«لندن السينمائي»: حضور قوي للمرأة ومشاركة عربية مميزة في «مهرجان المهرجانات»
«سينماتوغراف» ـ الوكالات: صفاء الصالح
تنعقد الدورة الـ 61 لمهرجان لندن السينمائي في مناخ تحولات سياسية كبرى في بريطانيا والعالم فرض ظلاله بقوة على تظاهرات المهرجان وفعالياته.
فهذه الدورة هي أول دورة تفتتح أبوابها بعد تصويت بريطانيا التاريخي على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووسط مناخ محتدم من المفاوضات لتصفية ميراث الشراكة مع هذا الاتحاد.
لذا تطمح العاصمة البريطانية في أن يعكس هذا المهرجان مكانتها كواحدة من أبرز الحواضر الثقافية في العالم وكمدينة تفتخر بتعدديتها الثقافية وتنوعها وغناها الحضاري وبكونها مركز استقطاب للتجارب الإبداعية الخلاقة.
وهذا التركيز على موضوع التعددية الثقافية نهج دأب عليه المهرجان في دوراته الأخيرة تحت قيادة مديرته الفنية كلير ستيوارت، التي عرفت أيضا بتركيزها على إسهام المرأة في الصناعة السينمائية، وشهد هذا الموضوع تفضيلا خاصا في الدورات التي أدارتها، حتى أن فيلمي الافتتاح في الدورتين السابقتين كانا لمخرجتين امرأتين، أحدهما ساره غافرون التي قدمت فيلم “سفرجيت” في عام 2015، عن كفاح الحركة النسوية المطالبة بمنح المرأة في بريطانيا حق التصويت مطلع القرن العشرين، ثم تلاه فيلم المخرجة البريطانية من أصول افريقية، أما أسانتي، في عام 2016 في دورة احتفت بالمواهب السوداء في السينما.
وقد امتد هذا الاهتمام بالمخرجات وموضوع المرأة إلى دورة هذا العام الذي تمثلت المخرجات بنحو 60 فيلماً من مجموع 242 فيلما روائيا من 67 بلدا تعرضها على مدى 11 يوما، أي ما يعادل ربع أفلامها.
وفتحت لندن قلبها لأوروبا التي تتفاوض للخروج منها، فكان للأفلام المنتجة في دول أوروبية حصة الأسد في هذه الدورة، وفي المقدمة منها فرنسا التي تمثلت بنحو 66 فيلما من إنتاج شركاتها السينمائية أو شاركت في انتاجها، وتلتها ألمانيا بـ 31 فيلما واسبانيا بـ 12 فيلما فضلا 11 فيلما لكل من إيطاليا وهولندا ومشاركات من دول أوروبية أخرى.
ومع هذا الانفتاح على السينما الأوروبية حرصت ستيوارت على أن تغلفها بالمشاركة البريطانية، إذا استعرنا شكل الكتاب لوصف المهرجان، إذ كان فيلما افتتاح واختتام المهرجان لمخرجين بريطانيين. أو حسب تعبيرها “حرصنا على أن تكون السينما البريطانية القلب النابض في هذه المشاركة العالمية”.
كما مثلت شركات الإنتاج البريطانية في هذه الدورة بـ 72 فيلما طويلا و قصيرا توزعت في مختلف تظاهرات المهرجان.
وسيحتفي حفل افتتاح المهرجان بفيلم “تنفس” للممثل والمخرج البريطاني أندي سركيس (والده طبيب نسائية من مواليد العراق ومن أصول أرمنية)، وهو المحاولة الإخراجية الأولى له بعد أن ثبت أقدامه كممثل ناجح في السينما والتلفزيون والمسرح، لاسيما في مجال التمثيل لشخصيات خيالية تتم معالجتها بالكومبيوتر”CGI” كما هي الحال في شخصية غولم في ثلاثية سيد الخواتم، وأدواره في أفلام “مغامرات تان تان” و “بزوغ كوكب القردة” و “حرب النجوم”.
وقد رشح سركيس لنيل جوائز البافتا والغولدن غلوب، لكنه حرم من الترشيح لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن شخصية غولم في سيد الخواتم وعن دوره “بزوغ كوكب القردة” لأن شخصياته في هذه الأفلام معالجة بالكومبيوتر.
في “تنفس” الذي يؤدي أدواره الرئيسية أندرو غارفيلد وكلير فوي، والمأخوذ عن قصة حقيقية، يقدم سركيس قصة حب روبن كافينديش وزوجته ديانا، التي تستحيل إلى قصة تحدي ورسالة أمل يحملها الزوجان إلى المعوقين في العالم، إثر إصابة روبن بشلل الأطفال بعمر 28 سنة بعد انتقال الزوجين إلى العاصمة الكينية نايروبي.
ويختتم المهرجان فعالياته بفيلم الكوميديا السوداء “ثلاث لوحات إعلانية خارج ايبنغ، ميسوري” للمخرج والسينارست والكاتب المسرحي البريطاني، مارتن ماكدوناه، والذي من أفلامه السابقة فيلم الكوميديا السوداء “في بروج” (مدينة بروج البلجيكية) الذي حصل على جائزة أحسن سيناريو في جوائز البافتا، ورشح لنيل أوسكار السيناريو في عام 2008، “المختلون السبعة” الذي احتفى به المهرجان في دورته في 2012.
