بلاتوهات

كريم دردي يرصد بفيلمه «شوف» عنف الأحياء المهمشة في مرسيليا

هدى ابراهيم

«كان» ـ هدى ابراهيم

مفاجأة كبيرة حققها كريم دريدي عبر فيلمه «شوف» الذي قدم ضمن عروض التظاهرة الرسمية لكن خارج المسابقة حين اختار الدخول الى ضاحية مدينة مرسيليا الشمالية التي تشتهر في الاعلام الفرنسي بشبكاتها الناشطة في ترويج المخدرات والسلاح وحيث يسود القتل والعنف وتنتشر العصابات.

وهذه هي المرة الاولى التي تدخل فيها الكاميرا السينمائية الى هذه الاماكن التي تعتبر شبه محرمة، لتلتقط لغتها المختلفة وكوداتها وقوانينها التي صنعها الشبان بين بعضهم البعض، بينما صورت السينما الفرنسية والعالمية كثيرا هذه المدينة، ومن بين آخر الاعمال التي تناولتها مسلسل انتجته «نيتفليكس» وفيلم فرنسي من بطولة كاد مراد.

«شوف» كلمة تستخدم بالفرنسية اليوم لكنها تستخدم في اوساط المهربين في مرسيليا كلقب لعضو العصابة الذي يراقب كل شيء في الحي ويعتبر عين العصابة الساهرة لرؤية كل ما يجر.

اما المخرج فاعتبر في تصريحات صحفية انه اختارها ايضا كعنوان للشريط لانه اراد ان يضيء على هذا الواقع ويريه في صورة من الداخل تختلف عن الصورة المختزلة للاعلام.

13242092_10154006346016294_185707478_o

«شوف» يأتي لاظهار هذه الاحياء المهمشة والمتروكة لنفسها، ليس في ضاحية مرسيليا وحدها وانما في ضواحي العديد من المدن الفرنسية، ودريدي في حديثه عن مرسيليا، انما يدلل عليها ايضا خاصة وهي تهدد بالانفجار ومنها انطلق العديد من الفرنسيين للقتال في سوريا.

هذه الضواحي يعتبر المخرج التونسي-الفرنسي، انها «موجودة بقرار سياسي» وهي امكنة لم تعد الشرطة الفرنسية تدخل اليها لحل مشكلة او انهاء نزاع، وان دخلتها فالشرطة تبدو متورطة في الفساد والتهريب كما في الشريط الذي يعتمد نهجا واقعيا اسود تتيحه السينما اكثر مما قد يتيحه الفيلم الوثائقي الذي قد يتناول هذا الموضوع.

اول ما يلفت النظر في «شوف»، هو هذه اللغة الخاصة التي تتحدث بها الشخصيات وهي مزيج من العربية والفرنسية ولغة الشارع الشائعة في مرسيليا، وهي لغة تملك شيفرتها الخاصة ومعانيها التي يفهمها سكان هذا الحي وحدهم، وهي تعبر الى اقصى حد عن واقع الشخصيات ومصائرها، وايضا تؤكد على قيمة العبارة اذ هم يتكلمون اكثر باجسادهم وفعلهم ويطلقون رشقات الكلاشينكوف ليحسموا اي نزاع بينهم مهما كان تافها، بالموت وحده.

ويضاف الى هذه اللغة، اللهجة الفرنسية الجنوبية الخاصة بسكان مرسيليا والمختلفة عن بقية لهجات فرنسا، ما يزيد من خصوصية الشريط وكونه ينشئ محيطا خاصا به وموائما لطبيعة المكان والشخصيات التي تعيش في ذلك الغيتو الذي لا يزوره الفرنسي «الاشقر» او «الابيض» الا لشراء المخدرات.

