لا سعفة ثالثة للاخوين داردين في مهرجان كان السينمائي هذا العام
«كان» ـ هدى ابراهيم
بانتظار الفيلم المنتظر جدا والذي يعرض هذا المساء ضمن المسابقة الرسمية مسجلا المشاركة الثانية للكندي كزافييه دولان في مسابقة أهم مهرجان في العالم، قدم مهرجان كان السينمائي في اليوم الثامن من عروضه فيلم الاخوين البلجيكيين جان-بيار ولوك داردين، الحائزين مرتين على السعفة الذهبية فضلا عن جوائز أخرى والمنتميين لنادي كبار المخرجين الحصري الدائم الحضور في مهرجان كان.
لكن الأخوين داردين، لا يتوقع لهما الفوز بسعفة ثالثة أو بجائزة كبيرة من جوائز المهرجان الذي لا زالت مسابقته الرسمية تخبىء المزيد من الافلام الهامة والمرتقبة مثل فيلم «البائع» للمخرج الايراني اصغر فرهادي، وفيلم «الوجه الأخير» للاميركي شون پين، وفيلم «ذا نيون ديمون» لنيكولا ويندن رافن وفيلم «هي» لبول فرهوفن. هناك ايضا فيلم «بكالوريا» للمخرج الروماني كريستيان مانجيو الذي سبق له هو ايضا الحصول على السعفة عن شريطه «اربعة اشهر، ثلاثة اسابيع ويومان»، كل ذلك في دورة تعتبر ممتازة في معظم افلامها.
في شريطهما الجديد «الفتاة المجهولة الهوية»، لا يبتعد الاخوان إطلاقا عن نطاق السينما الاجتماعية الواقعية التي انتهجاها في اعمالهما والتي منحتهم السعفة الأولى عام 1999 عن شريط «روزيتا» الذي عالج في حينه البطالة وانعكاساتها الاجتماعية والثانية، عام 2005 حين انتزعاها عن فيلم «الطفل»، وهما اوكلا دور البطولة هذه المرة الى الممثلة آديل هاينل، لتؤدي دور الطبيبة الشابة فتلتصق بها كاميرا الأخوين في كل لحظة من لحظات الفيلم.
وتؤدي هاينل دورها الى جانب ثلاثة من الممثلين المعتادين في أفلام الاخوين، جيريمي رينييه، فابريزيو رونجيون (يلعب معهم للمرة السادسة) واوليفييه غورمي، الذي حقق معهما جائزة افضل ممثل عن دوره في شريط «الابن» (2002).
الفيلم صور في مدينة لياج البلجيكية وفيه لا يتخلى الاخوان عن قاموسهم السينمائي المعتاد، لكن الطبيبة تتخلى عن موقع مهم في مستشفى للعمل في عيادة في حي شعبي، حيث تكثر الحاجة اليها، ما يعبر عن التزامها وشغفها بعملها وهي في بداية مسيرتها المهنية.
غير ان حادثا تتعرض له الطبيبة «جيني» بسبب موت شابة لم تفتح لها باب العيادة، بعد انتهاء الدوام، والوقت المتأخر شكل لها عقدة ذنب لا تنجح في تجاوزها الا حين تتحول الى نوع من تحرّ يبحث بشكل دؤوب عن الجاني، في محاولتها اصلاح خطئها والتكفير عن ذنبها او ما تعيشه على انه ذنب.
«جيني» بطلة عادية تعمل في حيز مهمش، تبدو باردة من دون عواطف لكنها في العمق تخوض صراعا دائما بين دورها الموضوعي كطبيبة وبين عواطفها حيال ما تواجهه، فالكاميرا تتبع جيني الى بيوت مرضاها لتكشف عمق المجتمع في ضاحية مدينة لييج البلجيكية، حيث الفقر والعوز والوحدة وتفكك الروابط، وهي قضايا طالما توقف عندها الاخوان.
«اذا كنت تريد ان تصبح طبيبا جيدا عليك ان تترك انفعالاتك جانبا» تقول الطبيبة الشابة للطبيب المتدرب الذي تشرف عليه. في مقابل ذلك، تمتلك الطبيبة قدرة عالية على الاستماع لاجساد مرضاها وتنفذ عبر ذلك لارواحهم التي تتألم قبل الجسد. شيئا فشيئا يتحول البحث عن اسم تلك الفتاة المجهولة غير البالغة الى هاجس يرافق «جيني» ليل نهار الى ان تمسك تدريجيا بخيوط ما جرى.
يقول الاخوان داردين ان الفكرة كانت ستطبق اساسا على شرطي لكنهما ارادا الابتعاد عن فيلم من النوع البوليسي
يهمل الاخوة داردين كعادتهما الحديث عن اي تفصيل آخر يتعلق بحياة «جيني» سوى ذلك المتعلق بمهنتها، لا يعرف المشاهد اي شيء عن حياتها العاطفية او اهلها او هواياتها.. كل ذلك يعتبر من نافل القول، وهذه ايضا خاصية من خصائص السينما التي تميز الأخوين، داردين، كل تفصيل خارج عن الاطار المحدد يتم اسقاطه.
ويحسب للفيلم الدقة التي لعبت بها الطبيبة دورها ويبدو ان الاخوين اجريا مقابلات كثيرة مع الاطباء كما حضرت طبيبة صديقة لهما التصوير لتصويب الدور الاساسي، وهذا واضح جدا في الفيلم.
لكن ورغم عدد من الجوانب الايجابية، يشكو الحدث، في مواطن عدة، من بعض التباطؤ خاصة بعد مضي نصف الساعة الاولى من الفيلم، اذ يعاني السيناريو من مشكلات بنيوية يصعب قبولها خاصة حين تقوم الطبيبة بتحقيقها الخاص وتصل الى النتيجة قبل الشرطة.
رغم جودة العمل، وبسالة الجانب الانساني الملح في شخصية الطبيبة فان شريط الاخوين داردين لم يسحر احدا من جمهور الكروازيت وهو مرشح كما فيلم المودوفار لان يبقى في أسفل سلم الاعجاب والسعف، اقله، من قبل النقاد الذين شاهدوه والذين صفر بعضهم بخفر احتجاجا خلال عرض الصباح.
كما ان «الفتاة المجهولة» يبتعد عن حرارة السينما، وعن الجاذبية التي ينطوي عليها هذا الفن لشدة الرغبة في الواقعي، الى درجة نسيان السينما وكل ما يمكن ان تخلقه من سحر.