” و”في عيني”، ولعل الشخصية المركبة لفيلم “قربان” مكّنت من بلورة هذه الفكرة في ذهني كمخرج، حيث أن التعمّق في تصوير ذهنية الأشخاص وإيصال اعتمالاتهم النفسية إلى المتلقي باستعمال المؤثرات البصرية والأدوات الإخراجية، لاسيما حركة الكاميرا والتصوير من زوايا مختلفة ساهم في تحديد هذا المعطى وإكسابه الزخم الفني والإنساني الذي نبحث عنه في مختلف الأعمال الفنية والسينمائية تحديدا”.

وسبق أن حصل الفيلم على دعم صندوق البحر الأحمر الذي شارك أيضا فيه ضمن مسابقة ضمّت ستة عشر فيلما روائيا طويلا.

و”قربان” هو الفيلم الروائي الثالث لبلقاضي، بعد فيلمي “في عيني” (2018) و”باستاردو” (2013)، وفيلمه الوثائقي الأول “في أش أس كحلوشة” (2006).

ونجيب بلقاضي ممثل ومخرج تونسي من مواليد العام 1973، التحق بمعهد الدراسات التجارية العليا في قرطاج، تونس ودرس الإدارة والتسويق. بعد تخرجه من المعهد قرّر اللحاق بحلمه كممثل وشارك في العديد من الأعمال السينمائية مثل “حبيبة مسيكة” عام 1995 بخلاف مشاركته في مسرحية “مدرسة النساء” عام 1995. كما شارك كممثل في العديد من الأعمال الدرامية منها “الخطاب على الباب” بجزأيه و”ليلة الشك” و”القضية 460″.

واقتحم بلقاضي مجال الإخراج للمرة الأولى في العام 1998 من خلال برنامج “شمس عليك” والذي عُرض على قناة “الأفق” الخاصة، لتتوالى أعماله الإخراجية إثرها، ولم يقف بلقاضي عند التمثيل والإخراج فحسب، بل قام أيضا بالمشاركة في تقديم البرامج التلفزيونية وإعدادها، قبل أن يفتتح في العام 2002 شركة إنتاج “بروباغندا” بالتعاون مع صديقه عماد مرزوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى