ملفات خاصة

كاريزما سينمائية جعلته فوق النقد

ألفريد هيتشكوك السمين والمنطوي .. ابن تاجر الخضار اللندني

خاص ـ “سينماتوغراف”

الكاريزما مسألة تتعلق بالمبدع ولكنها تمارس السلطة على المتلقي لتضعه دائما في الموقف الأضعف أمام الإبداع. والكاريزما في عالم السينما يمكن أن تكون الكلمة الأقرب لألفريد هيتشكوك، فأمام السمعة الشخصية التي حققها كمخرج كان من الصعب على المشاهدين ابداء رأيا سلبيا في أفلامه التي أصبحت فوق النقد، وتحول هو إلى مدرسة سينمائية مستقلة لها تلاميذ مخلصون وعشاق أوفياء، إنه ملك الإثارة والرعب في السينما العالمية، وأيضا الرجل الذي عرف أكثر من اللازم عن هذا الفن.

ولد ألفريد هيتشكوك في لندن في الثالث عشر من أغسطس 1899 لبائع الخضروات والدواجن الأيرلندي وليام هيتشكوك. ولأنه كان طفلا سمينا فقد انطوى على نفسه في حالة وحدة صارمة بالإضافة إلى معاملة والده القاسية. بعد أن تخرج في المدرسة التحق بدراسة الهندسة والملاحة في كلية صغيرة قبل أن يتجه للعمل كمصمم إعلانات لدى واحدة من شركات الكابلات.

كاريزما سينمائية جعلته فوق النقد ألفريد هيتشكوك السمين والمنطوي .. ابن تاجر الخضار اللندني

كتابة النص على أشرطة الأفلام الصامتة كانت أول عمل ينجزه هيتشكوك للسينما قبل أن يبدأ بتقديم خدمات في الديكور والإنتاج ليصل إلى مرتبة مساعد مخرج قبل أن يرسل إلى ألمانيا لإخراج فيلمين في إطار تعاون سينمائي بين بريطانيا وألمانيا. الأيام الألمانية مكنت هيتشكوك من التعرف على تقنيات مختلفة في العمل السينمائي ومنهج يقوم على الدقة والانضباط كان له أثر في ترويض شخصيته المشاغبة وخلق خلطة قائمة على الإثارة في التعامل مع السينما، فهيتشكوك كان يلعب قبل أي شيء وكانت السينما هي اللعبة التي يتقنها.

بدأ هيتشكوك في صناعة سمعته التي تحولت إلى حالة كاريزمية في سنة 1926 مع فيلم النزيل The Lodger والذى يتناول قصة حول قاتل محترف يرتكب عدة جرائم في لندن وتشتبه إحدى الأسر أن هذا القاتل هو مستأجر الغرفة في منزلهم. ويستخدم هيتشكوك كل قدرته على إثارة الرعب وصناعة التشويق في تصرفات الأسرة التي تعيش في رعب احتمالية أن يكون شريكها في المنزل هو القاتل المرعب. وشهد فيلم النزيل نجاحا كبيرا جعل العالم يتلفت لمخرجه الشاب الذي لم يكن سوى السمين المشاغب ألفريد هيتشكوك.

كاريزما سينمائية جعلته فوق النقد ألفريد هيتشكوك السمين والمنطوي .. ابن تاجر الخضار اللندني

هيتشكوك استطاع أن يقنع متابعيه أنه التجسيد السينمائي لأجاثا كريستي مؤلفة روايات الجريمة الشهيرة، فمع كل فيلم جديد كانت الحبكة تتعقد والأحداث تزداد غموضا وصولا إلى النهاية المفاجئة. وكان هيتشكوك يظهر دائما في لقطة خاطفة في كل فيلم من أفلامه يقرأ الجريدة في مقهى أو يتحدث يالهاتف من كابينة في الشارع، لدرجة أن كثيرين كانوا يترقبون لحظة ظهوره الخاطفة ويركزون عليها أكثر من تركيزهم على أحداث الفيلم نفسه.

