«ليليا».. فلسفة واقع الجسد وأزمة المراهقة
«الاسكندرية» ـ انتصار دردير
لاشك أن مرحلة المراهقة تعد خطيرة في حياة الشباب والفتيات، وقد دقت السينما المصرية علي أبوابها في أفلام عديدة مثل «المراهقات» لماجدة، «مذكرات مراهقة» لهند صبري وايناس الدغيدي، و«أولي ثانوي» لنور الشريف وميرفت أمين، وغيرها.
ويأتي الفيلم التونسي «ليليا، بنت تونسيه» ليقدم أزمة مراهقة في الثامنة عشر من عمرها، تعيش مع والدتها الشابة بعد رحيل الأب، ويبدأ الفيلم بأستاذ فلسفة يشرح لتلاميذه مقاربة الجسد في فلسفة «سبينوزا»، والذي ستدور في فلكه كافة أحداث العمل إلى النهاية.
و«ليليا، بنت تونسيه» فيلم روائي ينافس في مسابقة نور الشريف للأفلام الطويلة بمهرجان الاسكندرية السينمائي، من إخراج محمد الزرن وسيناريو حمادي الزمرلي ومحمد الزرن، ومن بطولة سمر الماطوسي وعبد القادر بن سعيد، بمشاركة وليد المويهبي وألفة عياد ورافعة عيادي وصبري الجندوبي.
وبعد أن يتحدث الاستاذ عن الجسد ويقول لهم لا اريد ان يتحول الجسد لكيس اسود يلقي به في القمامة، يغادر الطلبة القاعة وبينهم ليليا التي تفاجئ بصديقتها تلقي لها حقيبتها لتستقل دراجة بخارية مع شاب ينتظرها ويطير بها وعين ليليا ترقبهما باهتمام، وتعود ليليا الي البيت لتجد امها تحدثها عن عريس تقدم للأم التي تسألها اذا كانت توافق، وتحدثها كيف عانت مع والدها وانها لن تهتم بالزواج اذا لم توافق ابنتها، ويصل الشاب احمد لتجده هو مستقل الدراجة مع صديقتها، وفي زيارة ثانية له يفاجئ بعدم وجود الأم وتبقيه ليليا وتحاول اغراءه فينهرها بشدة فتحاول استدراجه في مشهد غير مألوف، وتصل الأم في هذا الوقت فتعتقد انه يعتدي علي ابنتها فتضربه بآلة علي رأسه وتنفجر الدماء منه، وليليا تصرخ وتحاول اخبارها بأنها من أرادته، وتصاب الأم بصدمة وتموت جراء ذلك، وبين واقع مكبل وحلم في التحرر، تخوض «ليليا» صراعا مع الذات، في رحلة البحث عن الحرية المنشودة والسعادة المفقودة. وأمام ثقة مفرطة في النفس ونرجسية في الاعتداد بجمالها، تتقاذفها أمواج المد والجزر وتفقدها في أحيان كثيرة السيطرة على الأهواء والرغبات والشهوات.. فيضيع منها مفتاح التوازن وتحاصرها الكوابيس والأوهام وتلاحقها عذابات الضمير لكنها ترفض الانصياع والامتثال وتتواصل في التمرد والعصيان مطلقة العنان للجسد ليكون هو الدليل والعنوان. ولكن تعيش «ليليا» بعد حادث وفاة والدتها حالة من الاضطراب النفسي وهي تستعيد مشاهد القتل والموت وتزور قبر امها وترحل عن البيت الملئ بذكريات اليمة.
وعلى مدار ساعة ونصف من الزمن تقود كاميرا المخرج محمد الزرن إلى تفاصيل قصة «ليليا» التي تنشد الحرية، وحكاية شخصيات تنازع من أجل التحرّر.. لكن هذه المقاربة السينمائية لفلسفة الجسد، تفقد بوصلتها في النصف الثاني من الفيلم، حيث نفاجئ بزواج الفتاة دون مقدمات من رجل يكبرها علي خلاف مع ابنته من زواج سابق، وخلال تفجر خلاف بينهما ذات ليلة تستغل الابنة الموقف وتغرس سكينا في قلب ابيها، وتتوالي احداث مفتعلة، تتوه بالمشاهد ولا تخدم الموضوع في شيئ مثل السخرية المتوالية من زميلها القزم والذي يبدو صديقا لها احيانا، واحيانا اخري يستغلها، ثم الاخرس حارس المنزل الذي يتلصص عليها ويشتهيها، والذي خذله لسانه في التعبير عن حبه لها فوجد ضالته بملابسها الداخلية، يسرقها ليقضي معها لحظات خاصة في غرفته..
وإن كان كل عمل فني لا يخلو من بعض السقطات باعتبار أن الفن في كل وجوهه هو مسار منهك نحو بلوغ الكمال، فإن ما يحسب لـ «ليليا، بنت تونسيه» هو أنه فيلم تعطّر بنفحات أنفاس الحرية لولا حالة التخبط في بعض أحداثه الاخيرة، ومع ذلك فإنه يحسب له اهمية الفكرة وجمالية الصورة وكذلك الأداء الجيد لممثليه وفي مقدمتهم بطلته الشابة سمر الماطوسي وعبد القادر بن سعيد، والموسيقي التصويرية التي جاءت متلائمة مع الحدث وموظفة جيدا في كثير من المشاهد.
وهكذا يحاول الفيلم المزج بين ثنائيات عدة منها الموت والحياة، والرغبة والحرمان، والفقر والغنى، لينتهي بالبطلة وسط طريق طويل دون نهاية؛ وكأن المخرج أراد أن يبرز من خلالها رمزية أن البحث عن الحقيقة يبقى دائما مشوارا لا ينتهي.