ويقدم فيلم الختام قصة امرأة تستخدم لافتات إعلانية لإدانة الشرطة المحلية التي تخفق في الكشف عن المجرم الذي اغتصب وقتل ابنتها بعد تسعة أشهر من الجريمة.
وإلى جانب مسابقات المهرجان الرسمية (أفضل فيلم روائي وأفضل فيلم وثائقي وأفضل فيلم إخراج أول) تتوزع عروض المهرجان الأخرى على تظاهرات جمعت تحت ثيمات حسب موضوعات الأفلام: كالحب والضحك والتشويق والعائلة والرحلة والتجريب فضلا عن كلاسيكيات السينما المعاد ترميمها.
وتظل الميزة الأهم للمهرجان بالنسبة للندنيين أنه “مهرجان المهرجانات” الذي يحمل لهم أبرز الأفلام الفائزة والمشاركة في المهرجانات الكبرى خلال العام ككان وفينيسيا، ومن هذه الأفلام في هذه الدورة: “شكل الماء” الحاصل على جائزة الأسد الذهبي في فينيسيا للمخرج الأمريكي/ المكسيكي جييرمو ديل تورو، المعروف بأفلامه الفنتازية ومن أشهرها “متاهة بان” عام 2006.
في “شكل الماء” ينقل تورو أجواءه الفنتازية إلى أيام الحرب الباردة، حيث تكتشف أليسا التي تعيش في عزلة وزميلة لها كائنا غريبا داخل مختبر حكومي للتجارب السرية الأمر الذي يغير حياتها كليا.
ويقدم المهرجان أيضا الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان فينيسيا، وهو “خطوة الثعلب” للمخرج الإسرائيلي المثير للجدل صموئيل ماعوز، والذي يواصل فيه نهجه الذي عرف به في فيلمه السابق “لبنان” في انتقاد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وكذلك الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة “سويت كونتري”، فضلا عن فيلم الختام لماكدوناه الذي حصل على جائزة السيناريو في المهرجان المذكور.
ومن كان، جلب المهرجان هذا العام فيلم المخرج السويدي روبن اوستلوند “المربع” الفائز بالسعفة الذهبية، وفيلم “120 خفقة بالدقيقة” للمخرج الفرنسي روبين كامبيو الفائز بجائزة المهرجان الكبرى، وفيلم المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس “قتل الأيل المقدس” الفائز بجائزة السيناريو، إلى جانب فيلم المخرج الروسي أندري زفياغنتسيف “بلاحب” الحاصل على جائزة لجنة التحكيم.
كما تحضر في هذه الدورة أفلام عدد من المخرجين المميزين من أمثال: مايكل هانكه، ريتشارد لينكلاتر، أنييس فاردا، فرانسوا أوزون، تاكاشي ميكي،الكساندر باين، ومجيد مجيدي.
ومن عادة مهرجان لندن أن يفرد للسينما العربية حصة تمثيل جيدة في فعالياته، وفي هذا العام تمثلت مصر بفيلم “الشيخ جاكسون” للمخرج عمرو سلامه، الذي يتحدث عن رجل دين كان عاشقا للنجم الشهير مايكل جاكسون في مراهقته، ويشارك المخرج السويدي من أصول مصرية طارق صالح بفيلم “حادثة فندق هيلتون النيل” الذي صوره في المغرب، لعدم تمكنه من تصويره في مصر، ويتناول التحقيق في مقتل عشيقة برلماني ثري وصديق لنجل الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وتمثلت تونس بفيلم المخرجة كوثر بن هنية “على كف عفريت” وهو إنتاج مشترك مع عدد من الدول بينها قطر وسويسرا، ومستوحى من قصة حقيقية عن اغتصاب فتاة من قبل رجلي شرطة وقعت في تونس عام 2012، كما اشتركت في إنتاج فيلم “فرانز فانون: جلد أسود، قناع أبيض” عن حياة فانون، المفكر والمناضل اليساري.
وتشارك المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر بفيلمها الثالث “واجب”، الذي سبق أن أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية عن ترشيحه لتمثيل فلسطين في جوائز الأوسكار لعام 2018، وهو يتناول قصة علاقة أب بإبنه الذي يعود من غربته للمساعدة في تحضيرات زفاف أخته ليواجه بواقع معقد كان بعيدا عنه.
ويشارك في المهرجان أيضا فيلم المخرجة الفلسطينية بسمة الشريف الأول “أوروبورس” الذي تدور أحداثه في غزة.
ويتمثل لبنان بفيلم المخرج أحمد غصين “مصنع لبنان” الذي افتتحت به تظاهرة اسبوعي المخرجين في مهرجان كان الأخير، والفيلم القصير “بالأبيض” لدنيا بدير، كما يشارك في إنتاج أفلام أخرى من بينها فيلم المخرجة الإيرانية شيرين نَشاط “البحث عن أم كلثوم” عن حياة المطربة المصرية الشهيرة والمعروفة باسم كوكب الشرق، وقد جسدتها في الفيلم الممثلة المصرية ياسمين رئيس.
ويشارك العراق بفيلم “الرحلة” للمخرج محمد الدراجي، الذي يتناول لحظة درامية متوترة وهواجس فتاة يجبرها مسلحون إرهابيون على ارتداء حزام ناسف ويرسلونها لتفجير محطة قطار.
كما يستعيد المهرجان ضمن كلاسيكياته عرض فيلم المخرج الموريتاني ميد هوندو “ايتها الشمس” الذي أنجزه في عام 1970 وعد من الأفلام الطليعية في زمنه.