«لا تقلقي حبيبتي».. يجمع بين فقاعة الفكرة وتعثر الإخراج
«سينماتوغراف» ـ لمياء رأفت
يبدأ فيلم «لا تقلقي حبيبتي» في أجواء تشبه الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة، في حفل بإحدى المنازل الأنيقة، تحضره الزوجات وربات البيوت مع أزواجهن، والكل يبدو سعيدا كما لو كانوا شخصيات في مسلسل تلفزيوني ينتمي إلى هذه الحقبة حول حياة الأسرة الأميركية من الطبقة الوسطى.
وسريعاً ما يكتشف المشاهد أن هؤلاء ما هم إلا موظفين في شركة وسط الصحراء، غير معروف نشاطها بالضبط، فحتى الزوجات لا يعلمن مهن أزواجهن، ولكن هذه السعادة والسلام يُدمَّران بسبب إحدى السيدات التي تصرخ في الجميع منددة بالشركة والمقر، لتضع الشك في قلب البطلة (أليس ـ فلورانس بيو) والتي تقودها الصدفة للوصول إلى المنطقة المحرمة من أرض الموقع، ومن هنا تبدأ في اكتشاف هشاشة هذا العالم الذي تعيشه.
يوحي الفيلم في البداية بأنه دراما تاريخية قبل أن يكتشف المشاهد مع البطلة بالتدريج أن هذا العالم ليس حقيقيا، بل صنعه مدير الشركة (فرانك ـ كريس باين)، وجمع فيه هؤلاء الرجال الذين يعرفون أنهم يعيشون في محاكاة، بينما تجهل زوجاتهم الغافلات هذه الحقيقة، فيتحول إلى فيلم إثارة وتشويق وخيال علمي كذلك.
ويحيل الفيلم المشاهدين بصورة عفوية إلى أحد أشهر الأفلام التي تناولت فكرة عوالم المحاكاة «ذا ترومان شو» (The Truman Show) بطولة جيم كاري، والذي يعيش فيه البطل ترومان في عالم مثالي بالنسبة له، مع جيران لطفاء، وحياة مستقرة تشبه أيامها بعضها البعض، ولكن يكشف بعد ذلك مثل البطلة “أليس” أن ذلك ليس عالما طبيعيا، بل هو جزء من برنامج تلفزيوني يشاهده الملايين، يكون في استوديو عملاق، والهدف من هذه التجربة المروعة التي خضع لها بدون معرفته الإثارة التلفزيونية البحتة.
قدم فيلم «لا تقلقي حبيبتي» فقاعة مشابهة تعيش فيها الزوجات وتم تحديد فترة الخمسينيات لأنها شهدت عودة السيدات الأميركيات للمنازل بعد الحرب العالمية الثانية، وبدء رسم صورة الحياة المنزلية المثالية وشكل الحلم الأميركي الذي تم الترويج له ضمن بروباغندا الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
والسؤال الذي يطرحه الفيلمان هو لماذا هذه العوالم المحاكية شريرة؟ فعلى الرغم من كونها تقدم لسكانها حياة مثالية سعيدة للغاية، وأمان مادي واستقرار عاطفي، إلا أن سكانها ينقلبون عليها بمجرد معرفتهم حقيقتها، والسبب وراء ذلك هو أنها تسلب الإنسان أعز ما يملك؛ إرادته الحرة في اختيار مسارات حياته، حتى لو كانت مسارات وعرة، أو حياة تعيسة.
فيلم «لا تقلقي حبيبتي» استحق المعدل المتواضع 38% على موقع “الطماطم الفاسدة ـ روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes)، فعلى الرغم من فكرته الجذابة واستخدامه لثيمة تُعد مجالا خصبا للتساؤلات الفلسفية، فإن المخرجة اهتمت بالطابع البصري للفيلم والذي كان مميزا بالفعل أكثر من السيناريو، ما جعل في النهاية الفيلم مجرد صورة جميلة لكن فارغة من المعنى.
امتلأ الفيلم بالفجوات في السيناريو، فعلى سبيل المثال ما الهدف من هذا المجتمع المثالي؟ وما المكاسب التي يجنيها صاحبه فرانك من هذه التكنولوجيا الباهظة؟ وأين يذهب هؤلاء الرجال كل صباح؟ كل هذه الأسئلة يطرحها المشاهد على نفسه خلال الفيلم، ويتوقع إجابات قرب النهاية، لكن تنزل تترات الختام لتغلق الستار على عمل يبدو كفكرة غير مكتملة، أو جملة تتكون من مبتدأ بلا خبر.
عانى الفيلم كذلك من خلل في توضيح وجهة النظر التي تروى منها الأحداث، فمنذ البداية نجدنا متعلقين بوجهة نظر البطلة “أليس” وبالتالي هو سردٌ من “وجهة نظر الشخصية الأولى”، هذا يعني أن المشاهد لا يعلم ولا يرى سوى ما تراه وتعلمه هذه الشخصية، ويستمر ذلك حتى الفصل الثالث من الفيلم، وهنا يتم تحويل السرد إلى “وجهة نظر الشخص الثالث” والتي تعطي للسارد حرية أكبر بعيدا عن تقييد الشخصية الأولى، فابتعدت الكاميرا عن وجهة نظر أليس لنتعرف كيف انضم زوجها إلى هذه الشركة، والطريقة التي أخضعها بها للتجربة بدون علمها، وهي معلومات لا تعرفها البطلة بالتأكيد.
هذا الخطأ في السيناريو أظهر مزيج من قلة الحيلة وانعدام الخبرة لدى المخرجة والمؤلفة، فقد كان الممكن تغيير طريقة السرد، أو إيجاد حلول أخرى للكشف عن الحيل التي اتبعها الزوج، والأهم أن هذا الارتباك لم ينتج عنه إيضاح مُرضٍ لدوافعه التي جعلته يقبل هذه الحياة المزدوجة العجيبة.
يمثل فيلم «لا تقلقي حبيبتي» كبوة كبيرة في مسيرة أوليفيا وايلد الإخراجية، فهي تحتاج في مشروعها الثالث إثبات أن نجاح فيلمها الأول (Booksmart ـ الذكيتان) قابل للتكرار، وليس مجرد ضربة حظ المبتدئين.