بلاتوهات

كمال رمزي يكتب: كمال سليم، أكبر من «العزيمة»

كمال رمزي

بقلم: كمال رمزي

لو كانت ظروفنا غير ما هى عليه، كنا سنضئ مائة شمعة لابن مصر الموهوب، كمال سليم الذي رحل في مثل هذا اليوم ـــ 2 أبريل 1945، المعروف بصاحب «العزيمة»، الفيلم الرائد الذى لا يزال محتفظا بقوته ونضارته والذى كتب عنه مئات الصفحات، ويكاد يحفظه عشاق السينما.. لكن «العزيمة»، بألقه المبهر، حجب النور عن أعماله الأخرى، حتى إن البعض اعتبر الرجل من مخرجى الفيلم الواحد المتميز، أقرب لبيضة الديك، لا يتأتى إلا مرة استثنائية.. هذا الكلام خاطئ تماما، فقائمة أفلامه، مخرجاً وكاتباً، للسيناريوهات تثبت أن الكثير منها جدير بالتقدير الرفيع.

كمال سليم، عاشق السينما والأدب ترعرع فى المناخ الوطنى المزدهر فى أعقاب ثورة 1919. انضم إلى التجمعات الثقافية، ذات الطابع اليسارى التى انتشرت فى الثلاثينيات والأربعينيات.. تبلور هذا المزيج فى أعماله التى تجمع بين الآداب العالمية والنزعة المصرية الخالصة، التى تصبغ تلك المصادر الأجنبية بطابع محلى من الصعب التعرف على أصولها لولا نزاهة كمال سليم فى الاعتراف بها.. عن رواية «البؤساء»، لفيكتور هوجو يحقق فيلما راسخا «1943» تتحول فيه نماذجها البشرية إلى شخصيات مصرية لحما ودما، وإحساسا، فضلا عن مهارة فى إدارة حركة الممثلين، وتجسيد البيئات الشعبية.. وفى «شهداء الغرام» المأخوذ عن «روميو وجولييت» لوليم شكسبير، وهو من أواخر أفلامه «1944»، يعود بالأحداث إلى زمن المماليك، والواضح أن غلالة التاريخ يتسربل بها الفيلم متحاشيا التعرض للواقع مباشرة.. هنا الوالى الظالم، الأكول، النهم، النهاب، الذى يسيطر على منطقة تتنارع أسرتان الهيمنة عليها، كل منهما تريد جمع الضرائب من العامة بنفسها لنفسها، ومع توالى الأحداث الصارمة والتى تنتهى بموت الحبيبين بأداء ليلى مراد وإبراهيم حمودة لا يفوت كمال سليم التركيز على إبراز شراهة السادة المسيطرين على زمام الأمور.. قبل «شهداء الغرام» أخرج محمد كريم «ممنوع الحب» 1942، عن ذات المسرحية بأداء محمد عبدالوهاب ورجاء عبده، وتبرز المقارنة بينهما مدى اتساع الهوة بين الرومانسية التى نظرت للصراع بين الأسرتين الطيبتين كمجرد منافسة طريفة فى الانتخابات والواقعية التى جعلت للصراع جذورا اقتصادية ذات طابع وحشى تنتهى بمأساة.. بينما ينتهى «ممنوع الحب» بالرفاه والبنين.

كمال سليم
كمال سليم

يتسم أسلوب كمال سليم بقدر كبير من الحيوية سواء فى تحريك الكاميرا أو حركة الممثلين داخل المشهد ويصل إلى درجة رفيعة من الاتقان فى المشاهد الافتتاحية لأفلامه خاصة عندما تدور فى الحارة فجرا فمع اشراقة الصباح تتفتح الحياة فى «العزيمة» مع الذاهبين لصلاة الفجر، وعمال المخبز، وبائع اللبن وثمة من يمسح مرايات المقهى ويدخل الكادر «العتر» الجزار المزعج بأداء خلاب من عبدالعزيز خليل. وفى «المظاهر» 1945 يطالعنا مشهد موازٍ لبراعة الاستهلال فى العزيمة أطفال يلعبون، حلاق ينفض فوطة، باعة ينادون، ثم يدخل الطرابيشى المزعج، بأداء ممثله الأثير، عبدالعزيز خليل بأدائه العفوى الذى يعطى مذاق الواقعية فى أصدق صورها.

كمال سليم، المنحاز للمصرية وللعمل ضد البطالة والمتغنى بكل من يخدم أبناء وطنه من الفلاحين كما فى فيلم «الدكتور» 1939.. إنه صاحب مدرسة تخرج فيها صلاح أبوسيف مساعد إخراجه فى «العزيمة» و«إلى الأبد»، وكمال الشيخ الذى تعلم الكثير أثناء قيامه بمونتاج «البؤساء» و«المظاهر» و«ليلة الجمعة»، وحلمى حليم الذى ساعده فى «أحلام الشباب».. كمال سليم، أكبر من «العزيمة»..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى