«كلاب الحرب».. حالة العبث التي تجتاح عالم اليوم
القاهرة ـ أمنية عادل
في تأثر واضح بطريقة مارتن سكورسيزي خلال أفلامه عن المافيا وعالم الجريمة الممزوجه بالإطلاع على الجانب الإنساني كما هو الحال في “Goodfellas” وكذلك “The Wolf of Wall Street” يقدم المخرج تود فيليبس فيلم “War Dogs” بصبغة سكورسيزية بعض الشئ ويتضح ذلك منذ المشهد الأول.
فمن خلال قصة حقيقية وقعت في بداية الألفية الجارية يستقي فيليبس حكاية فيلمه، حيث شابان في ربيع العمر يتخذان من توريد السلاح عملا مربحا لهما، وهو ما يجلب عليهما النعيم والخراب في آن واحد، ووسط السعي وراء تحقيق ملامح الحلم الأمريكي حيث الحياة المترفة والتفكير الفردي تنهار علاقتهما المبنية على صداقة الطفولة.
فيلم مختلف ومميز مرتكز على مقال ورد في “رولينغ ستون” ينتمي لفئة السيرة الشخصية وعالم الحرب والجريمة لكن كل ذلك في اطار كوميدي. العمل شارك في كتابته تود فيليبس مع جايسون سميلوفيتش وستيفن شين. الكاتب في “رولينغ ستون” غاي لاوسون كتب كتابا بعد المقال يفصل قصته التي تتحدث عن تاجري سلاح موجودين في رومانيا يحصلان على عقد حكومي لتصدير سلاح للقوات الاميركية في أفغانستان لكنهما يجدان أنفسهما يواجهان الخطر في الخارج وغير قادرين على العودة للوطن.
يأتي الفيلم في قرابة ساعتين مليئتين بالأحداث المتعاقبة والمشوقة، ويبدأ مع عام 2005 وتستمر الرحلة ثلاث سنوات كفيلة بتغير الأحوال والأشخاص، لاسيما مع التطورات التي تحيط بالأحداث العالمية.
ورغم رصد الفيلم عالم الجريمة والمتاجرة في السلاح، إلا أنه لا يتطرق إلى البعد الأخلاقي القيمي لما يقوم به كل من “إيفرايم ديفرولي” و”ديفيد باكوز”، بل يقدم رؤية شخصية مروية على لسان “ديفيد باكوز” لما يفعله كل منهما ودوره في تلك اللعبة التي تُقدم بحبكة مسرحية ورؤية خاصة لراويها.
فصول سينمائية
يعتمد الفيلم على سبيل مسرحي لتقديم أحداثه للمشاهد، حيث يقدم قرابة خمسة فصول كل منها يحمل عنوان يأتي على لسان أحد الشخصيات، فمن خلال حيلة الفصول المسرحية يمتاز الفيلم بسرعة الإيقاع، كما يقدم تناقضات القصة والأحداث والشخوص..
“كلاب الحرب” من الأعمال التي يعتمد مشاهدها على أنها لن تقدم له الكثير، ومع هذا فإن الفيلم يحمل في طياته الكثير من الأفكار والانتقادات الممزوجة بالكوميديا السوداء للإدارة الأمريكية التي تخصص الكثير من المال والجهد والأرواح لحروب لن تدر على البشرية إلا الخراب والموت، ومع ذلك تحقق النجاح والصعود لأولئك الذين يجدون في موت الآخرين حياة لهم، ويحيون على معاناة من حولهم.
