لمياء رأفت تكتب: «فينش» توم هانكس.. والعودة إلى دور الناجي الوحيد
«سينماتوغراف» ـ لمياء رأفت
خاض فيلم “فينش” (Finch) رحلة طويلة حتى وصل إلى مرحلة العرض، فمن فكرة منتجة في الأساس للشاشة الكبيرة، إلى تأجيلات متعددة، وتغيير في الأستوديو، ثم مزاد علني لحقوقه تفوز بها شركة “آبل” (Apple)، ليعرض على منصتها الرقمية منذ الخامس من نوفمبر الجاري، وقبل ذلك خضع الفيلم لمقص المونتاج للتخلص من شخصيتين ظهرتا به من أجل تخفيف حدة ميلودراما القصة وجعلها أكثر خفة.
ومنذ الإعلان عنه، ثارت الكثير من التساؤلات على موقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تركزت في أغلبها على “مم سينجو توم هانكس هذه المرة؟” فالممثل الأميركي الشهير -والعامل الأهم في شهرة هذا الفيلم- دأب منذ سنوات على تقديم أفلام النجاة من ظروف صعبة: مرة على جزيرة منسية، وأخرى في مطار لا يستطيع الخروج منه، أو في سفينة اختطفها القراصنة، أو من طائرة على وشك الارتطام بالأرض، لكن السؤال الأهم الذي لم يطرح، هل سينجو توم هانكس هذه المرة؟
أول ما يكتشفه المشاهد في فيلم “فينش” أن أحداثه تدور في عالم ما بعد المحرقة أو “ديستوبيا”، حسب ما يطلق على هذا النوع الأدبي والسينمائي، أي في هذا العالم الفيلمي مرت الكرة الأرضية بكارثة كبيرة قضت على أغلب البشر، ولم يتبق سوى قليل من الناس الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة.
وفي هذا الفيلم انتهت حياة أغلب البشر نتيجة كوارث بيئية متعددة أدت إلى زوال طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من أشعة الشمس فوق البنفسجية، فأصبحت الأخيرة قاتلة ليس للبشر والحيوانات فحسب، بل تقتل كذلك المحاصيل والمزروعات، وبالتالي حدثت أزمة في الغذاء، وتضاءل عدد البشر حتى الحد الأدنى بسبب حربهم على الطعام.
في هذا العالم المرعب، يحيا على الهامش الناجي “فينش” وهو رجل كبير في العمر -يقوم بدوره توم هانكس- مع كلبه الصغير، حيث يقوم برحلات صغيرة لصيد الطعام في الأماكن المهجورة المجاورة، وصنع ملاذًا يذكره بحياته القديمة في مكان خفي؛ حياته بسيطة ولكن مستقرة، حتى تتضافر عدة عوامل تجعله يتخذ عدة قرارات مصيرية.
فالمكان الذي يسكنه ستجتاحه عاصفة مرعبة لن تبقي ولن تذر، بينما يحتضر نتيجة تسمم بأشعة غاما سيودي بحياته قريبًا، لذلك يبني إنساناً آليا ليعتني بكلبه بعد وفاته، ويقوما برحلة عبر الولايات المتحدة للهرب من العاصفة ومن البشر حولهم كذلك.
يعود توم هانكس في هذا الفيلم إلى بناء استخدم في فيلمه الذي عُرض مؤخرًا على “نتفليكس” (Netflix) “أخبار العالم” (News Of The World)، الذي خاض فيه البطل الشيخ رحلة عبر الغرب الأميركي لإنقاذ حياة الطفلة الصغيرة جوهانا، ويبدأ في تعليمها أصول الحياة المدنية، وبناء علاقة قوية معها حتى تصل إلى بر الأمان.
في فيلم “فينش”، تم استبدال الفتاة بالروبوت جيف، الذي ظهر في الأحداث بشخصية مراهقة، وذلك مبرر في السياق بأنه لم يتم تحميل كل بياناته بالكامل، نتيجة لضيق الوقت وأهمية التحرك بعيدًا عن مركز العاصفة سريعًا، فيكون على فينش إكمال تعليمه، واستعداداته ليحيا على الأرض بعد وفاته، وتنشأ بينهما علاقة تشبه التي قامت بين جوهانا وكابتن كيد في “أخبار العالم“.
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن، هل يعيد توم هانكس تقديم الحبكات ذاتها مرة بعد الأخرى؟
الإجابة هي نعم ولا؟ فقد حصر هانكس نفسه في أدوار معينة، رغم محاولته الخروج عنها مرات قليلة، لكنه ناجح فيها لدرجة تجعله الاختيار الأول للمخرجين لتقديمها، مثل دور الناجي الوحيد، أو الأب أو الجد اللطيف، وأضفت عليه هذه الأدوار شخصية اعتبارية في ذهن المشاهد، فبدت كأنها ملتصقة به، وكأننا نشاهد الشخصية نفسها لكن في حبكات مختلفة كل مرة.
وفي الوقت ذاته، قدم على مدار مسيرته المهنية الكثير من الأفلام، لدرجة أن تكرار أدواره أو قصصها وإعادة تدويرها أمر وارد للغاية، خاصة وأن السينما الأميركية تحب النجاح، وإعادة تقديم القصص التي اجتذبت المشاهير، وتحقق الملايين من المشاهدات أو في شباك التذاكر، لذلك من الطبيعي أن يتم اختيار هانكس “البيضة الذهبية” لهذه الأفلام لضمان نجاحها.
لكن هذا لا يعني أن “فينش” فيلم مكرر لدرجة السأم، بل هو فيلم لطيف حاول تقديم عالم ما بعد المحرقة بشكل مخفف، فاستخدم الموسيقى التصويرية وأداء هانكس الجذاب وشخصية الروبوت المراهقة ليصنع مزيجًا مقبولًا وجميلًا من عالم -بالتأكيد- حزين، في ظل الجوع وغياب الموارد ووحشية البشر.
لكنه في النهاية، عمل سيمر مرور الكرام، لن يتذكره سوى محبي توم هانكس الذين يشاهدون أفلامه المرة بعد الأخرى بلا ملل، ولا يبالون بتكرارها.