في سنة 1934 قدم هيتشكوك فيلمه الرائع الرجل الذي عرف أكثر من اللازم The Man Who Knew Too Much حول زوجين يذهبان في رحلة إلى سويسرا وتوقعهما الصدفة كشاهدين على مقتل أحد الجواسيس الذي لا يجد بدا من البوح لهما بمعلومات خطيرة تجعلهما هدفا تاليا للقتلة. الفيلم الذي اشترك في كتابته أربعة مؤلفين استطاع هيتشكوك أن يحوله إلى فيلم مذهل في الإثارة والتشويق، لتتكرس هذه السمعة عنه مع فيلم 39 خطوة The 93 Steps في معالجة مختلفة لموضوع اعتيادي حيث يحاول أحد المتهمين أن يثبت براءته من جريمة قتل ويهرب من مطاردة مزدوجة من رجال الشرطة والعصابة التي نفذت الجريمة. وتصبح السمعة أسطورة تضعه كعلامة مسجلة للإقبال الجماهيري لملايين من يستهويهم الركض وراء الألغاز والمفاجآت في أفلامه مثل العميل السري Secret Agent و الاشتباه Suspicion .

مع بداية الحرب العالمية الثانية ينتقل هيتشكوك إلى الولايات المتحدة وهناك تبدأ مرحلة جديدة من مسيرته، حيث تضاف الأفلام ذات البعد النفسي التي تعالج المشاعر الغامضة والمرضية إلى اختصاصه منذ فيلمه الأول هناك Rebecca ولكنه يعود ليخلط بين الجريمة والرعب والجوانب النفسية في أفلامه، إضافة إلى استعانته بممثلين مشهورين في أفلامه. وتتوالى الإنجازات الكبيرة مع غرباء في القطار Strangers on a Train سنة 1951 وأنا أعترف I Confess سنة 1953 والشمال عبر الشمال الغربي North by Northwest سنة 1959 قبل أن يقدم أفضل أفلامه وأكثرها شهرة المريض النفسي Psycho سنة 1960 الذي شهد قمة مزجه بين أفلام الجريمة والرعب والأفلام النفسية. وفي سنة 1961 يضيف هيتشكوك اختصاصا جديدا في مسيرته وهو أفلام الفانتازيا التي تتداخل مع الرعب في فيلم الطيور The Birds.

كاريزما سينمائية جعلته فوق النقد ألفريد هيتشكوك السمين والمنطوي .. ابن تاجر الخضار اللندني

بعد هذا الفيلم تحول هيتشكوك إلى حالة كاريزمية معقدة فلم يعد يعني كثيرا بصناعة أفلام رائعة أو مهمة، ولكنه تحول في حد ذاته إلى فيلم يستقطب اهتمام وفضول مشاهدي السينما الذين يحاولون فهمه وفك ألغازه الشخصية. فهو الأخلاقي المسيحي الملتزم وفي الوقت نفسه الفوضوي العابث المتعالي الذي يضع نفسه فوق النقد متحصنا بشخصية غامضة تمتلك ذكاء مخيفا يحيطه بتهيب الجمهور الذي يخشى أن يصرح بعدم الفهم أو الضياع في متاهات هيتشكوك.

تحول هيتشكوك إلى أحد أيقونات السينما مع أن الناس كفت عن مشاهدة أفلامه ولم تعد تلك الجرعات العالية من التشويق تستهوي المشاهدين، ولكنه ما زال في دائرة الاهتمام والفضول بصورة دفعت هوليوود لإنتاج فيلم كبير عن حياته من بطولة أنتوني هوبكنز. وبرغم أن أفلامه لم تحصل على جوائز كبيرة ولم تعد تلاقي الإقبال اللائق إلا أن الكثيرين يتذكرونه كمخرج عبقري في مشاهد لم يكن أحد سواه يستطيع أن يحولها من ورق السيناريو إلى شاشة السينما، لذلك يبقى بمثابة الأيقونة لأجيال من المخرجين الجدد الذين يستعلمون أسلبوبه لفني لصناعة أفلام الإثارة والتشويق الناجحة التي تبدو مثل اقتباسات على نص أصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى