إضاءات

«كباتن الزعتري» وثائقي يسرد أحلام اللاجئيْن بعيداً عن الأسلاك الشائكة

الجونة ـ «سينماتوغراف»

على مدار ست سنوات تتبّع المخرج المصري علي العربي خطوات شابين سوريين فرّا من القصف في مدينة درعا بجنوب سوريا في 2013 إلى مخيم الزعتري في الأردن، وكانا يحلمان بأن يصبحا نجمين في كرة القدم.

أخرج العربي (33 عاماً) فيلمه الوثائقي “كباتن الزعتري” من رحم معاناة الشابين، ليُعرض اليوم وللمرة الأولى عربياً ضمن المسابقة الرسمية للدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي. ويتناول العمل قصة حقيقية.

يقول محمود داغر (23 عاماً)، وهو أحد بطلي الفيلم “المجتمع الدولي أصبح يتعامل مع اللاجئين على أنهم أرقام وإحصاءات، ولكن الفيلم يقدّم حياة اللاجئين على أنهم جزء من العالم. اللاجئون مثل غيرهم من الناس لديهم آمال وأحلام”.

ويوضّح أنه التقى وصديقه بطل الفيلم الآخر فوزي رضوان قطليش، بالمخرج علي العربي بعد وصولهما إلى مخيم الزعتري هاربين من درعا، “أثناء تصويره مواد إخبارية داخل المخيم”.

ويضيف “شرحنا له وضع اللاجئين وأن لديهم أحلاماً مثل كل البشر يسعون إلى تحقيقها. وبعد ست سنوات من التصوير، وعدنا أن الفيلم الذي يروي حكايتنا سوف يشاهده العالم كله”.

وإن كانت أحلام داغر وصلت إلى العالم، لكن هذا لا يعني أنها تحقّقت، فهو لا يزال يقيم في المخيم ويحلم بالحصول على فرصته في الدراسة ليصبح في المستقبل مدرب كرة قدم محترفاً أو “كابتن”، ومن هنا جاءت تسمية الفيلم “كباتن الزعتري”.

ويُعدّ مخيم الزعتري أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن ويقع في محافظة المفرق (70 كلم شمال عمّان) بالقرب من الحدود السورية ويأوي نحو 80 ألف لاجئ.

ويستقبل الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة، فيما تقدّر عمّان عدد الذين لجأوا إلى البلاد بنحو 1.3 مليون منذ اندلاع النزاع السوري في 2011.

يروي قطليش (24 عاما) من جهته أنه اضطرّ إلى الهرب من مدينة درعا ولم يستكمل دراسته بسبب القصف المستمر.

ويتابع أن والده كان محبّا لكرة القدم وأنه لعب هو وإخوته في نادي الشعلة بدرعا قبل الحرب، “كرة القدم هي حياتي، والمكان الوحيد الذي ينسيني بأنني لاجئ هو الملعب”.

ويقول قطليش المقيم حالياً في المخيم أيضاً، أنه يطمح إلى أن يمنحه الفيلم فرصة ليصبح لاعب كرة قدم أو مدربا مشهوراً، مضيفاً “الأجيال الصغيرة في المخيم تمتلك مواهب في العديد من المجالات وتبحث فقط عن الفرصة”.

وعن الحياة داخل مخيم الزعتري، يقول “تحسّنت الحياة قليلاً عن ذي قبل، لكن الوضع سيء بشكل عام”، مشيراً إلى أن “الكهرباء والماء ينقطعان باستمرار ونعيش منذ سنوات في خيام نقاسي حرّ الصيف وبرد الشتاء… أتمنى أن يعكس الفيلم صورة بسيطة عن حياتنا الصعبة داخل المخيم إلى العالم”.

ويمنع على اللاجئين المقيمين في الزعتري الخروج منه من دون تصاريح، وقد تحوّل المخيم إلى مدينة حقيقية فيها كل أنواع المحال التجارية وفيه أيضاً المدارس والمصانع… ومكتب توظيف تابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية.

وحول احترافهم الكرة، فجّر محمود وفوزي مفاجأة أن قوانين كرة القدم تمنع اللاجئين من الاحتراف، وكانت لجنة من المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين قد شاهدت ما تمّ تصويره في الفيلم بعد أول عام وتحمّست له جداً وقامت بدعمه.

وعمل العربي، مخرج “كباتن الزعتري”، كمصوّر ومخرج في مناطق النزاعات والحروب في العديد من البلدان والمناطق مثل العراق وليبيا وكردستان.

ويقول “كان الوضع بالنسبة إليّ مجرد إحصاءات وأرقام حتى تعاملت مع لاجئين ونازحين ومهاجرين ومصابين”.

ويضيف: “في 2013، قرّرت أن أغيّر زاوية التصوير بالتعرّف على تفاصيل حياة اللاجئين في الأماكن التي لجأوا إليها، وأتاحت لي جامعة الدول العربية زيارة 19 مخيما من بينها مخيم الزعتري”.

وبعد سنة من التصوير في المخيم، عرض العربي عشر دقائق من الفيلم على المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين في الأردن التي وافقت على دعمه وأعطته مساحة أكبر للحركة.

ويتابع “الحياة في المخيم صعبة والمجتمع منغلق ومحافظ، مع الوقت تمكّنت من اختراق صفوفهم واقتربت منهم وأسّست علاقة صداقة مع الشباب ومع المحيط والإدارة”.

وكشف العربي أنه لم يكتب سيناريو للفيلم وأن التصوير تم “بأسلوب ارتجالي والقدر كان يقود تدفّق الأحداث”.

ويوضّح أن ست سنوات من التصوير تُرجمت إلى 700 ساعة تم انتقاء 75 دقيقة منها، مضيفاً “كثّفنا الأحداث قدر الإمكان وتنازلنا عن أشياء كثيرة قمنا بتوثيقها”.

وكان العربي يمضي ستة أشهر في المخيم كل عام على مدار الأعوام الستة لاستكمال التصوير.

ويستطرد “رأيت أن قصة محمود وفوزي ليست فقط عن معاناة اللاجئين، بل هي قصتنا جميعاً التي عشناها في مراهقتنا، بأحلامها وروحها وآلامها وفرحها، إنها قصة قد تحدث في الهند أو الصين أو اليابان أو مصر أو في أي مكان في العالم”.

ويرى المخرج المصري أن العرض الإلكتروني أتاح لعدد كبير من الجمهور فرصة مشاهدة الفيلم في الولايات المتحدة.

وعن اللحظات الصعبة، يروي أنه تم القبض عليه أثناء مغادرته المخيم ذات يوم، “إذ ظن الحرس أنني لاجئ أحاول الهرب”.

ويتذكّر أن “مدير التصوير التصقت يده مرة بالكاميرا بسبب برودة الطقس وانخفاض الحرارة”.

واختار موقع مجلة “فارايتي” المرجعية في السينما فيلم “كباتن الزعتري” في المركز الثاني ضمن قائمة لأفضل 15 فيلماً عرضت ضمن فعاليات مهرجان صندانس الأخير.

وفي سياق متصل، يستعد العربي لبداية تصوير فيلمه الجديد “أسطورة زينب ونوح”، الذي ينتجه المخرج يسري نصر الله، وهو من تأليف أحمد الزغبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى