كريمة مختار.. أيقونة الحب والحزن ورمز الأمومة في السينما المصرية
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
فرضت عليها ملامحها أدوار الأمومة منذ أن خطت خطواتها الأولى في عالم التمثيل، حتى أن أول أفلامها السينمائية، وكان بعنوان «ثمن الحرية»، جسدت فيه الفنانة كريمة مختار شخصية أم تخرج للبحث عن طعام لأطفالها الصغار، فيتم القبض عليها من قبل قوات الاحتلال الإنجليزي مع آخرين كوسيلة للضغط على ضابط مصري كي يخبرهم ببعض الأسرار الحربية، بعدها تنوعت أدوار الأم التي قدمتها كريمة مختار سواء في السينما أو التلفزيون أو المسرح، ولكنها تشابهت في ملامحها التي جمعت بين الطيبة والتسامح والعطاء.
لا يعرف الكثيرون أن بدايات الفنانة كريمة مختار كانت من خلال برنامج الأطفال الإذاعي الشهير «بابا شارو» وذلك في فترة الخمسينات، ومن خلاله اشتهرت كريمة مختار كصوت إذاعي مميز يجيد تقديم الأعمال الدرامية عبر أثير الإذاعة حتى عرض على كريمة مختار المشاركة في بعض الأفلام السينمائية إلا أن أسرتها رفضت ذلك العرض، فاقتصر عملها على الإذاعة حتى جاءتها الفرصة مرة أخرى بعد زواجها من المخرج نور الدمرداش عام 1958 الذي سهل لها المشاركة في فيلم «ثمن الحرية» الذي قالت عنه كريمة مختار: «لم أعتقد وقتها أن تقديمي لشخصية الأم في هذا الفيلم سيحصرني في هذه النوعية من الأدوار، ولكنني اعتقدت أنها فرصة مناسبة لي لإثبات موهبتي بعد تخرجي من معهد الفنون المسرحية، واستمرار رفض أسرتي لأي محاولة من جانبي للعمل في السينما».
بعد عرض فيلم «ثمن الحرية» كانت جميع الأدوار التي تعرض على كريمة مختار لشخصية الأم في مختلف مراحلها، في البدء أعلنت رغبتها في تجسيد أدوار وأنماط مختلفة، لكنها كانت تصطدم بآراء المخرجين وكتاب السيناريو الذين رأوا في ملامحها خير تعبير عن شخصية الأم الحنون.
ولا شك أن ملامح كريمه مختار فرضت عليها أنماط الأدوار التي يؤديها، وعلقت على ذلك في حوار سابق لها قائلة: «كنت أتمنى تجسيد شخصية امرأة لعوب ترتدي الملابس المحتشمة لتخفي وراءها حقيقتها التي تتكشف في نهاية الفيلم، إلا أن هذا لم يحدث لأن ملامحي لم تقنع المخرجين، كما أنني لم أقتنع بأدائي لأدوار الشر لأنني لا أمتلك ملامح الإجرام والعنف».
وهكذا كانت ملامحها وراء موقف المخرجين منها وتكرار تجسيدها لشخصية الأم، ومن أشهر الأعمال السينمائية التي شاركت فيها وجسدت دور الأم ما يزيد على خمسة وعشرين فيلما من أهمها (ثمن الحرية 1964، المستحيل 1964، نحن لا نزرع الشوك 1970، الظريف والشهم والطماع 1971، ومضى قطار العمر 1971، الحفيد 1975، وأميرة حبي أنا 1975، وبالوالدين إحسانا 1976، أنقذوا هذه العائلة 1979، رجل فقد عقله 1980، الشيطان يعظ 1981، إعدام طالب ثانوي 1981، الليلة الموعودة 1984، يارب ولد 1984، سعد اليتيم 1985، امرأة مطلقة 1986، اليتيم والذئب 1993، مهمة صعبة 2007، الفرح 2009، وساعة ونصف 2012).
الأم الحنون، القوية، الفقيرة، الغنية، المهمومة، السعيدة، الفخورة بأسرتها، التي تشكو جفاء الأبناء، المغلوبة على أمرها، المتمردة أحيانا. قدمت كريمة مختار كل هذه الأنواع من أدوار الأم وأكثر بكثير.
ومن النادر في السينما العربية، أن تجد فنانا قادرا على أن يظل بنفس هالة النور، حتى مع تقدمه في السن. على عكس الفنانين العالميين، الذين تُصنع أفلاما لهم خصيصا، لمعرفة قدرهم الفني الكبير، لكن كريمة مختار اكتسبت هذه الميزة، فمع تقدمها في السن خلال سنواتها الأخيرة، وعدم قدرتها على الحركة بشكل كبير، وجدناها تقدم ببراعة بعض الأدوار وهي جالسة لا تتحرك كثيرا، ورغم ذلك تكون مؤثرة، ودليل ذلك مشهدها المميز في فيلم «ساعة ونص»، والذي يجمعها مع الفنان إياد نصار، داخل القطار، وهي تحكي عن ابنها الذي تاهت عنه وتخبره أنه ترك معها ورقة لم تكن تعلم ما بداخلها، لتكتشف أنه يطلب ممن يجدها إيداعها في دار للمسنين.
بقي القول إنه بوفاة كريمة مختار أيقونة الحب والحزن ورمز الأمومة، رحلت آخر أمهات السينما المصرية بعد رحيل أمينة رزق وفردوس محمد وعزيزة حلمي.