لغة سينمائية: «أين الغزو التالي؟».. يثير الجدل
يدهشنا المخرج الأميركي مايكل مور بأعماله السينمائية الوثائقية التي راحت تمثل نهجاً سينمائياً مشبعاً بالشفافية والمواجهات السياسية.
في أحدث أعماله «أين الغزو التالي؟»، الذي تشير بعض التلميحات في الصحف الأميركية إلى أنه لم يترشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي لسخريته العالية من السياسية الأميركية.
استطاع المخرج مايكل مور على مدى عقد ونصف العقد من الزمان أن يحقق حضوره وبصمته السينمائية المشاكسة من خلال كم من الأعمال السينمائية الوثائقية العالية الجودة، فهو مثلاً في فيلم «بلوينج كولمباي» 2002 يتناول موضوع بيع الأسلحة ومخاطره على المجتمع الأميركي. وفي فيلم «11/9 فهرنهايت» 2004 ذهب إلى موضوع الإرهاب والتطرف والمخاطر التي تحيق بالولايات المتحدة في تلك المرحلة من تاريخها، وصولاً إلى فيلمه الأخير «أين الغزو التالي؟» والذي يتحدث خلاله عبر لغة تهكمية عالية عن سياسية الولايات المتحدة الخارجية والقيام بغزو الكثير من الشعوب تحت ذريعة البحث عما عندها من نقاط تميز وإشعاع وتوهج.
ويأخذنا الفيلم في رحلة إلى فنلندا وإيطاليا وفرنسا لرصد الكثير من المشاكل التي تعترض المتجمع الأميركي وطرح الكثير من الحلول، من بينها أهمية القيام بغزو لعدد من الدول من أجل الاستفادة من تجاربهم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أبرز الشخصيات التي تتحدث في الفيلم وزير التربية والتعليم الفنلندي ورئيس وزراء آيسلندا السابق وعدد آخر من الشخصيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعطي إشارات إلى كم من المغامرات السياسية والعسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية هنا أو هناك من أنحاء العالم للاستفادة من خيرات تلك الدول.
كما يتحدث الفيلم عن نظام الإجازات في إيطاليا والذي كان له أبعد الأثر في نفسية الإنسان الإيطالي الميالة إلى الفرح. ويتساءل: «لماذا لا نغزو إيطاليا ونتعلم منهم الفرح؟»، ثم يذهب الفيلم إلى فرنسا لنتابع نظام التغذية في إحدى المدارس وكأنها قادمة من مطعم باريسي للإشارة إلى معاناة الطلاب في المدارس الأميركية.
يكرر تساؤله «لماذا لا نغزو فرنسا لنتعلم منهم النظام الغذائي لأطفالنا ومدارسنا، وصولاً إلى سلوفينيا حيث النظام التعليمي الجامعي الرفيع المستوى؟»، والذي راح يستقطب الكثير من الطلبة وكذلك المدرسين الأميركيين للاستفادة من تجربته.
ويصل الفيلم دولاً أخرى في تعاملها مع موضوع الجريمة والعقاب وصولاً إلى تونس والحضور المتميز للمرأة من خلال مظلة الدستور.
في نهاية الفيلم يشير مايكل مور إلى عزلة الإنسان الأميركي والمجتمع الأميركي ويدعوهم للاستفادة والتعلم من تجارب الآخرين ليس بالغزو لدول لا تعود عليهم بالنفع، لا بل بالكوارث وسقوط الأبرياء، حيث يدعو إلى غزو من نوع آخر للاستفادة من تجارب الآخرين وقيمهم الكبرى، وكل ذلك بلغة سينمائية تهكمية ساخرة موجعة.