الحلم الأمريكي
يسير ديفيد وإيفرايم على خطى ما أشار له المؤرخ جيمس تراسلو آدامز إلى قدرة الأمريكيين على عيش حياة أفضل وأكثر ثراءا وسعادة، أو كما يعرف بالحلم الأمريكي، الذي أثبت فشله فيما بعد وانتقده كثير من المفكرين لما يحمله من أنانية فردية ونسيان لمصلحة الغير بل وسحقه للوصول إلى حياة أفضل، وهو ما يوضحه فيلم “كلاب الحرب”، إذ يقدم المعادلة في صورة أكبر، فوسط سعى ديفيد وإيفرايم إلى الثراء وحياة الترف يقومان بتصدير السلاح الذي ينهى حياة الملايين، في تصرف ذكى من المخرج تود فيليبس الذي لم يلمح إلى مأساة من تدار فوق رؤوسهم الحروب، وترك مخيلة المشاهد تكمل القصة من خلال ما يعيشه من محيط يضج بالأحداث الطاحنة. لينتقد بعد ذلك فيليبس في سخرية الحلم الأمريكي الذي انقلب على صاحبه في النهاية، كما يكافئ “ديفيد” على ما تبقي لديه من إنسانية وانسحابه من لعبة الدم بقدر وفير من المال يوفر عليه عناء التعب في الحياة القاسية.
وبلا شك سيستهوي الفيلم محبي الإثارة والجريمة والحركة لاسيما مع إيقاعه السريع من خلال مونتاج Jeff Groth، كما أن الكوميديا الموظفة تمنح الفيلم روح من المرح الخاص، فيما يلعب تصوير Lawrence Sher (رفيق تود فيليبس في أكثر من عمل) دور فعال في تشويق المشاهد بلقطات متنوعة تتلائم مع الأحداث المتعاقبة وراصدة لإنفعالات الشخوص، كما تتنوع ما بين العين الخارجية ورؤية “ديفيد” الذي يروي لنا الأحداث ويستهلها بالتعريف عن نفسه.
رؤية جماهيرية
يبدأ الفيلم من قرابة النهاية حيث ديفيد مصوب نحوه مسدس وينتظر الموت بين لحظة وأخرى ونعود معه ثلاث سنوات للوراء لنعرف ماذا حل به ليصل إلى تلك اللحظة الفارقة في حياته، ورغم أن تقنية الفلاش باك مستخدمة بصورة كبيرة في أفلام الجريمة إلا أنها كانت متقنة بهذا الفيلم ولعبت دور في الحفاظ على الإيقاع وجذب المشاهد ليتساءل لماذا يحدث هذا لديفيد؟!.
تعتبر الموسيقي لـ”Cliff Martinez” من أهم عناصر الفيلم، أو بالأحرى الأغاني المختارة بعناية لتجسيد الأحداث والتي ارتبطت بالتغيرات المرحلية التي تمر بها الشخوص، وتعبر بطريقة غير مباشرة عن ما يدور في داخل ديفيد من تخبطات وانفعالات، أما عن التمثيل فكما هو معروف عن جون هيل روحه المرحة التي عهدناها في أكثر من عمل وشهدت نضجا كبيرا في فيلم “ذئب وول ستريت”، يمكن اعتبار شخصية “إيفرايم” في هذا العمل هي التطور أو الجزء الثاني من شخصيته في “ذئب وول ستريت”، كما حمل على عاتقه قدرا كبيرا من الكوميديا التي يحتويها الفيلم، أما عن الموسيقي الذي أثبت حضوره في التمثيل بعد فيلم “Whiplash” مايلز تيلر فقدم سهلا ممتنعا في تجسيده لشخصية ديفيد هذا الشاب الذي يسعى للحياة دون تكلف أو تأثر زائد على طريقته.
ويبدو أن فيليبس يفضل العمل مع فريقه الخاص حيث يستعين بالممثل الأمريكي برادلي كوبر، صاحب الترشيحات الأربعة للأوسكار، في دور خاص لتاجر السلاح الذي يدير اللعبة الكبري ويكاد غضبه يكلف ديفيد حياته، وكعادته قدم كوبر دور هنري جريراد بملامح خاصة ونبرة أعطت للشخصية روحها رغم قلة ظهورها.
فيلم “كلاب الحرب” يعتبر عملا جماهيريا تجاريا لكنه لا يقف عند هذا الحد، فيقدم رؤية خاصة وكاشفة عن الحرب وسط الضحكات المتعالية من خلال الكوميديا التي تصل إلى حد العبث، لتتماشي مع حالة العبث التي تجتاح عالم اليوم.