13235048_10154006344961294_1039530595_o

يصور كريم دردي الواقع كما هو، وهو ردد في مرات كثيرة انه يعتبر المخرج البريطاني كين لوتش معلما في تصوير الواقع، وقد بني السيناريو بلمسات ذكية واقعية، تعكس قدرة كل شاب في المافيا الناشطة في المخدرات على التلاعب وعلى تزوير الحقائق او اختلاقها، لكنهم جميعا يسقطون الواحد تلو الآخر ضحية العنف الذي انتهوا اليه.

«شوف» فيلم اسود، قوي، لكنه يظل مفتوحا على الامل المتجسد في الحي بسفيان، ابن الرابعة والعشرين، الذي غادر الغيتو لدراسة التجارة في مدينة ليون والذي يعود ليغرق في طحالب المكان الذي يمسك به لكنه الوحيد الذي ينجو من دوامة القتل التي اخذت اخيه.

يعود الى مرسيليا لزيارة اهله، ويكون ان يقتل اخيه، بائع المخدرات، بحضوره فيتخلى عن دراسته للانتقام لاخيه ويعود لتعلم قوانين العصابة وطرق عملها. وهو حين يعود للخوض في هذا العالم يبدو مرتبكا لكنه وبعد فترة وجيزة يصبح اقدر من البقية على امتلاك المفاتيح والتحكم بمجريات الاحداث.

كان ابتعاده عن هذا العالم المقفل هو من زوده بهذه المفاتيح ودراسته التي لم يحظ بها اي شاب آخر من الحي وبالتالي فالآخرون لم يجربوا العالم الآخر المحكوم بمنطق مختلف.

الفيلم اعتنى كثيرا بخصائص الشخصيات، وجوهها وملامحها وصور بدقة علاقات القوة والضعف التي تربطها، فكلمة «العائلة» التي يقوم عليها مفهوم المافيا ولا تشملها دائرة القتل والعنف، ليست هنا العائلة الفعلية، بل عائلة الشباب الذي كووان عصابة، لكن القتل هنا يشمل افراد العائلة ايضا، الذين يصفي بعضهم بعضا، وهم يحلمون بان يصبحوا اغنياء كـ «اللبناني» الذي يسيطر على تجارة الممنوعات في مرفأ مرسيليا.

13224324_10154006344716294_276464945_o

والمخرج يستعير بتلميح ذكي ومداعب بعضا من عبارات افلام المافيا، مثل كلمة «سو» الانكليزية التي تكررها الشخصيات في حواراتها، وايضا طرق القتل المبتدعة وطرق التخلص من الجثث.

ويقيم الفيلم كما عدد من الاعمال السينمائية والوثائقية التي سبقته، كما في الواقع، فرقا كبيرا بين جيل الاهل وجيل الابناء الذين ولدوا وتربوا في فرنسا، الاهل كما الوالد في «شوف» يقول ان الطريق بالنسبة له «مستقيم من دون تعرجات» وهي عبارة يرددها دائما فيسخر منه ابناؤه.

الابناء، ضحايا العزلة والتهميش والفقر لم يسلكوا الطريق نفسها ويعيشون من اقتصاد عمليات التهريب ويريدون الوصول الى الغنى بشكل سريع وبحسب ما هو متاح امامهم في المكان الذي ينقفل عليهم مثل دائرة تظل تضيق الى ان يموت الكل في عالم ممنوع على المرأة ان تدخله.

ينجو فقط، من يقدر على استخدام منطق آخر ينبذ العنف، هذه هي رسالة «شوف» الذي يعتبر الشريط الثامن للمخرج وهو من انتاج شركة «3 ب بروديكسيون» التي يشرف عليها جان بريا ورشيد بوشارب. ويتوقع ان يخرج الشريط الى الصالات الفرنسية في الخامس من اكتوبر المقبل.

وهذا هو الفيلم الثالث لدريدي المشارك في مهرجان كان بعد شريطه الاول «باي باي» وشريط «خمسة» الذي صور باكمله في مخيم للغجر والفيلم الاخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى