«كارول» تعيد المثلية الجنسية إلي واجهة «الكروازيت»
كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
يشارك فيلم «كارول» للمخرج الأمريكي تود هاينس في المسابقة الرسمية للنسخة 68 من مهرجان كان، ويسرد الفيلم قصة حب بين مثليتي جنس في خمسينات القرن الماضي وسط ضغوط المجتمع ورفضه للاختلاف.
بعد عامين على فيلم «حياة أديل» للمخرج التونسي الفرنسي الذي هز مهرجان كان عام 2103 وخلق سابقة في تاريخ المسابقة بنيله السعفة الذهبية بالتساوي للمخرج وللمثلتين ليا سيدو وأديل إيكسرخوبولوس في دور امرأتين عاشقتين، هاهو بدوره المخرج الأمريكي تود هاينس يعيد مسألة المثلية الجنسية إلى الواجهة في «الكروازيت» عبر فيلم «كارول».
نادرا ما يخرج تود هاينس أفلاما، لكن عادة ما تكون أفلامه ذات قيمة سينمائية مذهلة، ويترقبها الجمهور بأعلى درجة من التشوق. من جهة أخرى ليست مسألة المثلية بالجديدة على المخرج إذ بقي فيلمه «بعيدا عن الجنة» (2002) في ذاكرة محبي الفن السابع كأحد أجمل قصص الحب التي جمعت بين رجلين. واختار هاينس لـ«كارول» نفس الإطار الزمني الذي وضعه لـ«بعيدا عن الجنة» فالحكايتين تدوران في أمريكا المحافظة بداية خمسينات القرن العشرين.
كارول هو استرجاع «فلاش باك» لقصة المرأتين. امرأتان في بهو نزل فخم في نيويورك تشربان نبيذا، الأولى كارول طويلة وشقراء، في الأربعين من العمر، والثانية تيريز قصيرة وسمراء وتصغرها بعشرين سنة. تترك تيريز كارول وترحل مع أصدقاء وفي السيارة التي تأخذها بعيدا عن صديقتها، تستعيد الفتاة حكايتها من البداية وعينيها تبحثان بألم في وجوه المارة كل الألم التي يميزها.
تلتقي كارول «الممثلة كيت بلانشيت» البورجوازية المتبرجة ذات معطف الفرو، بالبائعة البسيطة تيريز «الممثلة روني مارا» في إحدى المتاجر الكبيرة خلال فترة عيد الميلاد. تنبهر تيريز بهيبة «السيدة» وتساعدها على اختيار هدية لابنتها الصغيرة، ثم ترسل لها قفازا كانت «نسته» بالمتجر. وحتى تشكرها، تستضيف كارول تيريز في عطلة في بيتها الثانوي بنيوجرزي في ضاحية نيويوك فتكتشف البائعة الشابة أن كل الألق المحيط بالجميلة الشقراء المتبرجة يخفي غابة من الحزن.
وفي خلفية حبكة السرد الأساسية، ينتخب رئيس جديد للولايات المتحدة فيستقر مع عائلته وزوجته وتؤسس هذه الصورة الزوجية تقليديا مثالا لكل المجتمع الأمريكي. وفي 1952 أدرجت جمعية أطباء النفس الأمريكيين المثلية الجنسية ضمن قائمة الأمراض العقلية. قصة «كارول» مقتبسة من كتاب «ثمن الملح» للروائية الذائعة الصيت باتريسيا هايسميث التي اضطرت في نفس تلك الفترة إلى إصداره تحت اسم مستعار وفي مجموعة أدب البورنوغرافيا. وطيلة عقود، تقاسمت الأقلية المثلية المقموعة عبر هذه القصة عذاب الحب الممنوع، والفرح والشغف.
عندما التقت كارول بتيريز كانت بصدد الطلاق وتكافح من أجل حضانة ابنتها، في زمن كانت تعتبر فيه المثلية نقيضا للأمومة. كان أمر كارول قد انفضح خلال علاقة سابقة مع امرأة أخرى، فصارت مهددة في حال ضبطت مجددا بفقدان ابنتها. ورغم ذلك تتحدى كارول القوانين الجائرة وتقترح على تيريز أن ترافقها في رحلة عبر الولايات المتحدة.
تفادى توم هاينس المبالغة في الدرامية بشأن هذا القرار الجريء وما سينجم عنه من أحداث رهيبة في الوقت الذي تقضي فيه الطفلة الصغيرة عطلة عيد الميلاد مع عائلة والدها، فيركز على نشأة الحب بين المرأتين وعلى العاطفة العاصفة التي تبلغ ذروة العشق. لن تغير الوقائع الخارجية طبيعة العلاقة بل تغير فقط مجرى قدرها.
وبراعة أداء كيت بلاشيت وروني مارا لا تلغي شيئا من غموض الحب. ففي حين تتراوح تيريز بين البراءة والإرادة الشرسة في الذهاب بتجربتها إلى أقصى الحدود، تفقد كارول تدريجيا السيطرة، وتتفتت شخصيتها القوية في مواجهة العنف الذي يسلطه عليها زوجها. ويرجح العديد أن هذا الفيلم سينال إحدى الجوائز الكبرى في هذه النسخة 68، على الأقل جائزة أحسن تمثيل للنجمتين.
بالنسبة لتقنيات الصورة، يرسم هاينس لوحة مخيفة عن النفاق وعنف المجتمع بقوات «أمنه» الأخلاقي والاجتماعي، لكن برقة فائقة عبر جو شتائي ممطر يجسده استعمال مكثف للتصوير من خلف بلور وسخ أو ضبابي. وفي هذا الاختيار إبراز لـ «ميلانكوليا» عابرة للزمان والمكان، فتتجاوز خمسينات القرن الماضي لتشعرنا بحداثة المسائل الحميمة الشائكة التي لا تزال أساس حياتنا اليوم فوقعها قائم وجدالاتها لاتزال تقسم مجتمعاتنا.
وقالت كيت بلانشيت في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب عرض الفيلم في مهرجان كان «لا تزال المثلية الجنسية ممنوعة في بلدان عديدة في حين أنها تخص الحياة الشخصية». ففي الأخير يحمل عنف الحب الذي يجمع بين المرأتين في الفيلم، وجماله في آن، رسالة قاسية عن الإنسانية التي ترى عبر العصور في الحب جريمة.